آخر الأخبار

باتجاه توطين الصناعات.. هل يؤدي القطاع الخاص اليمني دوره كشريك رئيس في التنمية ؟

شارك

وفي ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها اليمن، تبرز قضية توطين الصناعات كأحد أكثر الملفات أهمية وحساسية، ليس باعتبارها رفاهية اقتصادية أو شعاراً مرحلياً، بل كخيار استراتيجي وضرورة تنموية مُلحّة، ومع استمرار الاعتماد على الاستيراد وتفاقم العجز في الميزان التجاري، يصبح التوطين ليس مجرد توجه مرحلي، بل رؤية طويلة الأمد ينبغي أن يتبناها القطاع الخاص أولاً، قبل الدولة.

توطين الصناعات لإحلال المنتج المحلي بدلاً عن المستورد، سينعكس بشكل مباشر على تقليل فاتورة الاستيراد، ويؤدي إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، هذه العملية تبدأ بخطوات عملية يمكن أن تتجسد في الاستثمار في الصناعات الغذائية، الدوائية، والملابس، على أن تتوسع لاحقاً لتشمل الصناعات الثقيلة والخفيفة، وفق خبراء اقتصاديين.

من زاوية أخرى، لا يتوقف التوطين عند حد الاقتصاد الكلي، بل يتجاوزه ليكون رافعة اجتماعية مهمة، فكل مصنع يتم إنشاؤه، وكل خط إنتاج يُفتتح، يعني فرص عمل حقيقية للشباب العاطل، ويعني دخولاً إضافية لعائلات كانت تعتمد على الإعانات أو المساعدات. بهذه الطريقة، يتحول المجتمع تدريجياً من حالة الاعتماد على تلقي المعونات والمساعدات إلى حالة "الإنتاج"، كما تتحول طاقات الشباب من عبء اقتصادي إلى رصيد تنموي.

ومما سبق لا يعني أن القطاع الخاص هو المعني الوحيد بملف التوطين، فالدولة ليست بمنأى عن المسؤولية، بل إنها في حالات التحول الصناعي الناجح كانت دائماً الشريك الذي يهيّئ البنية التحتية ويوفر بيئة مشجعة للاستثمار الصناعي. فهي المعنية بتوفير مناطق صناعية مؤهلة بالخدمات اللوجستية، وإعفاء مدخلات الإنتاج من الجمارك والضرائب، وتقديم حوافز تمويلية وضريبية لرؤوس الأموال الوطنية الراغبة في الاستثمار الإنتاجي، كما يقع على عاتقها حماية المنتجات الوطنية من الإغراق بالمنتجات الخارجية، عبر سياسات تجارية ذكية.

في السياق، يرى خبراء اقتصاديون يمنيون أن الغرف التجارية الصناعية لا تزال تفتقر إلى رؤية واضحة بشأن التوطين، وتُعطي الأولوية لمصالح الاستيراد والتوزيع على حساب التصنيع المحلي. مؤكدين أن تصحيح هذا المسار يتطلب تحولاً في الفكر المؤسسي، بحيث تكون الغرف التجارية حاضنة لرؤى التطوير الصناعي، ومنبراً لحشد الاستثمارات نحو الإنتاج، لا مجرد واجهات لتنظيم الفعاليات التجارية.

إن التحديات التي يواجهها الاقتصاد اليمني، تجعل من التوطين ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، وإذا ما اجتمع وعي القطاع الخاص وإرادة الدولة وإصرار المؤسسات الداعمة، فإن اليمن يمتلك من الموارد البشرية والفرص الكامنة ما يكفي ليكون قاعدة إنتاجية حقيقية في المنطقة، ما يعني أن التوطين يجب أن يكون قضية استراتيجية تتصدر أولويات المرحلة المقبلة، لا مجرد مبادرات محدودة أو شعارات موسمية. فنهضة الأوطان تنطلق من المصانع، وتتحقق فعلياً عندما يكون الإنتاج المحلي مقدماً على ما سواه.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا