آخر الأخبار

بتصعيدها البحري الرابع ضد إسرائيل .. صنعاء تقدم صيغة أخلاقية للعمل العسكري

شارك

تؤكد صنعاء، من خلال بيان المتحدث العسكري، العميد يحيى سريع، أن قراراتها تأتي استجابة للوضع الإنساني الكارثي في غزة، حيث يعيش المدنيون تحت قصف مستمر، ويعانون من حصار خانق حرمهم من الغذاء والماء والدواء. هذه المعاناة اليومية، التي تمارس بحق أكثر من مليوني إنسان، دفعت بصنعاء إلى تحمل ما وصفته بـ"المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية"، في وقت بدا أن كثيرين في العالم، وخصوصاً في العالمين العربي والإسلامي، اختاروا التفرج أو الصمت، بل إن البعض اختار التواطؤ والمشاركة في الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بطرق وأساليب مختلفة، وإن بشكل غير معلن.

ما يقدمه اليمن من خلال هذه العمليات هو رسالة بأن الوقوف إلى جانب المظلومين لا يجب أن يكون فقط في إطار الكلمات أو البيانات الدبلوماسية، بل لا بد أن يتحول إلى أفعال ميدانية حتى في ظل ظروف داخلية معقدة وصعوبات اقتصادية وأمنية. هذا الفعل يحمل دلالات تتجاوز الساحة اليمنية، فهو يعكس نموذجاً نادراً في الإقليم والعالم في ما يتعلق باتخاذ مواقف عملية ضد الاحتلال، بينما تغرق كثير من العواصم في حسابات سياسية باردة تحوّل مواقفها إلى خذلان وتواطؤ ينافي كل القيم الإنسانية.

تصريحات العميد يحيى سريع لم تخلُ من التهديد، لكنها لم تكن تهديدات مجردة أو عشوائية، بل مشروطة بشكل واضح: إيقاف العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن غزة سيقابل بوقف العمليات اليمنية. أما استمرار المجازر والتجويع، فسيقابل بتصعيد أكبر. هكذا تقدم صنعاء صيغة أخلاقية للعمل العسكري، تربط الفعل بالقيم، والرد بالأسباب، وهو ما يميز موقفها عن مجرد ردود الفعل الانتقامية أو الاستعراضية.

أحد أبرز عناصر المفارقة في المشهد هو أن اليمن، البلد الذي يرزح تحت حصار ومعاناة إنسانية منذ سنوات، هو الذي قرر أن يتحرك لنجدة غزة، في وقت امتنعت دول أكثر استقراراً وقوة عن اتخاذ أي إجراء ملموس. بل إن دولاً عربية تواصل علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع إسرائيل، بدون أن تظهر أي نيّة لاستخدام نفوذها لوقف العدوان.

هذا التناقض الفاضح بين الإمكانات والمواقف، يسلط الضوء على فداحة الخذلان العربي، وعمق المأزق الأخلاقي الذي بات يطبع السياسات الإقليمية والدولية تجاه فلسطين. فأن تتحمل صنعاء– المنهكة بالحرب والمواجهات والحصار– هذا العبء، فهو كشف لمقدار السقوط الأخلاقي لدى من يمتلك القدرة ولا يستخدمها.

بعيداً عن الجانب الإنساني، يحمل هذا التصعيد رسائل استراتيجية موجهة للمنطقة وللمجتمع الدولي. فهي تضع الملاحة الدولية في البحر الأحمر والخليج وبحر العرب أمام معادلة جديدة: التعامل مع إسرائيل يعني دخول دائرة الاستهداف. وتلك معادلة تفتح جبهة ضغط اقتصادي وتجاري على تل أبيب، في وقت يشهد الاحتلال عزلة متزايدة في الرأي العام العالمي، حتى في الغرب.

لكن الأهم أن هذا التحرك اليمني لا يتم من منطلق المساومة أو الطموحات الجيوسياسية، بل من منطلق تحرك دفاعي أخلاقي، لن يتوقف إلا إذا توقفت آلة القتل الإسرائيلية عن حصد أرواح الأطفال والنساء في غزة، سواء بالقنابل والصواريخ أو بالتجويع والتعطيش.

ما تقوم به صنعاء اليوم ليس مجرد تحدٍّ عسكري، بل هو إحياء لفكرة أن القيم يمكن أن تكون محركاً حقيقياً للسياسة، ففي وقت تتفكك المعايير وتُختزل الحقوق في المصالح، تأتي اليمن لتقول إن الموقف الأخلاقي ليس ترفاً، بل هو التزام، حتى لو كان الثمن باهظاً. وقد يكون هذا الصوت الصادق، القادم من جنوب الجزيرة العربية، هو ما تحتاجه غزة، وهو ما يحتاجه العالم الذي لم تعد فيه القيم الإنسانية والأخلاقية إلا مجرد كلمات افتتاحية للقمم والمؤتمرات وبيانات ختامية لم يحدث أن ارتقى أحدها إلى مستوى التحرك العملي.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا