آخر الأخبار

حين تصطدم الرمزية الثقافية بالتواطؤ السياسي .. فعالية إسرائيلية تفقد المتحف البريطاني توازنه الأخلاقي

شارك

وفي رسالة مفتوحة وقّع عليها أكثر من 200 شخصية بارزة من الفنانين والمؤرخين والمثقفين، بينهم المؤرخ الشهير ويليام دالريمبل والمغنية بالوما فيث والممثلة جولييت ستيفنسون، طالب الموقعون إدارة المتحف بتقديم اعتذار علني، والكشف عن حيثيات الموافقة على تنظيم هذا الحدث الذي اعتبروه "تبييضاً علنياً لجرائم الحرب الإسرائيلية"، لا سيما في ظل ما يشهده قطاع غزة من عدوان وحصار مستمرين، وصفته تقارير أممية مؤخراً بـ"الإبادة الجماعية".

الحدث الذي أقيم داخل قاعات المتحف العريقة، شهد حضور السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة تسيبي حوتوفيلي، ووزيرة الدفاع البريطانية ماريا إيغل، إضافة إلى شخصيات سياسية مثيرة للجدل مثل نايجل فاراج والكوميدي جيمي كار، الأمر الذي زاد من استفزاز المشاعر العامة، خصوصاً في أوساط العاملين في المتحف أنفسهم، فقد أكد عدد من الموظفين أنهم لم يُبلغوا بطبيعة الحدث الحقيقي إلا بعد انتهائه، وتمت مطالبتهم بالمغادرة المبكرة في ذلك اليوم بدون توضيح، مما جعل الكثير منهم– خصوصاً المسلمين– يشعرون بعدم الأمان والخذلان من مؤسستهم.

وبحسب الرسالة، فإن "دعوة ممثلي دولة ترتكب فظائع ضد شعب بأكمله للاحتفال داخل مؤسسة عامة مرموقة هو تمكين واضح من الاستمرار في جرائمها ضد الإنسانية"، كما أشار بعض الفنانين إلى رفضهم التعاون مستقبلاً مع المتحف، مثل الممثل والكاتب جاسا أهلواليا الذي قاطع افتتاح معرض "الهند القديمة" احتجاجاً على الحدث.

الرسالة التي نظمتها ثلاث جهات رئيسية– حظر الطاقة من أجل فلسطين EEFP، والفنانون من أجل فلسطين، ومجموعة الطائرة الورقية البيضاء– لم تكتفِ بالمطالبة بالاعتذار، بل دعت كذلك إلى إنهاء الشراكة المالية بين المتحف وشركة النفط العملاقة "بريتيش بتروليوم BP، متهمة الشركة بالمساهمة في الحرب على غزة من خلال تزويد إسرائيل بالنفط المستخدم في تشغيل آلياتها العسكرية.

تأتي هذه المطالبات وسط تقارير حصل عليها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني بموجب قانون حرية المعلومات، كشفت أن السفارة الإسرائيلية حجزت المكان في مارس، وأن إدارة المتحف أبقت الأمر طي الكتمان لشهرين، ما اعتُبر تواطؤاً وتجاوزاً لشفافية الإدارة، كما أظهرت المراسلات بين السفيرة الإسرائيلية ومسؤولين بريطانيين أن الحدث لم يكن فقط "تجارياً" كما زعمت إدارة المتحف، بل جاء في إطار تعاون رسمي بين لندن وتل أبيب لتسليط الضوء على "العلاقات الثنائية القوية"، ودعم "أمن إسرائيل".

وفي رسالة داخلية أعقبت الحدث، دافع مدير المتحف نيكولاس كولينان عن القرار، قائلاً إن المتحف "لا يمكنه تقويض سياسة الحكومة البريطانية الخارجية"، وهي حجة لم تلقَ قبولاً لدى الموظفين والمثقفين، الذين أشاروا إلى أن المتحف كهيئة مستقلة عليه أيضاً التزام أخلاقي بالحياد والعدالة، لا أن يتحول إلى منصة دعائية لأي طرف يرتكب جرائم موثقة ضد حقوق الإنسان.

وقد ختم الموقعون رسالتهم بمطالبة المتحف بتشكيل لجنة ديمقراطية تضم ممثلين عن الموظفين والنقابات، تتولى اتخاذ قرارات بشأن التمويل والشراكات والفعاليات، بما يضمن احترام القيم الأخلاقية وعدم تسييس مؤسسة ثقافية من المفترض أن تكون للجميع.

يشار إلى أن هناك موقفاً متصاعداً من داخل المؤسسة الثقافية البريطانية الأهم، ويعكس تحولاً ملحوظاً في مواقف النخب الثقافية والفنية تجاه القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على غزة، مع تزايد الضغط الشعبي والمؤسسي لفصل السياسة عن الفضاءات الثقافية العامة، ورفض تبييض الجرائم بأي شكل من الأشكال.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا