في ورشة عمل تشاورية نظمتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي في مدينة عدن، بمشاركة ممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والسلطة المحلية بمحافظة المهرة، طُرحت من جديد مسألة إعادة الإعمار والإصلاح، وكأن الكارثة حديثة العهد، لا يطويها قرابة عامين من التجاهل والتقاعس.
استعرضت الورشة نتائج إعصار "تيج"، الذي تسبب في دمار واسع للبنية التحتية وخدمات المياه والكهرباء والصحة والتعليم، إضافة إلى خسائر كبيرة في ممتلكات المواطنين، وتركز الدمار الأكبر في مديرية حصوين، التي تم تجاهلها وغابت عنها الاستجابة السريعة والمعالجة الجادة.
نائب وزير التخطيط بحكومة الشرعية، الدكتور نزار باصهيب، قال إن الوزارة أطلقت استغاثة عاجلة من اليوم الأول للإعصار، وناشدت الجهات الحكومية والدولية والمانحين للتدخل العاجل، إلا أن تلك النداءات لم تُترجم إلى تحرك فعلي على الأرض.
من جهته، شدد الأمين العام للمجلس المحلي بمحافظة المهرة، سالم نيمر، على ضرورة الإسراع في إعداد خطة تدخل عاجلة تركز على القطاعات الأساسية، وإعداد مصفوفة مشاريع قابلة للتمويل. كما دعا إلى آلية تنسيق واضحة بين الشركاء المحليين والدوليين لمتابعة تنفيذ المخرجات.
ويرى مراقبون أن ما يجري اليوم لا يعكس استجابة حكومية مسؤولة بقدر ما يعكس عجزاً إدارياً متراكماً، مشيرين إلى أن هذه الورشة ليست سوى واحدة من سلسلة طويلة من الاجتماعات وورش العمل التي تموَّل من المساعدات بدون أن تصب فعلياً في مصلحة المتضررين.
وتعود الذاكرة إلى تصريحات سابقة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، الذي أعلن عقب الإعصار عن دعم سعودي لمواجهة تداعيات الكارثة، بالإضافة إلى مساعدات إنسانية أوروبية طارئة أعلنت عنها المفوضية الأوروبية في نوفمبر 2023.
لكن هذه الوعود والمبالغ المرصودة، لم تغير شيئاً في واقع مديرية حصوين الغارقة في معاناتها بعد حدوث الكارثة، وغيرها من المناطق المتضررة في محافظة المهرة، كما صمت الحكومة آذانها عن أصوات المواطنين في وقفاتهم الاحتجاجية حين طالبوا بتنفيذ الوعود المعلنة وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
من خلال الورشة، بدت الحكومة وكأنها تعود إلى نقطة البداية، حيث يُعاد الحديث عن ضرورة "إعداد خطط" و"مصفوفات مشاريع"، بدون الإشارة إلى ما تحقق فعلياً خلال العامين الماضيين من عمليات إصلاح أو تعويضات، وهو ما يعني أن شيئاً لم ينجز.
التحركات الحالية تثير شكوكاً لدى المواطنين والمراقبين على السواء، حول ما إذا كانت هذه الورش تُستخدم كوسيلة لجذب تمويلات جديدة بدون ضمانات بشأن آليات الصرف أو الشفافية في التنفيذ.
غياب الشفافية في إدارة ملف المساعدات الخارجية بعد الإعصار فاقم من معاناة المتضررين، وسط غياب أي تقارير حكومية رسمية توضح أوجه صرف التمويلات، كما أن تأخر الاستجابة وعدم وجود خطة تدخل فورية عقب الكارثة أضاع فرصة التخفيف من آثار الإعصار في وقته، ما ترك السكان في مواجهة طويلة مع تداعياته.
وبينما تستمر الورش في الانعقاد، وتُصرف المزيد من الأموال على دراسات ومشاورات، تبقى مديرية حصوين وغيرها من المناطق المتضررة من الإعصار في محافظة المهرة، نموذجاً صارخاً لفشل الاستجابة للكوارث في اليمن، وتظل آمال المواطنين المتضررين معلقة على تحرك جاد لا يُرهن بالمصالح السياسية أو سوء الإدارة.