آخر الأخبار

من الرشاش إلى الفرط صوتي .. كيف يفرض أنصار الله معادلات جديدة في النظام العالمي ؟

شارك

هذا ما خلص إليه تحليل مطوّل نشره الموقع الروسي الإخباري "ديزن رو"، الذي رسم صورة مغايرة تمامًا لما تحاول وسائل الإعلام الغربية ترسيخه حول الحركة، مستعرضًا كيف باتت تفرض قواعد اشتباك جديدة، وتعيد رسم خطوط التأثير في النظام العالمي.

ـ من الهامش إلى قلب المشهد:

بحسب التقرير، فإن الحركة التي انطلقت في جبال صعدة برشاشات متواضعة، صعدت تدريجيًا لتصبح قوة إقليمية تمتلك تكنولوجيا متقدمة تشمل صواريخ تفوق سرعة الصوت وطائرات مسيّرة بعيدة المدى، قادرة على بلوغ العمق الإسرائيلي وتهديد أبرز شرايين التجارة العالمية.

لكنّ اللافت في هذا التقدير الروسي ليس فقط حجم التحول العسكري الذي شهدته الحركة، بل موقعها الاستراتيجي الجديد في المعادلة الدولية. فبحسب التقرير، لم تعد أنصار الله مجرّد طرف يردّ على هجمات أو يشارك في نزاع محلي، بل باتت تؤدي دورًا مؤثرًا في إعادة تشكيل النظام العالمي نفسه، خاصة في ظل التآكل التدريجي لما يُسمى "الهيمنة الأحادية" التي حكمت العالم منذ نهاية الحرب الباردة.

ـ تقاطع الأبعاد العسكرية والجيوسياسية:

وإذا كانت البيانات الصادرة عن المتحدث العسكري باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، تُقرأ عادةً كبيانات عسكرية بحتة، فإن التقرير يلفت الانتباه إلى نبرة "الجغرافيا السياسية" التي بدأت تطغى عليها. حين يُعلن الرجل بهدوء عن استهداف مطار إسرائيلي بصاروخ "فلسطين 2" الفرط صوتي، أو يتحدث عن مسيرات تحلق فوق عسقلان وأم الرشراش، فهو لا يخاطب الداخل فقط، بل يُرسل رسائل دولية من موقع اللاعب الواثق.

وليس خافيًا أن هذه اللغة الجديدة تحمل دلالات أبعد من ساحة الصراع اليمني-السعودي، فهي تشير إلى طموح سياسي ممتد، وقدرة على بناء استراتيجية ميدانية متصلة بقضية كبرى كفلسطين، وبهدف لا يقل عن كسر صورة "الحصانة الغربية" التي لطالما كانت ركيزة الخطاب العسكري في الغرب.

ـ حصار البحر الأحمر.. تحوّل مفصلي:

من أبرز المؤشرات على تحوّل دور أنصار الله كان إعلان الحصار البحري على السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023. هذا الإجراء الذي بدا أول الأمر رمزيًا، سرعان ما تبيّن أنه فاعل وذو تأثير ملموس، خاصة مع اضطرار عشرات شركات الشحن إلى تغيير مساراتها، وارتفاع تكاليف النقل بشكل لافت.

وبينما حاول الإعلام الغربي التقليل من جدوى الحصار، بدأت مؤسسات أوروبية في الحديث عن تداعياته الفعلية على إمدادات الطاقة وسلاسل الإمداد العالمية، خاصة في ظل تصاعد وتيرة العمليات البحرية التي تنفذها قوات صنعاء في منطقة شديدة الحساسية.

نهاية عصر "الاحتكار الغربي":

يشير التقرير إلى أن الصمت الغربي، خصوصًا من واشنطن وبروكسل، على هذه التحولات ليس دليلًا على التجاهل، بل على القلق من واقع جديد تُفرض فيه المعادلات بالقوة، لا بالتفاوض فقط.

ويبدو أن المقاربة الغربية القديمة التي كانت تعتمد على "احتكار قرار الحرب والسلام"، لم تعد صالحة في عالم تتعدد فيه مراكز القوة. وبهذا المعنى، فإن أنصار الله ليست مجرد قوة عسكرية، بل "قوة أخلاقية"، بحسب وصف التقرير، لأنها تخوض معركتها دفاعًا عن غزة، وترفض وقف عملياتها ما دام العدوان الإسرائيلي مستمرًا.

ـ من فاعل إقليمي إلى مؤثر دولي:

لم تعد "أنصار الله" – كما ترى القراءة الروسية – مجرد حركة تحاول البقاء في وجه الحصار، بل باتت فاعلًا عابرًا للحدود. امتلاكها للتكنولوجيا العسكرية المتطورة، وقدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة في عمق الكيان الإسرائيلي، وإرباكها لخطوط التجارة، كلها مؤشرات على تحولها من مجرد خصم في ساحة معركة، إلى مُغيّر في قواعد اللعبة الإقليمية والدولية.

حتى الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، الذي لطالما تباهى برغبته في "صناعة السلام" في الشرق الأوسط، بات يشاهد خارطة جديدة ترتسم دون أن يكون له فيها يد أو تأثير.

ـ احترام بعد خوف:

وربما أكثر ما يلخّص هذا التحوّل هو ما ختم به التقرير الروسي: "إذا كانت أنصار الله تُخشى سابقًا، فإنها اليوم تُحترم". وهذه نقلة نوعية لا تحدث كثيرًا في تاريخ الحركات المسلحة.

فهي لا تعني فقط تغيرًا في موازين القوى، بل تعني أن زمنًا جديدًا قد بدأ فعلًا، تتراجع فيه أحادية القرار وتظهر فيه قوى جديدة على الساحة العالمية، من بينها – وبوضوح – اليمن.


* نقلا عن عرب جورنال


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا