الهجوم الإيراني على بئر السبع: "الطلقة الأخيرة" التي توجت الانتصار
الضربة الإيرانية على مدينة بئر السبع، والتي أُطلقت بعد أن شنت إسرائيل هجوماً رمزياً على أرض خالية في طهران، شكّلت ذروة المشهد العسكري والنفسي. بخلاف الطلقة "الودّية" التي وصفها ترامب بأنها استعراض إسرائيلي، فإن الرد الإيراني كان فعلياً وصاعقاً، متسبباً بمقتل 4 إسرائيليين وجرح 26، وتدمير عدد من المباني، بحسب الإعلام الإسرائيلي.
لم تكن هذه الضربة مجرد رد فعل عسكري، بل مثّلت تحدياً مباشراً للردع الإسرائيلي والأمريكي، ورسالة ختامية قوية بأن إيران قادرة على اختتام الحرب بيدها، وبصوتها الأعلى.
انهيار الأهداف الإسرائيلية: لا نزع نووي ولا تغيير للنظام
الحرب التي بدأت بإعلانات ضخمة من تل أبيب وواشنطن عن نزع السلاح النووي الإيراني، وتفكيك القدرة الصاروخية لطهران، بل وحتى تغيير النظام، انتهت بدون أن يتحقق أيٌّ من تلك الأهداف، بل على العكس، أثبتت إيران قدرتها على نقل المعدات والمواد النووية الحساسة قبل الغارات، مما أبقى برنامجها النووي بعيداً عن التصفية.
أما دعوات "نتنياهو" للشعب الإيراني من أجل الثورة، فقد ارتدت عليه؛ فالحكومة الإيرانية أظهرت تماسُكاً قوياً، وحصلت على تأييد شعبي ملحوظ، في ما وصفه مراقبون بأنه فشل ذريع لمشروع تغيير النظام من خلال الحرب.
الهجمات الصاروخية: اختبار الردع وسقوط الأساطير
رغم إعلان إسرائيل عن تدمير "ثلث منصات الصواريخ الإيرانية"، فإن الأيام الأخيرة من الحرب شهدت إطلاقاً متواصلاً لصواريخ متعددة الرؤوس، بعضها لأول مرة، لتُسقط تلك الادعاءات. وكانت مشاهد الدمار في العمق الإسرائيلي، ونزوح آلاف المدنيين، كفيلة بإظهار هشاشة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية أمام قدرة إيران على التنظيم والضرب المؤلم والدقيق.
استهداف قاعدة "العديد": نقطة تحول إقليمية
الحدث الأخطر في الأيام الأخيرة كان استهداف إيران لقاعدة "العديد" الأمريكية في قطر، وهو تطور نوعي يفتح الباب أمام احتمال اتساع رقعة المواجهة الإقليمية، خصوصاً مع دخول منشآت أمريكية ضمن بنك الأهداف الإيراني. هذا الهجوم، وإن لم يسفر عن خسائر بشرية معلنة، فإنه حمل رسالة استراتيجية بأن طهران جاهزة لتحدي الهيمنة الأمريكية مباشرة.
إسرائيل في موقع مهزوم.. وإيران تتهيأ للجولة القادمة
ما بعد الحرب ليس كما قبلها، لم تتمكن إسرائيل من فرض الاستسلام، ولم تُنهِ البرنامج النووي الإيراني، ولم تشلّ قدرة إيران الصاروخية، بل تلقت أعنف ضربة منذ نشأتها، مع انهيار واضح في الصورة الذهنية لردعها التقليدي، وتحول كبير في المزاج الشعبي الذي لم يعد يرى حكومته قادرة على حماية العمق الإسرائيلي.
إيران، في المقابل، أنهت الجولة وهي في وضع استراتيجي أفضل، بعدما أثبتت أنها قادرة على إيلام خصومها والرد بقوة، وتحديد توقيت ووتيرة التصعيد.
رغم وقف إطلاق النار، إلا أن التقييمات العسكرية والسياسية في واشنطن وتل أبيب تجمع على أن هذه ليست نهاية الصراع. "حرب الـ12 يوماً" كانت اختباراً ميدانياً صادماً، كشف أخطاء التقدير الغربي والإسرائيلي، وأعاد ترتيب أوراق المنطقة. أما الضربة الإيرانية على بئر السبع، فستبقى محفورة في ذاكرة الإسرائيليين، ليس كقصف صاروخي فقط، بل كرمز لهزيمة لم يستطيعوا إخفاءها، رغم كل محاولات الإخراج المسرحي من واشنطن وتل أبيب.