عندما تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، قدم وعوداً قاطعة للشعب الأمريكي والعالم، مفادها أنه سينهي "حروب أمريكا التي لا تنتهي"، وسيسحب قوات بلاده من الشرق الأوسط، ويُعيد تركيز الجهود على الداخل الأمريكي، غير أن مجريات الأحداث الأخيرة تكشف زيف هذه الوعود؛ فقد جاء القصف الذي استهدف منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية في إيران– ولو جزئياً– بمثابة إعلان صريح عن دخول أمريكا خط المواجهة بشكل مباشر.
الإيرانيون، من جانبهم، لم يعودوا يرون في هذا الصراع مجرد نزاع مع الكيان الإسرائيلي فحسب، بل يرونها حرباً تشمل واشنطن بشكل مباشر، وهو ما عبّر عنه النائب الإيراني منان رئيسي عندما قال إن "هذا العدوان الأمريكي هو دخول مباشر في الحرب"، متوعداً بأن الرد لن يقتصر على تل أبيب وحدها، بل سيطال كل من يشارك أو يدعم.
تشير الرسائل الإيرانية إلى أن طهران لا تتجه نحو حرب شاملة ضد ما تسميه "إمبراطورية الفوضى"، أي الولايات المتحدة، بل نحو استراتيجية استنزاف طويلة الأمد، من أبرز معالم هذه الاستراتيجية: حصار تدريجي لمضيق هرمز شريان الطاقة العالمي الذي قد يتحول إلى ساحة صراع اقتصادية شديدة التأثير على الغرب، خاصة أوروبا، واستهداف الناقلات المتجهة لأوروبا، وهي إشارة مباشرة إلى استخدام الطاقة كسلاح عقابي ضد أي دعم أوروبي لإسرائيل أو الولايات المتحدة، وتصعيد ضد الموساد وقيادات إسرائيلية، عبر عمليات اغتيال أو هجمات نوعية في الخارج، ودعم ميداني لمحاور المقاومة في غزة ولبنان: لإعادة إشعال الجبهات المحيطة بالكيان الإسرائيلي وخلق ضغط مزدوج، وفق مقال للصحافي البرازيلي بيبي إسكوبار على قناته في منصة تليجرام.
وأشار إلى أن أحد أخطر التحولات في الموقف الإيراني هو إعادة تقييم "العقيدة النووية"، فمع التلميحات الإيرانية بأن "كل شيء ممكن"، يبدو أن طهران تمضي بخطى أسرع نحو امتلاك القدرة النووية، أو على الأقل رفع مستوى التخصيب والتجهيز، كوسيلة ضغط وتفاوض، وربما كرادع فعلي في ظل تفاقم المواجهة.
المفارقة الأكبر تكمن في أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استغل خطابه المناهض للحروب في حملاته الانتخابية، يجد نفسه اليوم مسؤولاً أمام الناخب الأمريكي عن انخراط بلاده في واحدة من أعقد الحروب الإقليمية، والتي قد تتطور إلى صراع أوسع يشمل الخليج والبحر الأحمر والمجال الأوروبي. ما يحدث الآن يضع مصداقية ترامب على المحك، ويجعل من تصريحاته السابقة حول "السلام العالمي" أقرب إلى الشعارات الجوفاء الخالية من أي التزام واقعي.
ما يجري الآن ليس مجرد معركة تقليدية بين إسرائيل وإيران، بل هو بداية لتحول إقليمي كبير، مع توسيع رقعة الحرب سياسياً واقتصادياً وحتى نووياً، فدخول أمريكا المباشر– سواء بالقرار أو بالدعم الاستخباراتي واللوجستي– يجعلها طرفاً في هذا الصراع، ويجر المنطقة والعالم نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.
وفي النهاية، فإن تجاهل الإدارات الغربية للتحذيرات الإيرانية قد يُفضي إلى نتائج كارثية، فإيران، رغم القيود، تملك من أوراق الضغط ما يكفي لتقويض استقرار المنطقة وتعطيل حركة التجارة العالمية، بل وتهديد النظام الأمني الذي اعتمد عليه الغرب لعقود، وخلاصة الأمر هي أن الحرب الحقيقية تبدأ الآن، لكنها قد لا تنتهي.