تضمن وقف الهجمات على اليمن، مقابل وقف قوات صنعاء للسفن الأمريكية في البحرين الأحمر والعربي، ومنطقة باب المندب، وهو الاتفاق الذي اعترف سياسيون أمريكيون أنه مثل مخرجا للإدارة الأمريكية من تراكم الخسائر والاستنزاف على كافة المستويات، خاصة مع إدراك واشنطن أن صنعاء لن توقف هجماتها سواء تلك التي تستهدف بها العمق الإسرائيلي، أو التي تستهدف حاملات الطائرات والبوارج والقطع العسكرية الأمريكية كرد على الهجمات التي تشنها البحرية الأمريكية في الأراضي اليمنية.
وفي اعتراف جديد بالهزيمة أمام قوات صنعاء، نقلت مجلة بوليتيكو الأمريكية- في تقرير نشرته الجمعة الماضية- عن مسئول في الإدارة الأمريكية قوله إن إدارة ترامب "اختارت أقل الخيارات سوءا مع "الحوثيين" وذلك بوقف إطلاق النار معهم"، وهو ما يشير إلى عمق المأزق الذي وجدت واشنطن نفسها عالقة فيه، خاصة في ظل استمرار خسائرها العسكرية وتعرض حاملات الطائرات والبوارج والقطع البحرية التابعة لها لضربات متوالية من قبل قوات صنعاء، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة والتي تقدر بمليارات الدولارات من ذخائر ونفقات مختلفة، والتي لا تزال الإدارة الأمريكية تتعمد عدم الإفصاح عن حجمها حتى الآن.
وسلط التقرير الذي جاء بعنوان: "إسرائيل تشعر بآثار وقف إطلاق النار الذي عقده ترامب مع الحوثيين"، تداعيات اتفاق وقف العمليات العسكرية بين واشنطن وصنعاء، مطلع مايو الماضي، على كل من أمريكا وإسرائيل على السواء، حيث يعتبر هذا الاتفاق أول عملية فصل بين أمريكا وحليفتها إسرائيل في مواجهة أي تصعيد في المنطقة، حيث أشار التقرير إلى نوع من الحنق والنقمة لدى إسرائيل وداعميها الأمريكيين تجاه هذا الاتفاق الذي استبعدت فيه إسرائيل، وتركت لمواجهة الهجمات اليمنية المستمرة حتى الآن، وهو ما يعني انسحاب الإدارة الأمريكية للمرة الأولى من مسرح التصعيد إلى جانب إسرائيل، وتقديم مصالحها كأولوية، بغض النظر عن التحالف الوثيق والتاريخي مع إسرائيل، وهو ما يوحي بحالة من فقدان الثقة بين واشنطن وتل أبيب، جراء ذلك.
ويشير التقرير إلى أن الهجمات المستمرة من قبل قوات صنعاء "تكشف كيف تم استبعاد إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمه الرئيس دونالد ترامب مع من أسماهم الحوثيين"، وبذلك فإن استمرار الهجمات على إسرائيل التي وصفها بـ "الحليف الأهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط" يكشف عن الطريقة التي سلكتها واشنطن في هذا الاتفاق، مقدمة مصالحها على أي تحالف، لافتا إلى أن ذلك يجعل الإدارة الأمريكية في مواجهة ضغط من قبل المؤيدين لإسرائيل داخل الإدارة نفسها، في حال تصاعدت هجمات الحوثيين ضد إسرائيل.
وأضاف التقرير نقلا عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن بعض المجموعات المؤيدة لإسرائيل داخل الإدارة الأمريكية قد امتعضت من قرار إدارة ترامب بإبرام صفقة مع صنعاء، لم تتضمن شروطًا بوقف الهجمات على إسرائيل. مشيرين إلى أن ما بدا واضحا للإدارة الأمريكية هو أن "الحوثيين" لن يوقفوا أبدًا الهجمات على إسرائيل وأن الإدارة الأمريكية "ببساطة اتخذت الخيار الأقل سوءًا المتاح لها: التوقف عن إنفاق موارد عسكرية كبيرة وذخائر متطورة في قتال لا نهاية له. مضيفين أن إدارة ترامب ستستخدم مواردها بشكل أفضل من خلال التركيز على معالجة الأسباب الجذرية لهجمات الحوثيين، بما في ذلك وقف إطلاق النار النهائي في غزة وصفقة مع إيران، الداعمين العسكريين الرئيسيين للحوثيين، بشأن برنامجها النووي".
ونقل التقرير عن مسؤول سابق في إدارة ترامب قوله: "سيواصل الحوثيون هذه الهجمات لتأكيد مصداقيتهم الجهادية ومصداقية محور المقاومة ضد إسرائيل". وأضاف: "لقد حاول الجميع مواجهة الحوثيين عسكريًا لعقد من الزمان. وقد فشل الجميع"، وهو ما يشير إلى أن إدارة ترامب قد قامت بعملية إعادة تقييم للموقف، استنتجت من خلاله أن استمرارها في التصعيد ضد صنعاء لن يترتب عليه سوى المزيد من الخسائر لها سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، بينما النتيجة النهائية المؤكدة هي الهزيمة، فاختارت الخروج من هذا المأزق بما يقلص خسائرها ويحفظ لها ما تبقى من ماء الوجه.
وفي ضوء ما ذكره التقرير من أن الإدارة الأمريكية اختارت التركيز على الأسباب الجذرية لهجمات صنعاء على إسرائيل، فإن ذلك يتضمن تأكيدا ضمنيا على الخطأ الأمريكي في التورط بالهجمات على اليمن، كمحاولة للضغط على صنعاء لوقف استهداف إسرائيل والملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي، وبينما كانت صنعاء ولا تزال تؤكد أن وقف عملياتها العسكرية ضد إسرائيل مرتبط بوقف العدوان الإسرائيلي عن غزة ورفع الحصار عنها باعتبار أن ذلك هو السبب الرئيس في انخراط صنعاء في معركة المواجهة للعدوان الإسرائيلي والإسناد للمقاومة الفلسطينية والانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني، إلا أن أمريكا لم تستوعب ذلك إلا بعد تعرضها للهزيمة، وفشلها في تحقيق أي من أهداف حملتها في اليمن .