ووصفت الصحيفة الوضع البحري بـ"الكارثي" بالنسبة للمصالح الإسرائيلية، مشيرة إلى أن كلًا من واشنطن ولندن اضطرتا مؤخرًا إلى تقليص وجودهما العسكري في المنطقة، بعد أن أصبحت الهجمات اليمنية أكثر دقة وفعالية، متجاوزة القدرة الدفاعية للتحالف البحري الغربي.
انسحاب تحت النار:
ووفق التقرير الذي نشرته التلغراف، فإن البحرية الأمريكية، التي قادت عملية عسكرية تحت اسم "حارس الازدهار" لحماية السفن التجارية، لم تتمكن من احتواء الهجمات اليمنية، التي استهدفت سفنًا مرتبطة بإسرائيل، أو داعمة لها اقتصاديًا وسياسيًا.
وبحسب المعلومات التي أوردتها الصحيفة، فإن السفن الأمريكية أطلقت خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية عددًا من صواريخ الدفاع الجوي يفوق ما استخدمته في ثلاثة عقود مجتمعة، في مؤشر واضح على الاستنزاف الهائل في قدراتها الدفاعية واللوجستية، وحتى الاقتصادية.
وأكد التقرير أن هذا الوضع دفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم جدوى استمرار وجودها البحري المكثف، خاصة في ظل تصاعد التهديدات وتطور قدرات صنعاء التقنية والعسكرية، لا سيما في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ المجنحة.
بريطانيا في وضع حرج:
ولم تكن بريطانيا في حال أفضل، فقد كشفت التلغراف عن أن البحرية الملكية البريطانية، التي تشارك في العمليات لحماية خطوط الملاحة، أخفقت أيضًا في وقف التهديدات اليمنية، وسط قلق متزايد في الدوائر العسكرية البريطانية من احتمال تعرّض حاملة الطائرات البريطانية "إتش إم إس برينس أوف ويلز" لهجمات عند اقترابها من مضيق باب المندب.
وأشارت الصحيفة إلى أن المخاوف البريطانية تتزايد مع تصاعد المؤشرات على أن صنعاء باتت تملك القدرة على استهداف القطع البحرية بدقة، في منطقة توصف بأنها شريان عالمي حيوي للتجارة والطاقة، ما جعل حاملة الطائرات البارزة تدخل في دائرة الخطر المباشر.
وأكدت الصحيفة أن السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل تواصل تجنب المرور عبر البحر الأحمر، خوفًا من الهجمات، وهو ما تراه التلغراف دليلًا على فشل الأهداف المعلنة للحملة العسكرية الغربية.
تفكك التحالف البحري:
وأثار التقرير شكوكًا حول مستقبل التحالف البحري الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة أواخر عام 2023 بمشاركة عدة دول، بينها بريطانيا، بهدف "حماية الملاحة الحرة"، خاصة بعد انسحاب عدد من الدول الداعمة مثل فرنسا وإيطاليا وأستراليا، تحت وطأة التكاليف العسكرية والأمنية والضغوط الشعبية.
ورغم الدعم السياسي والعسكري الكبير الذي قدمته واشنطن للكيان الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة، ترى التلغراف أن انسحاب القوات الغربية من خطوط التماس البحرية وترك إسرائيل تواجه التهديدات بمفردها، يعكس حدود النفوذ الغربي عندما يتعلق الأمر بتعقيدات المواجهة مع جماعات مدعومة بقوة إرادة عالية وقادرة على إلحاق أضرار حقيقية، كما تقول الصحيفة.
تحول استراتيجي في موازين الردع:
يرى مراقبون أن ما يحدث يمثل تحولًا كبيرًا في موازين الردع الإقليمي، فبينما كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تراهنان على الحضور العسكري لفرض الهيمنة البحرية، جاءت الهجمات اليمنية لتقلب المعادلة، وتجعل من البحر الأحمر ساحة تهديد استراتيجية للمصالح الغربية والإسرائيلية على حد سواء.
وتؤكد التلغراف أن النجاحات المتكررة لصنعاء في تنفيذ عمليات نوعية، رغم تفوق التحالف الغربي في التسليح والتكنولوجيا، أحرجت عواصم القرار في لندن وواشنطن، وأثارت تساؤلات داخلية عن فاعلية الاستمرار في الانخراط في حرب طويلة الأمد دون نتائج ملموسة.
إسرائيل في عزلة بحرية:
ختامًا، يشير التقرير إلى أن إسرائيل، التي كانت تراهن على الدعم الأمريكي البريطاني الكامل لتأمين خطوطها البحرية، تجد نفسها الآن في حالة "عزلة استراتيجية"، إذ أصبحت موانئها مهددة وفاقدة للتواصل الآمن مع الممرات العالمية، في ظل تقاعس الحلفاء وغياب الحلول العسكرية الفاعلة.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في باب المندب والبحر الأحمر، يتوقع محللون أن تبقى السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها خارج نطاق الملاحة في هذه المناطق لفترة طويلة، ما لم يحدث تحول دراماتيكي في ميزان القوة أو يتم التوصل إلى تسوية سياسية توقف المواجهة.