آخر الأخبار

لماذا عجزت القوى الكبرى عن كسر الحوثيين ؟

شارك

صحيفة هآرتس العبرية نشرت اليوم الثلاثاء تقريراً كان أقرب إلى إعلان النخبة الأمنية والفكرية الإسرائيلية فشلاً ذريعاً في مواجهة الحوثيين، وإذا كانت واشنطن والرياض قد اصطدمتا سابقاً بصخرة اليمن الصلبة، فإن تل أبيب تنضم اليوم إلى قائمة العاجزين.

لطالما اعتُبر الحوثيون وكلاء لإيران، في سردية الإعلام الغربي والإسرائيلي، لكن إطلاقهم المتكرر للمسيّرات والصواريخ تجاه إسرائيل منذ أكتوبر 2023 وحتى اليوم، غيّر قواعد الفهم، فلم تعد صنعاء مجرد عنصر في محور المقاومة، بل أصبحت لاعباً مستقلاً في معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي، يتخذ قراراته العسكرية بناءً على قناعة إيديولوجية واستراتيجية ذاتية، وليس بإملاء خارجي.

لم تستطع إسرائيل، رغم خبرتها الطويلة في الحروب الخاطفة والاستخبارات عالية التقنية، أن تُوقف هذا التهديد القادم من اليمن، فقد تعطّلت حركة الطيران وتضررت سمعة الردع، والأهم من ذلك أن الحوثيين أثبتوا أنهم لا يُقهرون بأدوات الضغط التقليدية نفسها.

أحد أكثر الجوانب المغيّبة عن العقلية العسكرية الغربية هو الترابط بين الجغرافيا والعقيدة، فالحوثيون يتمركزون في شمال اليمن، وهي مناطق تضاريس جبلية منيعة على الجيوش التقليدية، فضلاً عن معرفتهم الدقيقة بالأرض، وهذه المعرفة أكسبتهم ميزة استراتيجية دائمة.

لكن الأهم من ذلك، هو ما وصفته الباحثة الإسرائيلية إنبال نسيم-لوفتون، بالقول إنهم "مدفوعون بشعور ديني عميق بتحقيق العدالة"، وهذا المعطى العقائدي الذي قد يُستهان به في غرف العمليات، يُشكّل مصدر طاقة مستداماً لا يمكن إزالته بغارة جوية أو اغتيال سياسي.

وفي تشابه يصل حد التطابق، كانت تجربة الولايات المتحدة في اليمن مليئة بالحسابات الخاطئة، بدءاً من دعم التحالف بقيادة السعودية، مروراً بعمليات الطائرات بدون طيار، وانتهاءً بالانسحاب تحت ضغط التكاليف السياسية والمالية، وكررت إسرائيل الأخطاء نفسها، فقد أفرطت في الاعتماد على القوة الجوية، واستخفت بمرونة وقدرات الخصم، قوات صنعاء.

الغارات الجوية، كما تقول صحيفة هآرتس العبرية، مكلفة ومعقدة، لا سيما في ظل انعدام وجود قواعد قريبة، ومع كل غارة، يُثبت الحوثيون قدرتهم على امتصاص الصدمة، والتكيّف، والرد بأسلوب غير تقليدي، مثل استخدام القوارب في الحصار البحري، أو تفريغ السفن بطرق بدائية ولكن فعالة، حسب الصحيفة.

ما فشلت في فهمه استخبارات واشنطن وتل أبيب هو أن الهيكل التنظيمي للحوثيين لم يُبنَ على المركزية القاتلة التي تتيح اغتيال القادة لتفكيك المنظومة، بل على العكس، وحداتهم الأرضية تعمل باستقلال شبه تام، ما يجعل أي ضربة تستهدف القيادة أشبه بقطع رأس هلامي سرعان ما يتجدد.

وإذا كان الحوثيون– وهم لا يمتلكون دعماً جوياً ولا ترسانة حربية متطورة– قادرين على تحدي قوى عظمى وتكبيدها خسائر استراتيجية، فإن الرسالة التي تُبث من صنعاء إلى المنطقة والعالم واضحة، مفادها أن الهيمنة العسكرية لا تضمن النصر، والردع لم يعد مرادفاً للغلبة.

في عالم ما بعد غزة واليمن، بات على القوى التقليدية أن تعيد النظر في أدواتها، وتفهم أن الصراع لم يعد يُحسم بالطائرات المقاتلة والاغتيالات، بل بمن يمتلك نفساً أطول، وإيماناً أعمق، وشبكة تنظيمية أكثر مرونة، وهو النموذج الذي يمثله الحوثيون- قوات صنعاء.

لم تعد إسرائيل قادرة على إنكار فشلها، ولا واشنطن قادرة على تبرير انسحابها، فقوات صنعاء لم تنتصر بالسلاح فقط، بل بعقلية تنظيمية وإيمانية لم تشهد لها القوى الكبرى مثيلاً من قبل، وربما تكون هذه الحقيقة المُرّة– كما تعكسها الصحافة العبرية– بداية لمرحلة تعيد تشكيل ميزان القوة في المنطقة، لصالح أولئك الذين لا يملكون كل شيء، لكنهم يملكون ما لا يُقهر، وهو العقيدة والإرادة.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا