ـ هجمات لا تهدأ:
بحسب صحيفة معاريف العبرية، فإن "اليمنيين لا يهدأون لحظة"، في إشارة إلى تواصل عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه أهداف إسرائيلية، ضمن حملة عسكرية توصف بأنها الأكثر بعدًا جغرافيًا عن إسرائيل في تاريخ الصراع الإقليمي.
وتبرز الصحيفة أن هذه الهجمات، رغم المسافة التي تفصل اليمن عن إسرائيل، تترك أثراً ميدانيًا لا يمكن إنكاره، خاصة فيما يتعلق بجوانب الحياة المدنية.
وتضيف القناة 12 العبرية في تقرير لها أن "هذا النشاط اليمني المستمر يهدف إلى إرهاب الإسرائيليين"، موضحة أن إحدى الوسائل الأبرز في هذا السياق هي "إجبار الملايين من السكان على الدخول إلى المناطق المحمية في منتصف الليل"، بفعل إنذارات الطوارئ المتكررة التي تطلقها منظومات الدفاع الجوي في إسرائيل عند الاشتباه بأي تهديد جوي.
هذا النوع من التعطيل، وفقًا للقناة، يتجاوز الجوانب النفسية ليؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ "تتسبب هذه الإنذارات المتكررة في شلل مؤقت للحياة اليومية، وتؤدي إلى تعطيل قطاعات مهمة، وخصوصًا قطاع الطيران والنقل".
ـ مطار بن غوريون في مرمى التأثيرات:
وفي هذا الإطار، تشير القناة 12 إلى أن "الضرر الاقتصادي الناتج عن استهداف مطار بن غوريون لا يزال محسوسًا"، موضحة أن إلغاء العديد من الرحلات الجوية في أوقات متفرقة على خلفية التهديدات الجوية اليمنية أدى إلى خسائر مادية مباشرة، فضلًا عن تراجع ثقة شركات الطيران الأجنبية في استقرار الأجواء الإسرائيلية.
ويعد مطار بن غوريون، الواقع في تل أبيب، الشريان الجوي الرئيسي لإسرائيل، وأي تهديد لأمنه يمثل مصدر قلق استراتيجي للحكومة والجيش. ومن هنا، فإن نجاح القوات اليمنية في إرباك حركة المطار حتى ولو دون إصابة مباشرة، يعكس تطورًا مهمًا في فعالية الحرب النفسية التي تشنها صنعاء ضد تل أبيب، كما يرى محللون عسكريون إسرائيليون.
ـ ردود إسرائيلية "غير فعالة":
أما على صعيد الرد الإسرائيلي، فتشير القناة إلى أن الحكومة والجيش الإسرائيليين يحاولان احتواء هذا التصعيد من خلال تنفيذ غارات جوية في الأراضي اليمنية، استهدفت مواقع تابعة لجماعة "أنصار الله" الحوثية.
غير أن هذه الهجمات، بحسب المصادر ذاتها، "لم تحقق أي أهداف ملموسة"، ما يُظهر نوعًا من "عدم الفعالية" في الاستراتيجية الإسرائيلية للردع.
ويوضح مراقبون أن تعقيد الجغرافيا اليمنية، وتشتت الأهداف العسكرية، وصعوبة الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة، تجعل من أي رد عسكري إسرائيلي في اليمن أقرب إلى الاستعراض الرمزي منه إلى الفعل العسكري الحاسم.
كما أن هذه الردود، مهما بلغت من قوة، لم تثنِ الحوثيين عن مواصلة عملياتهم أو تغيير سياستهم، وفق ما تؤكده القناة.
ـ انسحاب أمريكي... ومكاسب يمنية:
في سياق متصل، ترى القناة 12 أن توقف الولايات المتحدة عن عملياتها العسكرية في اليمن، بل وسحبها لحاملة الطائرات والقاذفات الاستراتيجية من المنطقة، شكل عاملاً ساعد في خفض الضغط العسكري على الحوثيين، وإن كانت الجماعة قد واصلت تصعيدها قبل ذلك بفترة.
هذا الانسحاب الأمريكي، كما تقول القناة، خلق فراغًا نسبيًا في المظلة العسكرية التي كانت توفرها واشنطن في البحر الأحمر وخليج عدن، ما سمح للحوثيين بتوسيع دائرة استهدافاتهم البحرية والجوية، وخصوصًا في اتجاه إسرائيل.
ـ تهديد مستمر واستنزاف صامت:
ما تكشفه التقارير الإسرائيلية، رغم تحفظاتها الظاهرة، هو أن هجمات الحوثيين لم تعد مجرد ملف ثانوي في المشهد الأمني الإسرائيلي. بل أضحت تشكل تحديًا فعليًا لأمن الجبهة الداخلية، ليس من حيث عدد الضحايا أو الأضرار المباشرة، بل من خلال قدرتها على فرض حالة طوارئ مستمرة في الحياة المدنية، وعلى تعطيل نشاطات استراتيجية مثل الطيران.
كما أن استمرار هذا النوع من الاستنزاف، بالتوازي مع عدم قدرة إسرائيل على توجيه ضربات مؤثرة في اليمن، يعكس مأزقًا عسكريًا حقيقيًا. ومما يزيد من تعقيده، أن مصدر هذا التهديد ليس دولة كبرى مجاورة، بل جماعة مسلحة على بعد آلاف الكيلومترات، وتعمل في مسرح عمليات شديد التعقيد.
ومع عدم وجود مؤشرات على تغير جذري في سياسة الرد الإسرائيلي أو انخراط أمريكي جديد في اليمن، تبدو التقديرات المستقبلية أقرب إلى ترجيح استمرار الهجمات، وربما توسعها، وهو ما يعني أن الجبهة اليمنية ستظل عنصر ضغط دائم في معادلة الأمن الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة.