فعلى وقع معركة الطوفان، يستمر اليمن في إبهار العالم أجمع من موقعه على منصة الدعم والإسناد لغزة، بمعادلات ردع عسكرية، نوعية وغير مسبوقة ومتسلسلة، فبعد أن نجح في إغلاق ميناء "إيلات" بشكل كامل عقب سيطرته النارية على البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب، يذهب اليمن لإغلاق ميناء حيفا الصهيوني المُطل على البحر الأبيض المتوسط، والذي يبعد عن اليمن حوالي 2300 كم، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان القوات المسلحة اليمنية فرض حصاراً جوياً شاملاً على مطارات الاحتلال الصهيوني رداً على توسيع العدو عملياته العسكرية العدوانية في قطاع غزة.
معادلات الردع هذه، التي يتفنن اليمن في ترجمتها سريعاً على الميدان بلغته وأسلوبه وتكتيكاته العسكرية الخاصة التي جاءت من خارج "الصندوق الغربي" وتحمّل روحه وعزيمته الإيمانية اليمانية الصلبة؛ تحقق غايتها الآنية وتشكل ضغطاً كبيراً على الكيان الصهيوني وأحد أبرز العوامل التي ستجبره في نهاية المطاف على وقف عدوانه ورفع حصاره عن قطاع غزة، لكنها في الوقت نفسه تحقق نجاحات عميقة وبعيدة المدى، حيث تضرب في صميم الهيمنة الأمريكية الصهيونية على العالم، وتُنذر بمتغيرات دراماتيكية سريعة في مفاهيم الهيمنة ومعايير القوة السائدة منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا السياق، يمكن التأكيد أن إعلان واشنطن وقف العدوان على اليمن، وتركها "إسرائيل" المتقزمة خلف إخفاقات الطوفان الفلسطيني، لتواجه مصيرها المحفوف بالمخاوف الآنية والتاريخية والمليء بالألغام والضربات السحيقة في مواجهة اليمن الناشئ بقوة على أنقاض القوى العظمى، المؤمن بقضيته وإرادته وعقيدته وبنصره المحتوم على أعداءه؛ هو بداية النهاية لمحور الشر الصهيوني الأمريكي الجاثم على صدر الأمم الشريفة على مدى قرن من الزمان.
لم يسبق أن تركت واشنطن ربيبتها وذراعها الطولى "إسرائيل" في خضم المواجهة، وأعلنت ذلك على الملأ، منذ نشأة هذه العلاقة الخبيثة، بل سبق وأن قدمت الأولى مصالح الأخيرة على مصالحها في أحايين كثيرة ومحطات مختلفة حتى في أحلك المعارك والظروف، ولكن الضربات اليمنية موجعة للغاية للحد الذي يصعب على الإمبرطورية العجوز تحمّل تداعياتها القاتلة، فهي تهدد عرش هيمنتها ووصايتها الإقليمية والدولية، وتُعجّل بانهيار نظام القطب العالمي الواحد، وتضع معايير القوة والسرديات والمحددات التي وضعتها الولايات المتحدة خلال عقود في مهب الريح.
وعلى وقع هذه الضربات اليمنية الإستراتيجية، يمكن التأكيد أنها قد شلّت محور الشر الصهيوني الأمريكي وعززت تلاشي قدراته التي تشهد اضطرابات غير تقليدية خلال الآونة الأخيرة على ضوء الإخفاقات المتراكمة في مختلف ساحات الاختبار الممتدة من غزة إلى أوكرانيا والصين وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية ومنها إلى عموم الجنوب العالمي، وهو ما أدركه سريعاً ترامب، رجل العقارات و"مُحصل" البيت الأبيض، الذي يشبه أمريكا كثيراً في هبوطها من أعلى القمة إلى قاع الوحل.
واستناداً لمعطيات المواجهة القائمة ونتائج الحرب عموماً في أرض النزال في لحظتها الراهنة ومختلف جولاتها السابقة، نؤكد أيضاً أن المعادلات النوعية التي فرضتها القوات المسلحة اليمنية على وقع مشاركتها في معركة طوفان الأقصى، سواءً بضرب عمق الكيان الصهيوني، أو في خوضها معارك البحر والجو في وجه الأساطيل والأسراب الأمريكية؛ لن تنضب قط بعد انتهاء هذه المعركة وانقشاع غبار الحرب؛ بل ستظل راسخة في عمق المشهد العالمي، وسيكون لها الدور البارز في التأثير على مجريات الأحداث والمتغيّرات شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وذلك في صالح الأمم والشعوب الحرة والمستضعفة وعلى رأسها الأمة العربية والإسلامية، بإذن الله تعالى.