ففي تطور يراه محللون "صفعة استراتيجية" للهيمنة الأمريكية التقليدية، فقدت حاملات الطائرات الأمريكية – وعلى رأسها "هاري إس. ترومان" – الكثير من بريقها ورمزيتها العسكرية، بعد أن أصبحت هدفًا مباشرًا للهجمات الصاروخية اليمنية التي تعكس تطورًا نوعيًا في قدرات الردع والإصابة الدقيقة لدى صنعاء.
ـ صواريخ اليمن تغيّر المعادلة:
تشير تقارير أمنية غربية، أبرزها ما نشره الخبير الأمني الأمريكي براندون ج. ويشرت في موقع National Interest، إلى أن اعتماد واشنطن على نشر الحاملات النووية لم يعد يجدي نفعًا في وجه التهديدات اليمنية.
ويقول ويشرت إن "الولايات المتحدة اعتمدت نفس الاستراتيجية العقيمة التي بدأت بها منذ سنوات، سواء في عهد ترامب أو بايدن، دون أي مراجعة حقيقية لفعالية هذه الأدوات العسكرية".
ويضيف التقرير أن حاملات مثل "ترومان" و"آيزنهاور" أصبحت اليوم عبئًا استراتيجيا، خاصة بعد أن باتت الصواريخ الباليستية اليمنية قادرة على الوصول إليها بل وتهديدها بشكل مباشر.
حادثة سقوط طائرة أمريكية من طراز F/A-18 في البحر الأحمر – بسبب مناورة قسرية لتفادي صاروخ حوثي – كانت بمثابة ناقوس خطر لأركان البنتاغون، بحسب وصف أحد المسؤولين العسكريين الذين تحدثوا لوسائل إعلام أمريكية.
ـ شلل بحري أمريكي.. و"تغيير قواعد الاشتباك":
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة، لكنها كانت الأكثر دلالة. فقد باتت القوات البحرية الأمريكية نفسها تقرّ، وفق ما أورده تقرير ويشرت، بأنها لم تواجه مثل هذا النوع من التهديد منذ الحرب العالمية الثانية.
فالصواريخ الحوثية لم تعد مجرد أدوات للضغط السياسي، بل تحوّلت إلى أسلحة تكتيكية فعّالة تحدث خلخلة حقيقية في القدرة العملياتية للأساطيل الأمريكية.
ويذهب مراقبون أبعد من ذلك، بالقول إن "اليمن قد غيّر فعليًا قواعد الاشتباك في البحر الأحمر". فالحضور الأمريكي لم يعد كما كان، والردع لم يعد مضمونًا.
عمليات الحوثيين باتت تحمل طابعًا استباقيًا ودقيقًا، يتم من خلالها اختيار الأهداف بعناية وتنفيذ الهجمات بأسلوب ينمّ عن احترافية استخباراتية وعسكرية غير مسبوقة في تاريخ الصراع اليمني الأمريكي.
ـ سياسة أمريكية منتهية الصلاحية:
أحد الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها واشنطن – بحسب التقرير – هو استمرارها في التعامل مع اليمن بعقلية "ما قبل الألفية". عقلية تقوم على افتراض تفوق عسكري مطلق مقابل خصم غير نظامي، وهو افتراض ثبت فشله مرارًا. ويشير ويشرت إلى أن الولايات المتحدة لم تفشل فقط في القضاء على التهديد الحوثي، بل ساهمت سياساتها في تعزيزه وتمكينه من تطوير أدوات ردع تجاوزت الحدود اليمنية إلى التأثير الإقليمي والدولي.
ـ من اليمن إلى العالم: رسالة الردع الجديدة:
مع كل صاروخ ينطلق من صنعاء باتجاه البحر الأحمر، تتجلى رسائل متعددة الاتجاهات: للولايات المتحدة، أن تفوقها لم يعد محصنًا؛ ولحلفائها في الخليج، أن المراهنة على الغطاء الأمريكي ليست ضمانة أمنية؛ وللعالم، أن ممرات التجارة لم تعد بمعزل عن حسابات الجغرافيا السياسية المتحولة.
كما أن هذه التطورات تأتي في وقت تعاني فيه واشنطن من تشتيت استراتيجي على عدة جبهات: من الحرب في أوكرانيا، إلى التوترات مع الصين في بحر الصين الجنوبي، وصولًا إلى الانقسام الداخلي حول دور أمريكا في النظام الدولي. ووسط كل هذا، يأتي البحر الأحمر ليكشف هشاشة العقيدة العسكرية الأمريكية عندما تواجه خصمًا غير تقليدي يتحرك من خارج قوالب الحرب الكلاسيكية.
ـ خلاصة المشهد:
من الواضح أن معركة البحر الأحمر لم تعد مجرد فصل من فصول الصراع اليمني فحسب، بل تحوّلت إلى اختبار حقيقي للنفوذ الأمريكي في منطقة استراتيجية. فحين تصبح حاملة طائرات نووية عاجزة عن حماية طائراتها، ويجبر أسطول بحري بكامله على إعادة النظر في قواعد تحركه، فإننا أمام تحول نوعي لا يمكن تجاهله.
لقد أفل زمن الردع الأوتوماتيكي، وبدأ زمن المعادلات المتغيرة، حيث الصاروخ القادم من صعدة قد يعيد رسم خرائط النفوذ العالمية.