حيث امتنعت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن تقديم إحاطات رسمية حول العمليات العسكرية في اليمن منذ أكثر من شهر. يأتي ذلك بالتزامن مع إقالة مسؤولين كبار في البنتاغون وإحالتهم للتحقيق بسبب تسريبات إعلامية حساسة، مما يكشف عن حالة من التوتر داخل الأوساط العسكرية والسياسية في واشنطن.
وفقًا لتقارير نشرتها وسائل إعلام امريكية فإن إدارة ترامب لجأت إلى فرض تعتيم كامل على المعلومات المتعلقة بالعمليات العسكرية في اليمن، وذلك بعد سلسلة من العمليات التي وُصفت بأنها لم تحقق أهدافها الاستراتيجية.
التعتيم يتجلى في امتناع البنتاغون عن إصدار بيانات رسمية أو إحاطات دورية حول طبيعة الضربات الجوية ضد الحوثيين، التي بدأت في 15 مارس 2025. وتشير تقارير إلى أن القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) قلّصت بشكل ملحوظ المعلومات العامة حول عدد الضربات أو نتائجها، مما أثار تساؤلات حول فعالية هذه العمليات وتداعياتها على المدنيين في اليمن.
صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت في تقرير بتاريخ 28 مارس 2025 إلى أن إدارة ترامب تواجه "جولة جديدة من التداعيات" بسبب التسريبات المتعلقة بالعمليات في اليمن، مما دفعها إلى تشديد الرقابة على تدفق المعلومات. وأوضح التقرير أن وزير الدفاع بيت هيغسيث كشف عن خطط عسكرية حساسة عبر محادثة على تطبيق "سيغنال" قبل ساعتين من تنفيذ الضربات، وهو ما اعتُبر خرقًا أمنيًا خطيرًا كان من الممكن أن يعرض حياة الطيارين الأمريكيين للخطر.
في سياق متصل، كشفت تقارير نشرتها شبكة "فوكس نيوز" وصحيفة "بوليتيكو" عن إقالة مسؤولين كبار في البنتاغون، بينهم دان كالدويل، كبير مستشاري وزير الدفاع بيت هيغسيث، ونائب رئيس الأركان دارين سيلنيك. وتمت إحالة هؤلاء المسؤولين إلى التحقيق بتهمة تسريب معلومات حساسة إلى وسائل الإعلام، من بينها تفاصيل نقل حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" إلى منطقة الشرق الأوسط. ووفقًا لتقرير "بوليتيكو" بتاريخ 15 أبريل 2025، فإن التسريبات شملت أيضًا خططًا عسكرية تتعلق بقناة بنما، وزيارة إيلون ماسك المثيرة للجدل إلى البنتاغون، وتعليق جمع المعلومات الاستخباراتية لأوكرانيا.
صحيفة "إكسبريس" البريطانية أفادت في 16 أبريل 2025 بأن كالدويل، وهو من قدامى مشاة البحرية الأمريكية، تم إخراجه من مبنى البنتاغون بمرافقة أمنية، وتم تعليق وصوله إلى المبنى لحين انتهاء التحقيق. وأشارت الصحيفة إلى أن دوره المحوري كمنسق مع مجلس الأمن القومي في التحضير للضربات ضد الحوثيين جعله هدفًا رئيسيًا في التحقيقات المتعلقة بما أُطلق عليه "فضيحة سيغنال".
كانت فضيحة تسريب محادثات "سيغنال" نقطة تحول في هذا الملف. وفقًا لتقرير نشرته مجلة "ذي أتلانتيك"، تم إدراج رئيس تحرير المجلة، جيفري غولدبرغ، عن طريق الخطأ في مجموعة محادثة تضم كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم هيغسيث ونائب الرئيس جي دي فانس، لمناقشة الضربات ضد الحوثيين. وقد نشرت المجلة نصوصًا كشفت عن تفاصيل دقيقة للغاية، مثل مواعيد إقلاع الطائرات المقاتلة والأصول العسكرية المستخدمة. هذا التسريب أثار غضب الإدارة، التي سارعت إلى التقليل من أهمية المعلومات المتسربة، مدعية أنها لم تتضمن بيانات سرية.
ومع ذلك، أعلن المفتش العام للبنتاغون في 3 أبريل 2025 فتح تحقيق رسمي في استخدام هيغسيث لتطبيق "سيغنال" لتنسيق الضربات، وهي خطوة نادرة تستهدف وزير دفاع حالي. وأشار تقرير "رويترز" إلى أن التحقيق يركز على مدى امتثال هيغسيث وموظفي البنتاغون لسياسات الوزارة بشأن حماية المعلومات الحساسة.
من بين التسريبات التي أثارت الجدل، كان إعلان نقل حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" إلى الشرق الأوسط لتعزيز القوة العسكرية الأمريكية في مواجهة الحوثيين وإيران. وأكدت مجلة "نيوزويك" في تقرير بتاريخ 11 أبريل 2025 أن "كارل فينسون" ستنضم إلى حاملة "يو إس إس هاري إس ترومان" في المنطقة، في خطوة تهدف إلى ردع التصعيد الإيراني واستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر. وأشار البنتاغون إلى أن هذا الانتشار يهدف إلى "تعزيز الاستقرار الإقليمي وردع العدوان"، وفقًا لتصريح الناطق باسم الوزارة شون بارنيل.
لكن هذا التحرك العسكري لم يمر دون انتقادات. فقد أفادت "أسوشيتد برس" في 2 أبريل 2025 بأن الضربات الأمريكية في اليمن أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 67 شخصًا، بينهم مدنيون، مما أثار مخاوف بشأن التداعيات الإنسانية لهذه العمليات.
كما نقلت "إم إس إن بي سي" عن مشروع بيانات اليمن، وهو منظمة مستقلة، تسجيل 53 ضحية مدنية في الفترة من 15 إلى 21 مارس 2025، مما يشير إلى أن إدارة ترامب تتبنى نهجًا أكثر عدوانية مقارنة بإدارة بايدن السابقة.
تكشف هذه التطورات عن محاولات حثيثة من إدارة ترامب للسيطرة على السرد الإعلامي والحد من التسريبات التي تهدد بكشف فشل استراتيجيتها العسكرية. إلا أن الإقالات والتحقيقات داخل البنتاغون، إلى جانب التعتيم الإعلامي، قد تعكس حالة من الارتباك في التعامل مع التحديات المعقدة في اليمن. وبينما تواصل الولايات المتحدة تصعيد عملياتها العسكرية، تبقى الأسئلة قائمة حول مدى فعالية هذه الاستراتيجية خصوصا ان جماعه الحوثيين لم تتضرر.
- عرب جورنال / كامل المعمري -