ومنذ إنشاء كيان الاحتلال، ظلت الدول المحيطة بفلسطين المحتلة عرضة للأطماع التوسعية الإسرائيلية، بذريعة التهديدات التي يمكن أن تطال الكيان الإسرائيلي من أراضي هذه الدول، بحكم القرب الجغرافي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليحتل- على امتداد فترة الصراع التي تمتد لأكثر من 70 عاما- أراض تابعة لمصر وسوريا والأردن ولبنان، وهي الذريعة ذاتها التي لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يستخدمها اليوم، سواء داخل فلسطين المحتلة، في الضفة الغربية وقطاع غزة أو في كل من جنوب لبنان والجنوب السوري.
وأمام مشهد ضرب الصواريخ اليمنية للعمق الإسرائيلي، وحالات الهلع والذعر التي تثيرها هذه الصواريخ في أوساط المحتلين، تسقط نظرية انحصار التهديد لإسرائيل من الدول المحيطة بفلسطين المحتلة، لتحل محلها قاعدة جديدة، مفادها أن كل الجغرافيا العربية يمكن أن تشكل تهديدا رادعا للعدو الإسرائيلي الغاصب المحتل، ونسفا لمشاريعه الاستعمارية في الأراضي العربية، إذا ما امتلكت الأنظمة العربية الشجاعة والعزيمة الصادقة للمواجهة ونصرة القضية الفلسطينية ووأد مشاريع الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة العربية، والتي لا يقتصر خطرها على فلسطين المحتلة وحدها، بل يطال المنطقة العربية ككل.
وفي مواجهة المشهد القائم اليوم، يغدو التساؤل الأبرز والأكثر استحقاقا للطرح والبحث عن إجابة هو: إذا كانت صنعاء المحاصرة والمحاربة والمعدومة الموارد، استطاعت بموقفها الجريء وسلاحها المصنع محليا أن تكسر القاعدة وتسقط ذرائع الاحتلال الإسرائيلي، وتهدد بنسف مشروعة في المنطقة، فما الذي يمكن أن تحدثه مواقف عربية أخرى مماثلة في حال اتخذت، وأي أثر يمكن أن تحدثه أسلحة وقدرات ونفوذ دول أخرى أكثر موارد وأكبر قدرات ولها وزنها في المنطقة والعالم؟
وبدأت ملامح المشروع الأكبر للاحتلال الإسرائيلي في المنطقة تتضح واقعا، من خلال التمدد في الجنوب السوري وجنوب لبنان، فيما يمضي المخطط لتفجير الوضع في كل من العراق ومصر، إيذانا ببدء الدخول في فوضى عامة في المنطقة، يسهل معها تنفيذ المشروع الإسرائيلي، في حين تدس الأنظمة العربية رأسها في تراب الخذلان وعدم تقدير حجم الخطر والتهديد الذي تشكله هذه التحركات الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة، وهو ما يعني التسليم المسبق بالهزيمة في حال استمر هذا الموقف المغرق في السلبية من قبل تلك الأنظمة تجاه ما يحاك للأمة العربية عموما.
وتتصدر صنعاء إلى جانب المقاومة الفلسطينية جبهة الدفاع ليس عن غزة أو فلسطين فحسب، بل الدفاع عن الأمة العربية، وفقا لما كشفته تحركات الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي، للتوسع في احتلال أراض عربية جديدة في كل من سوريا ولبنان، وكذا المضي في مخطط ضم الضفة الغربية وتهجير سكان قطاع غزة، وهي جميعها تحركات وفي المقابل، تلتزم الدوال والأنظمة العربية الصمت تجاه العنجهية والصلف الإسرائيلي المدعوم أمريكيا، والمجازر اليومية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، والتمدد السرطاني الإسرائيلي في الأراضي العربية، كما هو حاصل الآن في جنوب سوريا، ناهيك عن العدوان العسكري الأمريكي على اليمن، والذي يهدف في الأساس إلى تحييد جبهة صنعاء، وتخفيف الضغط الذي تشكله على الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الاحتلال من المضي في تنفيذ مشروعه المتمثل في إنشاء "دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات".
ومنذ أكتوبر 2023 تخوض صنعاء غمار المواجهة سواء مع إسرائيل، إسنادا لغزة وانتصارا لمظلومية أكثر من مليوني مواطن فلسطيني، استأنفت إسرائيل منذ أيام عملية الإبادة الجماعية في أوساطهم، أو مع أمريكا التي تدخلت بقوتها البحرية وطائراتها وصواريخها، في محاولة لثني صنعاء عن موقفها في دعم وإسناد غزة، وإدراكا منها أن موقف صنعاء يمثل نموذجا ملهما، سيشكل أكبر تحدٍ أمام المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها المنطقة العربية، في حال اتخذت دول وأنظمة عربية ذات الموقف في مواجهة تلك المؤامرة.