السعودية التي تعمل على تعزيز وجودها عبر قوات درع الوطن التي يُنظر إليها كمشروع عسكري سعودي بهدف فرض السيطرة على المحافظة الغنية بالموارد بينما تتهم تقارير حقوقية هذه القوات بانتماءات سلفية متشددة وتورطها في تجنيد مقاتلين أجانب من خلفيات جهادية، بما في ذلك عناصر مُدانة بارتباطات سابقة بتنظيم القاعدة.
وفقاً لمعلومات ميدانية،قامت الرياض مؤخراً باستقدام مجاميع مسلحة بينهم اجانب من محافظة حضرموت الى صحراء المهرة النائية، على بعد نحو 100كم من الحدود العُمانية، وقالت المصادر ان المملكة زودت هذه المجاميع بأسلحة متطورة ودعم لوجستي بهدف فتح معسكر تدريبي واستقدام المزيد من العناصر المتشددة ما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية وتداعيات ذلك على أمن دول الجوار
السعودية كالعادة تنفي هذه الاتهامات، مُشيرة إلى أن وجودها في المهرة يأتي في إطار دعم الشرعية ومحاربة الإرهاب، لكن الوقائع على الارض تشير الى عكس ذلك تماما حيث قامت السعودية منذ اربعة اعوام بتوطين المئات من العناصر السلفية في منفذ شحن الحدودي وكذلك في الغيضة هذه العناصر قامت بشراء الكثير من العقارات في هذه المناطق وذلك في محاولة لتغيير التركيب الديموغرافي ومن جهة اخرى فان تاريخ الرياض في دعم جماعات متطرفة كما حدث في سوريا وليبيا يُلقي بظلاله على تحركاتها الحالية ولا يقتصر مخاطر التمدد السعودي في المهرة على التهديدات الأمنية المباشرة، بل تمتد إلى تفجير صراعات تهدد دول في المنطقة
الخطاب السلفي الوهابي، المُصَدَّرُ إلى المهرة هو سلاحٌ لتفكيك النسيج الاجتماعي هؤلاء الوافدون الجدد، المدعومون بأموال سعودية طائلة، يُحوِّلون المساجد والمدارس إلى منصاتٍ للتحريض ضدّ القيادات المحلية الرافضة للوجود السعودي، في محاولةٍ لخلق واقعٍ ديموغرافيٍ جديد يُشبه ما فعلته الإمارات في سقطرى عبر استبدال السكان بموالين لها .
السعودية، التي فشلت في شراء ولاء القبائل رغم ملياراتها، تلجأ الآن إلى عسكرة الحياة بذرائع واهية. ادعاءات مكافحة تهريب الأسلحة ومحاربة الارهاب ليست سوى غطاءً لتمرير مشاريعها.
الوثائق المسرَّبة تُؤكّد أن الهدف الحقيقي هو بناء خط أنابيب النفط عبر المهرة، وهو ما يفسر السيطرة على ميناء نشطون وتحويله إلى قاعدة عسكرية-اقتصادية
هذا التوغل سيحوّل المهرة إلى ساحة صراعٍ خفي مع الإمارات، التي ترى في السيطرة السعودية على المهرة تهديداً لمشروعها في الجنوب
لا يقتصر الأمر على التدخل السعودي المباشر، بل يتجاوزه إلى تنسيق ثلاثي مع الولايات المتحدة وبريطانيا، يُحوِّل المنطقة إلى قاعدة عسكرية متقدمة، تحت ذرائع مكافحة الإرهاب وحماية الملاحة، بينما تكشف الوقائع عن أجندات توسعية تتناقض مع مصالح الشعب اليمني وحقوقه السيادية.
أصبح مطار الغيضة الدولي، الذي أُغلق أمام الرحلات المدنية منذ 2017، رمزاً للوجود الأجنبي المتنامي. تشير تقارير محلية ودولية إلى تحويله إلى قاعدة عسكرية مغلقة، تديرها السعودية بالإشراف المباشر من ضباط بريطانيين وأمريكيين،
وتؤكد صور الأقمار الصناعية بناء منشآت عسكرية متطورة، بما في ذلك وحدات حرب إلكترونية ومخازن أسلحة، تحت إشراف قوات "درع الوطن" السعودية، التي تتهمها منظمات حقوقية بتجنيد عناصر من خلفيات سلفية متشددة بلغ التواجد البريطاني ذروته بعد حادثة السفينة "ميرسر ستريت" عام 2021، حيث أرسلت لندن 40 جندياً ووحدة متخصصة، مدعيةً ملاحقة عناصر حوثية، بينما كشفت تحقيقات لاحقة استخدام الهجوم كذريعة لتعزيز الوجود الاستخباراتي .
الأكثر إثارة للقلق هو الصمت إزاء الانتهاكات الإنسانية. فوفقاً لمنظمة سام للحقوق، أدى التوغل العسكري إلى تهجير مئات المدنيين من محيط مطار الغيضة، واستبدالهم بعناصر متطرفة موالية للسعودية
لا يُفهم التدخل في المهرة دون تفكيك التحالف السعودي-الأنجلو-أمريكي، الذي تجذّر عبر عقود من التبادل العسكري والاقتصادي. فبين 2015 و2024، بلغت صادرات الأسلحة البريطانية إلى السعودية 16 مليار جنيه إسترليني، وفقاً لحملة مكافحة تجارة الأسلحة بما في ذلك قطع غيار لطائرات تورنادو التي قصفت مدنيين يمنيين ..
هذا التنسيق ليس عسكرياً فحسب، بل اقتصادياً أيضاً. فاتفاقية خطة التعاون الدفاعي السعودي-الامريكي 2022م تهدف إلى توطين الصناعات العسكرية، بينما تسعى واشنطن لربط استثماراتها في الطاقة النظيفة بالسعودية بضمان الهيمنة على طرق التجارة ..
وهنا تكمن المفارقة: بينما تدعي هذه الدول حماية الأمن العالمي، فإن 80% من صادرات النفط السعودي تعبر البحر الأحمر وباب المندب، ما يجعل السيطرة على المهرة جزءاً من استراتيجية تحكم أسواق الطاقة .
ورغم الادعاءات الدولية بضرورة حل سياسي في اليمن، تُظهر الوثائق الدبلوماسية تواطؤاً غربياً مع التمدد السعودي. ففي 2021، صرح السفير البريطاني لدى اليمن بأن وجود قوات بلاده يهدف إلى مكافحة التهريب بينما تكشف الوثائق أن هذه القوات تنفذ عمليات استكشاف للنفط والغاز تحت غطاء مهام استخباراتية . بل إن تقريراً لمعهد الشرق الأوسط أشار إلى أن التدخلات الغربية تعيد إنتاج سيناريو ليبيا في اليمن، عبر خلق فوضى مُدارة تُبرر الاستمرار في الوجود العسكري .
ان الاستراتيجية السعودية في المهرة تشبه محاولة زرع شجرة نخيل في صحراء مالحة جذورها العسكرية والديموغرافية قد تثبت لفترة، لكنّ التربة الاجتماعية المهرية المليئة بالملح التاريخي ستمتصّ عصارة المشروع برمته
فالصراع هنا ليس بين سلفيين ومحليين، بل بين رؤيتين للوجود إحداهما تعتمد على الهوية والذاكرة، والأخرى تُريد تحويل الجغرافيا إلى ساحةٍ لتصفية حسابات إقليمية.
في النهاية، تُدرك السعودية أن ساعات التاريخ لن تعود إلى الوراء، وأنّ المهرة، رغم ضعفها، قد تصبح فيتوماً آخر في جسد المشروع السعودي، كما كانت اليمن كلها. لكنّ اللعبة الكبرى لا تتوقف فما دامت الأوراق اليمنية تُلعب في العواصم الخارجية، ستظل المهرة مجرد قطعة شطرنجٍ في يدِ من يملكُ القوةَ لتحريكها، حتى لو كان الثمنُ تفكيكَ هويةِ شعبٍ بأكمله.
ختاما السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح إلى متى سيُسمح لقوى خارجية بتجزئة اليمن تحت مسميات متجددة، بينما يُحاصر المجتمع الدولي بصمتٍ يُشبه التواطؤ؟ الجواب ربما يكمن في مقولة للجنرال البريطاني نيك كارتر "علينا ردع السلوك المتهور"، لكن المتهور الحقيقي هنا هو من يعتقد أن إشعال النار في جارته سيُبقي بيته آمناً .
- عرب جورنال / كامل المعمري -