فيما لا يزال الموقف العربي يراوح مكانه دون اكتراث لخطورة التهديد الذي تحمله تصريحات ترامب تلك، والتي مثلت ضوءا أخضر لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بات يتحدث عن ما هو أبعد من غزة. ومع تكرار تصريحاته بشأن هذه الخطة الاستعمارية القائمة على أساس استعباد الشعوب وسلب الأوطان وانتهاك جميع الحقوق، يبدو ترامب متحمسا وكأنه عازم على تكرار تاريخ أجداده الملطخ بسجل أسود من جرائم الإبادة والتطهير العرقي للشعوب، خلال مسيرة سرقة الأوطان وإبادة الشعوب "السكان الأصليين" ونهب الثروات في الأمريكيتين ومناطق أخرى متفرقة من العالم، حيث أن الحديث لم يعد مقتصرا على غزة أو الضفة الغربية فحسب، بل صار يتجاوز إلى أراضي مصر والأردن بل والسعودية، وفقا لتصريحات رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو قبل يومين، حيث قال إنه يمكن تطبيق مبدأ حل الدولتين من خلال بناء دولة فلسطينية على الأراضي السعودية.
ورغم ما أثارته تصريحات ترامب منذ البداية من ردود أفعال عربية وعالمية رافضة ومعارضة ومنتقدة لهذه الخطة التي تعكس الشخصية الحقيقية للدول الاستعمارية عبر التاريخ، لا يجد ترامب خلال حديثه حول خطته الاستعمارية تلك أي حرج، وهو يتفوه بما ينسف كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية التي لطالما تغنت بها الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن، ولطالما قدمت نفسها في صورة الحامي لتلك القوانين والأعراف، ولطالما أشعلت حروبا وارتكبت جرائم ضد الإنسانية تحت تلك الشعارات.
بل إن ترامب خلال تلك التصريحات التي كشفت عن مخطط الاستعمار الجديد في المنطقة العربية، ظهر وكأنه الواحد الأوحد وصاحب السلطة المطلقة في العالم كله، منَحِّيا جانبا تعهداته خلال حملته الانتخابية بوقف الحروب في الشرق الأوسط، ومعتزما إشعالها من جديد في سبيل مخطط التهجير لقرابة مليوني فلسطيني والسيطرة على غزة التي نزفت خلال 14 شهرا من العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيا دماء قرابة 50 ألف شهيد وأكثر من 150 ألف جريح، ناهيك عن الدمار لما نسبته 90% من بنيتها، والذي يتخذ منه ترامب ذريعة للتهجير بحجة أن غزة لم تعد صالحة للحياة.
ومع مضي ترامب في إعلان الإصرار على تنفيذ خطته في غزة، فإن المواقف العربية بدت خجولة حتى الآن ولا ترتقي إلى مستوى التهديد الذي تحمله خطة ترامب تلك، والتي تعد العنوان للمخطط الإسرائيلي الذي تنوي إدارة ترامب تنفيذه في المنطقة العربية المحيطة بفلسطين المحتلة من جميع الاتجاهات، حيث بدا الرفض المصري والأردني لتصريحات ترامب محرجا وهشا، وتزيد من هشاشته اللهجة الواثقة التي يتحدث بها ترامب حين يقول إن الأردن ومصر ستقومان باستقبال سكان غزة بعد إخراجهم، وهو ما يجعل أي رفض من قبل مصر والأردن لخطة ترامب عرضة للتشكك بمدى جدية ومصداقية هذا الموقف.
وخلال لقائه مع ترامب، أمس الثلاثاء، كانت الصورة المحرجة التي ظهر بها الملك الأردني في البيت الأبيض، كافية للتعبير عن الموقف الحقيقي للأردن، وكانت ردوده وتصريحاته عبارة عن موافقة ضمنية على استقبال الفلسطينيين في حال تمكن ترامب من تنفيذ خطته، وبعيدة عن التعبير عن الموقف المفترض صراحة، ومثال ذلك عندما أجاب الملك عبدالله على سؤال للصحفيين عن رده على تصريح ترامب بأن الأردن ستقدم قطعة أرض لتوطين جانبا من سكان غزة، حيث اقتصرت إجابته على القول: "سنعمل ما تتطلبه مصلحة شعبنا"، كما أنه اكتفى بإبداء رغبته في السلام، ولم يبد أي اعتراض أمام تصريحات ترامب المستفزة عن تهجير الفلسطينيين من غزة وضم إسرائيل للضفة الغربية. وأثارت تصريحات ترامب منذ إطلاقها الأسبوع الماضي عاصفة من ردود الأفعال العالمية المعارضة والرافضة لتصريحاته تلك التي اعتُبرت بمثابة إعادة إشعال فتيل الحرب التي لم تمض أسابيع على توقفها، الأمر الذي يعزز المخاوف بعودتها مجددا وبصورة أوسع وأشمل من السابق، خصوصا وأن دولا أخرى ستدخل في أتون هذه الحرب التي تواجه معارضه دولية كبيرة.