وكالة الأنباء السعودية "واس" قالت إن الدعم السعودي الجديد يتضمن دفعة رابعة من الوديعة السعودية بقيمة 200 مليون دولار يتم توريدها إلى البنك المركزي في عدن، وذلك لمعالجة الوضع الاقتصادي، ومبلغ 300 مليون دولار لمعالجة عجز الموازنة وتعزيز الأمن الغذائي والمرتبات والأجور والنفقات التشغيلية في مناطق الشرعية.
وبالنظر إلى حجم المبلغ وحجم الانهيار الكائن في الاقتصاد وفي قيمة العملة اليمنية يتضح أنه لا يكفي على الإطلاق لحل كل تلك المعضلات التي تحاصر المجلس الرئاسي وحكومته، الأمر الذي يرجح أنه من أجل البدء فقط في تحريك الجبهات الداخلية ضد صنعاء، كونه أيضاً لا يكفي لتمويل حرب بالحجم الذي يأمله الجانبان الأمريكي والإسرائيلي، خصوصاً أن قوات صنعاء أصبحت في مراحل متقدمة جداً من المهارات القتالية وترسانة الأسلحة المتطورة.
لكن مراقبين يعتبرون الدعم السعودي الجديد والمفاجئ تطوراً مقلقاً، فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية طلبت خلال الفترة الماضية أن تتولى السعودية تحريك الفصائل المسلحة الموالية لها ضد قوات صنعاء للضغط على الأخيرة من أجل وقف هجماتها على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وكان ذلك مقابل أن تسمح واشنطن بتنفيذ خارطة الطريق التي توافقت عليها صنعاء مع الجانب السعودي، وحين رفضت السعودية المشاركة في ذلك- خوفاً من ضربات قوات صنعاء على منشآتها الحيوية- أصر الجانب الأمريكي على أن تمول السعودية المعارك المزمعة، وفق ما أكده مسؤولون سعوديون لصنعاء في ذلك الوقت، وهو ما يرجح أن يكون الدعم الجديد في إطار ذلك التوجه، وتحديداً بعد تصريح مسؤولي الاحتلال بضرورة دعم حكومة عدن بالمال السلاح لإشغال الحوثيين عن ضرب إسرائيل.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، قال في تدوينة على منصة إكس، إنه "يجب التواصل مع حكومة عدن والجماعات المسلحة الأخرى وتزويدها بالتمويل والأسلحة، ويجب أن ينشغل الحوثيون ببقائهم داخل اليمن وليس بشن هجمات على إسرائيل"، وبما أن السعودية والإمارات هما أبرز حلفاء إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة وهما اللتان تحركان كل تلك التشكيلات العسكرية التابعة للشرعية، فالدعم السعودي المفاجئ لا يخرج عن إطار هذا التخادم، والذي يشبه إلى حدٍ ما محاولة بائسة لتفعيل سيناريو على غرار ما حدث في سوريا، لكنها ستكون قراءة خاطئة للبيئة والمحيط اليمني، حيث تم في مراحل سابقة محاولات كثيرة لخلق واقع مشابه ولم تنجح المحاولات بل سقطت سقوطاً مدوياً، حسب المراقبين.
وكما هو معروف، ستذهب الأموال السعودية إلى الفئات الأكثر رغبة في التحرك لقتال الحوثيين، وهي المجاميع والتشكيلات التابعة لحزب الإصلاح، فرع الإخوان في اليمن، وبقية الفرق المتفرعة منه مثل القاعدة وداعش، الذين تستخدمهم الولايات المتحدة وحلفاؤها كلما استدعت الحاجة، لكنهم إذا ما أقدموا على التحرك سيلقون مصيراً أسوأ مما قد جربوه على يد قوات صنعاء، في دماج وكتاف والبيضاء وغيرها، وهم يعرفون ذلك جيداً.
تاريخياً لم تكن الأموال السعودية الموجهة إلى اليمن في مصلحة اليمن في يوم من الأيام، فهي مجرد أموال قذرة مدنسة يتم توجيهها دائماً من أجل إشعال الفتنة بين اليمنيين، وهو شأنها في سائر الدول العربية والإسلامية، من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى باكستان وما وراءها، ولكن الأمر لم يعد متاحاً للمملكة وحلفائها الإقليميين والدوليين في اليمن، فقد فشلت رغم تمويلها ست حروب بالوكالة على محافظة صعدة اليمنية، من عام 2004 إلى عام 2010، ضد من أسمتهم بالحوثيين، وما جاء بعد ذلك من حرب تزعمتها السعودية تحت شعار التحالف العربي والتي تزامنت مع أقسى حصار في التاريخ الحديث.
وهو ما يعني أن المحاولات الآن سيكون مصيرها الفشل أكثر من سابقاتها، لأنها وببساطة ستتزامن مع عصر الصواريخ الباليستية الفرط صوتية والطائرات المسيّرة التي تعبر مسافات تتجاوز 2000 كيلو متر، والتي أصبحت الآن ترسانة استراتيجية بيد قوات صنعاء، ومن مصلحة السعودية أن تدرك وتعي أنها في كل الأحوال أقرب من إسرائيل إذا ما تورطت في المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية ضد صنعاء، وماذا يعني أن يتم استهدافها وكيف ستكون تبعاته على اقتصادها، وهذا على الأقل- كما يقول مراقبون- ما أصبح جلياً ومقروءاً بوضوح أكثر من أي وقت مضى، فالسعودية وأدواتها المحلية داخل اليمن هي الأمل الوحيد لتقديم الدعم لإسرائيل، لكنها في المقابل ستخسر ما لا يمكن لواشنطن أو تل أبيب تعويضه أو إنقاذها منه.