موسكو- أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأميركي، دونالد ترامب، بأن موسكو ستراجع موقفها في مفاوضات السلام، بعد ما أعلنت روسيا عن هجوم أوكراني بطائرات مُسيّرة على مقر إقامة الرئيس الروسي في مقاطعة نوفغورود شمال غربي الجزء الأوروبي من روسيا، وفق بيان ل لكرملين.
كما أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن أوكرانيا حاولت مهاجمة مقر إقامة بوتين، وقال إن موسكو ستغير جراء ذلك موقفها من المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب في كييف، وأن "هذه الأعمال المتهورة لن تمر دون رد".
وأوضح أن موسكو "لا تنوي الانسحاب من المفاوضات عقب هجوم القوات الأوكرانية على مقر إقامة بوتين"، لكنها ستأخذ في الاعتبار التحول النهائي لنظام كييف إلى سياسة إرهاب دولة"، وفق تعبيره.
ويأتي ذلك، في وقت هدّد بوتين بأنه إذا لم تكن السلطات الأوكرانية مستعدة "لإنهاء الأمور سلميا"، فإن روسيا ستتولى مهام إنهاء الحرب بالقوة. وقال خلال اجتماع إلى كبار القادة العسكريين الروس، إن اهتمام موسكو بالانسحاب الطوعي للقوات الأوكرانية من بعض المناطق يتضاءل نظرا لسرعة تقدم القوات المسلحة الروسية.
وتشير التصريحات الروسية بالاستعداد لمزيد من التصعيد وعدم وقف الأعمال القتالية حتى يبدأ الغرب في مراعاة مصالح موسكو ويتوقف عن دعم كييف، إلى تحوّل من مناقشات "خطط السلام" التوافقية (مثل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب) إلى إستراتيجية حلّ النزاع بالقوة والاستعداد لمواجهة طويلة الأمد لتحقيق نصر عسكري كامل.
ووفق مراقبين روس، تعكس هذه التصريحات تشددا حادا بموقف الكرملين في ظل التطورات العسكرية والسياسية الجديدة، ما قد يدفع إلى إطالة زمن الحرب مع أوكرانيا.
ويرى الخبير الأمني فلاديمير كوزنيتسوف، أن محاولة استهداف مقر بوتين في نوفغورود حملت ردا أوكرانيا على نتائج اجتماع ترامب ونظيره فولوديمير زيلينسكي في فلوريدا الذي انتهى دون تحقيق أي تقدم ملموس، وبأن كييف ماضية في القتال ولن تستسلم بسهولة، حسب وصفه.
ويقول كوزنيتسوف للجزيرة نت، إن تصريحات بوتين تؤكد تشددا لافتا في الموقف تجاه التسوية السلمية والاستعداد لتصعيد أكبر، ما ظهر بوضوح في تعليماته بخصوص مواصلة بسط السيطرة الكاملة على دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا وتوسيع "المنطقة العازلة" على طول الحدود الشمالية لأوكرانيا.
وبناء عليه، يؤكد المتحدث أن بوتين أرسل رسائل واضحة بأن موسكو مستعدة أكثر من أي وقت مضى للتخلي عن الدبلوماسية والتحول نحو سيناريو القوة، طالما لم يوافق زيلينسكي على السلام وفق الشروط الروسية، بما في ذلك التنازل عن المناطق التي سيطرت عليها والانسحاب من حلف شمال الأطلسي ( الناتو).
ووفق كوزنيتسوف، فإن الصراع بين تطلعات أوكرانيا للاندماج الأوروبي الأطلسي ومصالح روسيا في الحفاظ على نفوذها في المنطقة سيستمر طالما لم يتم إيجاد حل "تاريخي لمعضلة دونباس" وتسليم أراضيها بالكامل لروسيا، كأحد أبرز شروط وقف إطلاق النار.
ويضيف أن سرعة تقدم القوات الروسية على هذا المحور في الأسابيع الأخيرة ستدفع القوات الأوكرانية للانسحاب الطوعي، في حال لم يأمرها فولوديمير زيلينسكي بالبقاء في كافة الظروف، وهو ما يعني دفعها للانتحار، حسب تعبيره.
من جانبه، يؤكد الباحث في النزاعات الدولية، فيودور كوزمين، أن محاولة "نظام كييف" استهداف مقر بوتين منح الكرملين فرصة مراجعة شروط المفاوضات ورفع وتيرة الهجمات المكثّفة ضد أوكرانيا.
ويقول للجزيرة نت، إن القوات الروسية في واقع الحال تلقت أوامر مباشرة وصريحة بمواصلة الهجوم و"توسيع المنطقة الأمنية" على طول الحدود مع أوكرانيا لضمان السيطرة الكاملة على المناطق الأربع (دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون).
ويرى كوزمين أن كلام بوتين يعد كذلك ردا غير مباشر على خطة السلام الأميركية المكونة من 20 بندا، والتي عُرضت خلال محادثات ترامب مع زيلينسكي، وإنذارا بأن روسيا ستحقق أهدافها العسكرية بالقوة إذا لم تقبل كييف بشروط موسكو.
ويتابع بأن سيناريوهات حل النزاع الروسي الأوكراني دخلت في نفق الغموض، وأن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار تفاوضي بات أقل احتمال، بل انتعشت فرضية الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد، تهدر فيها الدولتان مواردهما دون تحقيق اختراق حاسم.
ويعتبر الباحث كوزمين أن ما يصفه بالاستفزاز الأوكراني الأخير يأتي في سياق تعطيل مسار التسوية، بسبب حالة القلق في كييف و بروكسل إزاء تحقيق اتفاق روسي أميركي لا يكون للأوروبيين دور فيه، فضلا عن الهواجس تجاه "المفاوضات الموازية"، التي تجري بين بوتين ومبعوثي ترامب، والتي يرى فيها الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا محاولة لتجاوزهما.
ويستبعد المتحدث حصول خرق دبلوماسي في جدار التناقضات بين روسيا وأوكرانيا على الأمد المنظور، بسبب التباعد الكبير في المواقف وتعثر المفاوضات، خصوصا حول ملفي الأراضي الأوكرانية التي تسيطر روسيا على نسبة 20% منها، وإصرار كييف على عضوية حلف الناتو، مقابل مطالب روسيا بالحياد.
ويخلص إلى أن وسائل روسيا الدبلوماسية في المرحلة المقبلة ستركز على إحداث انقسام بين حلفاء أوكرانيا الغربيين للتقليل من وتيرة المساعدات العسكرية الغربية والحفاظ على تفوق ميداني في جبهات القتال.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة