موسكو- صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن أوكرانيا "ترفض إنهاء الصراع سلميا"، لكن "هناك مؤشرات من كييف على استعدادها للحوار".
وجاء كلام بوتين ردا على سؤال عن احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية في أوكرانيا، وذلك خلال مؤتمره الصحفي السنوي "الخط المباشر"، الجمعة، الذي أجاب خلاله عن أسئلة الصحفيين والمواطنين، وتحدث فيه لأكثر من 4 ساعات، تناول خلالها حصيلة العام في مجالي السياسة الخارجية والأوضاع الداخلية.
وقال بوتين إنه مستعد لإنهاء الصراع وفقا للشروط التي حددها في خطابه بوزارة الخارجية العام الماضي، والتي تضمنت -من بين عدة أمور- انسحاب القوات الأوكرانية من دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا.
وحول علاقته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب ، وإذا ما كان مستعد ا لتحمل مسؤولية الخسائر في الأرواح العام المقبل في حال عدم التوصل إلى اتفاق السلام الذي اقترحته الولايات المتحدة، حمّل الرئيس الروسي أوكرانيا مسؤولية الحرب، وقال إن "روسيا وافقت عمليا على مقترحات الرئيس ترامب وقدمت بعض التنازلات، وقد باتت الكرة الآن في ملعب كييف وداعميها الأوروبيين".
لكن بوتين لم يحدد طبيعة التنازلات الروسية، وعندما سُئل عما إذا كانت ستكون هناك "عمليات عسكرية خاصة" جديدة، قال إنها "لن تكون ما دامت روسيا تحظى بالاحترام ولا تُخدع"، واصفا الحديث عن مهاجمة روسيا لأوروبا بأنه "هراء".
وأوضح أن بلاده ستحقق أهدافها عسكريا إذا لم تقبل كييف بشروط موسكو في محادثات السلام، مؤكدا في الوقت ذاته استعداده لمناقشة أمن الانتخابات في أوكرانيا، شريطة "وقف الضربات العميقة داخل الأراضي الروسية، وضمان حق التصويت للأوكرانيين المقيمين في روسيا".
وفي تعليقه على هجمات أوكرانيا على ناقلات النفط، صرّح بوتين بأن "القوات الروسية تردّ بانتظام على مثل هذه الهجمات بأخرى مضادة لا تُضاهى في قوتها ودقتها بما تفعله أوكرانيا"، كما لوّح باحتمالية نشوب "نزاع عسكري واسع النطاق" في حال محاولة فرض حصار على منطقة كالينينغراد .
أشار الرئيس الروسي في المؤتمر إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى موسكو كخصم، بينما لا تزال أوروبا غير متوافقة مع أولويات واشنطن الجديدة، وفي الوقت الذي أكد فيه أن "روسيا مستعدة للتعاون، وأن الجميع سيستفيد من ذلك"، حذر من أن "أوروبا ستتلاشى تدريجيا" إذا لم يحدث هذا التعاون.
كما أعرب عن قلقه إزاء اقتراب بنية حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) التحتية من حدود روسيا، واصفا خطط الاتحاد الأوروبي للاستيلاء على الأصول الروسية بأنها "سرقة" من شأنها تقويض الثقة في منطقة اليورو وإبعاد المستثمرين.
وتطرق بوتين في حديثه إلى العلاقات مع الصين، واصفا إياها بالعامل الأهم في الاستقرار العالمي.
وفي الشق الاقتصادي، أشار إلى أن النمو الاقتصادي انخفض إلى حوالي 1%، مبررا ذلك بأنه "تباطؤ متعمد" بهدف مكافحة التضخم في ظل العقوبات، إذ من المخطط خفض التضخم إلى 6% بحلول نهاية العام.
يرى مدير مركز التحليلات الدولية ألكسندر كونكوف أن بوتين حرص في كلامه على إرسال إشارات عدة بأنه لا يرفض صراحة فكرة السلام، وأن روسيا مستعدة للمشاركة في المفاوضات، لكنه لم يبدِ في الوقت ذاته استعدادا لتقديم أية تنازلات، أو حتى تجميد الصراع على طول خطوط التماس مع أوكرانيا.
ويضيف كونكوف -في حديثه للجزيرة نت- أن الرئيس كان واضحا في تجديد مطالبه للسلام، التي أعلن عنها الصيف الماضي، وذلك بتسليم المقاطعات الأربع (دونيتسك ولوغانسك وخيرسون، وزاباروجيا) إلى روسيا بالكامل، إلى جانب الاعتراف الدولي بذلك.
لكن كونكوف يشير إلى أنه على الرغم من استمرار الهجوم الروسي ووضع القوات الأوكرانية الحرِج، فإنه من غير المرجح أن تقبل أوكرانيا بهذه الشروط، ويخلص إلى أن روسيا مستعدة لحل سلمي، "وهو ما ينتظره ملايين الناس في روسيا وجميع أنحاء العالم، ومع ذلك، لا تنوي موسكو التنازل عن مبادئها، وأنه لا يمكن حل النزاع إلا بمعالجة أسبابه الجذرية" حسب قوله.
من جانبه، يقول نائب رئيس "معهد التنبؤ بالنزاعات" ألكسندر كوزنيتسوف، إن اللقاء الصحفي -الذي استمر 4 ساعات ونصف الساعة- هدف إلى إظهار السيطرة على الوضع داخل البلاد، وتأكيد شرعية المسار السياسي الحالي، وأن القوات الروسية لا تزال تمسك بزمام المبادرة.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن لقاء "الخط المباشر" تلقى أكثر من 2.5 مليون سؤال، مما يعكس تطلعات الجمهور العالية للتواصل المباشر مع الرئيس لمعرفة التقييمات من المصدر الأول.
ولفت إلى أن تأكيد بوتين استعداده لـ"مواجهة تكنولوجية"، ردا على أنظمة الدفاع الجوي/ الصاروخي الغربية، يحمل تلميحا بإمكانية شن ضربات باستخدام منظومة "أوريشنيك" ، مما يعني أن "روسيا لا تزال غير مطمئنة إلى جدية المنظومة الغربية في تسوية الأزمة مع أوكرانيا سلميا"، وفق اعتقاد المتحدث.
ولفت كوزنيتسوف إلى أن خطاب الرئيس لا يزال حادا تجاه الغرب ويحمل مؤشرات عدم ثقة، "إذ ظهر ذلك في حرصه على إظهار استقلال روسيا واستقرارها في ظل الضغوط العسكرية والاقتصادية المستمرة، واستعداده لأي تصعيد محتمل من جانب البلدان الأوروبية".
وفي بعد آخر، أعرب المتحدث عن رأي مفاده بأن "اعتراف بوتين بتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1% عام 2025 مقارنة بـ4.3% العام الماضي يشكل اعترافا غير مباشر بوجود مشاكل اقتصادية، بالرغم من تفسيره بأن تباطؤ النمو جاء كخطوة مُتعمّدة من قِبل الحكومة والبنك المركزي لمكافحة التضخم".
وحسب رأيه، فإن الشعبية العالية التي يتمتع بها الرئيس لا تعني في الوقت نفسه رضا السكان عن الأوضاع الاقتصادية المعيشية للبلاد، وهو ما يفسر تركيز بوتين في حديثه على القضايا الاقتصادية والديمغرافية. وأشار إلى أن الحرب مع أوكرانيا يجب ألا تبرر إهمال الأوضاع المعيشية والمشاكل التي تواجهها البلاد.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة