في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تونس- تعيش تونس هذه الأيام حالة غليان واضحة في ظل تواتر غير مسبوق لتحركات احتجاجية مختلفة تتقاطع في توقيتها ومطالبها، وتشير إلى موجة غضب اجتماعي وسياسي تتسع يوما بعد يوم، ضد سلطة الرئيس قيس سعيد الذي يحكم البلاد منذ عام 2019.
ومع اقتراب مظاهرة يوم غد السبت المقررة وسط العاصمة تونس تحت شعار "ضد الظلم"، يسود ترقب شديد لما قد يصدر عن قوات الأمن، خاصة وأن المسيرة تحمل طابعا سياسيا صريحا وترفع مطالب حادة تتعلق بوقف المحاكمات السياسية وإطلاق سراح المساجين السياسيين.
كما تعيش محافظة صفاقس وسط البلاد منذ أيام على وقع تحركات احتجاجية مكثفة للنقابيين والعمال في المؤسسات الاقتصادية الخاصة، الذين أضربوا عن العمل للمطالبة بالزيادة في الأجور.
وفي محافظة قابس الجنوبية لم تهدأ الأوضاع حيث شهدت المنطقة حالة توتر بين قوات الأمن المحتشدة بكثافة هناك والمحتجين الذين يطالبون بتفكيك الوحدات الملوثة التابعة للمجمع الكيميائي التي تسببت في حالات اختناق وتسمم وسط الأهالي.
بدورها عاشت العاصمة تونس هذا الأسبوع على وقع تحركات احتجاجية غاضبة، حيث خرج المئات من الأطباء الشبان للاحتجاج يوم الأربعاء 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أمام مبنى البرلمان، بالتزامن مع مناقشة مشروع ميزانية وزارة الصحة لسنة 2026.
وقد بدا المشهد لافتا حيث ارتدى مئات الأطباء المحتجين ملابسهم البيضاء، رافعين شعارات غاضبة على ما اعتبروه "تنكرا" من وزارة الصحة لاتفاق سبق أن أمضته معهم منذ تاريخ 3 يوليو/تموز الماضي، يضمن لهم مستحقاتهم المالية وتحسين ظروف عملهم.
ويقول رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان وجيه ذكار للجزيرة نت إن "الأطباء الشبان يتصدرون اليوم الحراك الاجتماعي بسبب تنكر السلطة لالتزاماتها التي ضربت بها عرض الحائط".
ويؤكد ذكار أن الاحتجاجات أمام البرلمان لم تكن حدثا عابرا، بل نتيجة تراكمات طويلة من التنكر الرسمي لالتزامات واضحة وموقع عليها سابقا، ويشير إلى أن الاتفاق السابق "لم يكن منّة من أحد بل ثمرة نضال استمر سنوات، وأن التراجع عنه أفقد النظام مصداقيته".
ويشدد على أن الدولة التي لا تحترم توقيعاتها لا يمكنها مطالبة المواطنين باحترام القانون، معتبرا أن "البرلمان يتحمل جزءا من المسؤولية من موقعه كسلطة رقابية"، ويرى أن "على النواب إلزام الحكومة بتنفيذ الاتفاقات المبرمة بدل غضّ الطرف عن إخلالات واضحة تمسّ قطاعا حساسا مثل الصحة".
ويذهب ذكار إلى ربط الأزمة الصحية العامة بالوضعية الصعبة للأطباء الشبان، مبرزا أن الوزارة تسوّق لإنجازات صحية لكنها تتجاهل ظروف العمل القاسية داخل المستشفيات، ويكشف أن بعض الأطباء لم يتلقوا أجورهم منذ 5 سنوات، في مؤشر خطير يعكس حجم الاختلالات داخل المنظومة الصحية.
ويعتبر ذكار أن وجود الأطباء الشبان في الشارع يمثل علامة حياة داخل القطاع، لأن البديل عن الاحتجاج هو الهجرة، وهو ما يهدد مستقبل الصحة العمومية، ويرى أن "الأزمة الحالية تتجاوز المطالب المهنية لتطرح سؤالا أعمق حول قدرة الدولة على الحفاظ على كفاءاتها وضمان الحد الأدنى من احترام الحقوق".
وفي السياق المشحون نفسه، خرج أمس الخميس مئات الصحفيين التونسيين للاحتجاج أمام مبنى الحكومة بالعاصمة، مرددين شعارات تطالب برفع السلطة يدها عن الإعلام، والكف عن التضييق على عمل الصحفيين وملاحقتهم بمقتضى المرسوم 54، وإطلاق سراح الصحفيين المساجين، مطالبين بحقهم في امتلاك البطاقة المهنية، التي لم توافق الحكومة على إصدارها هذا العام في سابقة من نوعها.
وفي السياق، نقل زياد الدبار نقيب الصحفيين التونسيين في تصريح للجزيرة نت صورة عن واقع حرية الصحافة في تونس في ظل النظام الحاكم الحالي، مؤكدا أن "التضييق لم يعد حالة استثنائية، بل أصبح سياسة ممنهجة طالت الصحفيين والمؤسسات الإعلامية على اختلاف أنواعها".
ويرى أن "الوضع الحالي يعكس توجها واضحا نحو إخضاع الإعلام والسيطرة عليه، في مخالفة صريحة للدستور وللالتزامات الدولية"، ويشير إلى أن أبسط حقوق الصحفيين اليوم مهددة، بما في ذلك البطاقة المهنية التي تعتبر شرطا أساسيا للعمل اليومي، ويقول "غياب هذه البطاقة يجعل الصحفي عرضة للتوقيف والملاحقة وربما اتهامات بانتحال صفة".
ويؤكد الدبار على أن الدولة تسهم في خنق القطاع بمنع تطبيق الاتفاقيات والقوانين، وتعطيل إصلاح المؤسسات الإعلامية العمومية، والسعي لتحويلها إلى أدوات دعاية.
ويرى أن "المعركة اليوم ليست مهنية فقط بل وجودية، لأن الإعلام إذا فقد استقلاليته سيفقد دوره كسلطة مضادة، ليصبح مجرد جهاز علاقات عامة تابع للسلطة، وهو ما يرفضه الصحفيون بشكل قاطع"، وفق تعبيره.
وفي المشهد السياسي الأوسع، يقدّم هشام العجبوني القيادي في التيار الديمقراطي قراءة أخرى لهذه الموجة المتصاعدة من الاحتجاجات، مؤكدا للجزيرة نت أن "ما يحدث اليوم نتيجة منطقية لغلق باب الحوار من قبل السلطة".
ويقول إن "الرئيس الحالي لا يعترف بالأجسام الوسيطة، وبالتالي في ظل غياب الحوار يصبح الاحتجاج في الشارع الطريق الوحيد للتعبير والمطالبة بالحقوق".
كما يرجع توسع دائرة الاحتجاج إلى اقتناع التونسيين بفشل النظام الحالي في تحسين الأوضاع وتعويله فقط على سياسة التسويف، قائلا "بعد أربع سنوات من الحكم الفردي للرئيس سعيد بصلاحيات فرعونية، ظهر واضحا أن الرئيس عاجز عن تحسين الأوضاع التي تفاقمت في كل المجالات".
ويربط العجبوني بين الاحتجاجات الاجتماعية وتصاعد الاحتجاجات ذات الطابع السياسي، مشيرا إلى أن المسيرة المرتقبة ظهر غد السبت هدفها التنديد بمحاكمات الرأي والمحاكمات السياسية، على غرار قضية التآمر على أمن الدولة 1، والمطالبة بإطلاق المحامي والقاضي الإداري السابق وعضو هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين أحمد صواب.
كما يقول إن مسيرة الغد هدفها رفع يد السلطة عن نشاط منظمات المجتمع المدني وتعطيل المنصات الإعلامية، واستعمال القضاء لضرب الخصوم السياسيين، ويرى أن "البلاد تعيش مرحلة غير مسبوقة من تركيز السلطة بيد شخص واحد، ما أدى إلى انسداد سياسي واجتماعي دفع التونسيين إلى الشارع من جديد".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة