في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
طولكرم- على الرغم من مرور 4 أيام على انتهاء المنخفض الجوي الأول لموسم الشتاء هذا العام في الضفة الغربية فإن آثاره لا تزال تنساب على جدران المأوى الذي لجأت إليه أم هارون وأفراد عائلتها بعد نزوحهم عن منزلهم في مخيم طولكرم شرق المدينة شمالي الضفة.
في غرفة من الطوب مسقوفة بالزينكو تعيش أم هارون و7 من أفراد أسرتها، ومع بداية المطر تحولت الغرفة إلى بركة من المياه وامتلأت أغراض المطبخ وتبللت المفارش والبطانيات والملابس، ووجدوا أنفسهم أمام تحد جديد من تحديات النزوح الصعبة.
وتقول أم هارون "حالنا كحال أهل غزة ، وأنا أكثر من يحس بهم، غرقنا قبل دخول الشتاء الفعلي، كيف سنتدبر أمرنا؟ كيف سنعيش مع البلل؟ حتى اليوم لا تزال الأغطية والشراشف مبللة رغم توقف المطر منذ أيام".
ومثل 25 ألف شخص آخرين نزحت أم هارون عن منزلها بعد دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى مخيمات طولكرم في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي فيما تُعرف بعملية "السور الحديدي"، وحتى اليوم لم تجد منزلا مناسبا للعيش بكرامة كما تؤكد.
وتصف في حديثها للجزيرة نت حالة عائلتها بعد 10 أشهر من النزوح، وتقول "نحن نعيش على الفتات، بالكاد نتدبر أمور يومنا، زوجي عاطل عن العمل منذ عام ونصف ومصاب بجلطة قلبية، لدي ولد من أصحاب الإعاقة السمعية يحتاج لتغيير بطارية سماعات الأذن منذ شهرين ولا أملك ثمنها".
وتضيف أن أهالي المخيم لم يتوقعوا أن تطول أزمة نزوحهم كل هذا الوقت "المشكلة أنه اقتربنا من العام على ترك منازلنا، لا تلوح في الأفق أي بارقة أمل للتغيير أو تحسّن أحوالنا، طُردنا من المخيم تحت تهديد السلاح، وأُجبرنا على تدبر أمورنا، إيجارات المنازل في مدينة طولكرم مرتفعة، خاصة لعائلة بدون دخل شهري".
وحتى اليوم، لم تتمكن أم هارون من إرسال طفليها اللذين يدرسان في المرحلة الإعدادية إلى المدرسة، حيث تحتاج أقرب مؤسسة تربوية في المدينة من مكان نزوحهم إلى سيارة أجرة يوميا لذهابهما وعودتهما.
وتوضح "لدي طفل في الصف الثامن وآخر في الصف السادس وكلاهما محرومان من الدراسة، كما أني أرعى ابنتي وحفيدتي بعد سفر زوجها لمحاولة العمل في الأردن، أول وآخر معونة تلقيناها من المحافظة كانت في شهر رمضان، وبعدها لم يصلنا شيء، أحيانا يتبرع الناس لنا بطرود مؤونة، وهكذا نعيش، ومهما حاولت وصف قسوة الوضع الذي وصلنا إليه أبقى عاجزة عن ذلك".
خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي ونوفمبر/تشرين الثاني الجاري نظم أهالي مخيمات مدينة طولكرم وقفات احتجاجية أمام مداخلها للمطالبة بالعودة إلى منازلهم والحصول على حقوقهم وحل مشكلة إيوائهم حتى انسحاب قوات الاحتلال، لكن الاحتلال قمع أكثر من مرة هذه الوقفات ومنع المشاركين من التقدم إلى محيط المخيمات.
ويعتبر الأهالي هذه التحركات تعبيرا عن احتجاجهم على "حالة التخلي التي تُركوا عليها من قبل الحكومة الفلسطينية والمؤسسات الدولية المسؤولة عن اللاجئين".
ويرى رئيس لجنة خدمات مخيم نور شمس نهاد شاويش أن النازحين يواجهون أوضاعا مأساوية ويزداد تعقيدها مع مرور الوقت.
ويؤكد للجزيرة نت أن "تركهم من دون تأمين مسكن يحفظ كرامتهم أو حتى معونات حقيقية ومستمرة هو خطأ تتحمله الحكومة بكل مؤسساتها".
ويقول "الكثير من النازحين يسكنون في مراكز إيواء كالمدارس والمساجد أو عند أقاربهم حتى اليوم، على الحكومة أن تجد حلا، وهو أمر كان من الواجب عليها التعاطي معه منذ بداية الأزمة من خلال وضع خطة متكاملة إسعافية تدعمهم وتحفظ كرامتهم وتعينهم على الصمود كل هذه الأشهر".
ووفق شاويش، لم يقم أي مسؤول أو وزير منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية بزيارة النازحين "لإشعارهم فقط أنه معهم، الحكومة لم تقدم أي دعم لا مادي ولا حتى معنوي لكل هذه الآلاف التي شُردت من المخيمات".
ويتابع "من حق النازح أن توفر له الحكومة منزلا أو عملا ليتمكن من استئجار بيت، الناس أصبحوا عاجزين عن توفير احتياجات أسرهم بشكل يومي، بعض العائلات تراكمت عليها إيجارات تصل إلى 12 ألف شيكل (الدولار يساوي تقريبا 3.5 شواكل)، ناهيك عن الماء والكهرباء والغذاء".
في مدرسة الموحد بضاحية ذنابة شرقي طولكرم يعيش رمزي حسين (35 عاما) مع زوجته وأطفاله الثلاثة مع 24 عائلة أخرى منذ إجبارهم على النزوح من منازلهم في مخيم طولكرم للاجئين.
وقبل شهر واحد كانت زوجة رمزي على موعد مع ولادة طفلها الثالث، ويقول للجزيرة نت إنها أنجبت بعملية قيصرية، وبعد يوم وليلة في المستشفى عادت وحيدة ومن دون خصوصية إلى المدرسة التي أصبحت منزلهم، دون أن يكون معها أحد من أقاربها لرعايتها بحكم نزوحهم أيضا.
ويشرح حالة أطفاله ومعاناتهم مع تكرار التعرض للأمراض والوعكات الصحية بفعل الازدحام في المدرسة، ويقول "يوجد حمام واحد لقرابة 140 شخصا، والمدرسة مكتظة، الأطفال يصابون بالفيروسات بشكل مستمر ومتكرر".
حاول رمزي الانتقال مع أسرته لكنه كان في كل مرة يصطدم بإيجارات المنازل المرتفعة وطلب المؤجرين دفعات مقدمة تصل إلى 6 أشهر، ويوضح "يطلبون قرابة ألفي شيكل للبيت الصغير، فقدت عملي منذ بداية الحرب على قطاع غزة، ولا أملك هذا المبلغ، أخاف على أطفالي، خاصة مع اقتراب المطر، الغرف الصفية لا تحجب البرد، وممرات المدرسة يدخلها المطر، وكل هذا يزيد احتمالية المرض".
من جانبها، تقول محافظة طولكرم إن الاحتلال يتحمل مسؤولية ما يحدث في مخيمات المحافظة، وإن ذلك محكوم بخطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين وخلق بيئة طاردة، وتطبيق احتلال الضفة ككل.
وفي تصريح له على وسائل إعلام محلية أمس الأول الثلاثاء أكد محافظ طولكرم عبد الله كميل أن "القيادة الفلسطينية والشعب يقفان مع النازحين في معاناتهم، ويدعمان صمودهم".
وأضاف أن الحل الوحيد لحصار المدينة الاقتصادي واحتلال المخيمات وإنهاء معاناة الناس هو "رحيل الاحتلال عن هذه الأرض".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة