كشفت دراسة جديدة لمعهد إيفوب، أن المسلمين الذين لا تتجاوز نسبتهم 7% من سكان فرنسا، يتنامى لديهم التدين والتشدد، لا سيما الشباب، مما أعاد إحياء النقاش عن الإسلام في فرنسا، بعد أيام من ذكرى هجمات 2015 .
وقد خصصت صحيفتا ليبراسيون ولوموند مساحة لهذه الدراسة التي قامت باستطلاع للرأي أجرته "إيفوب"، واتفقتا على أن نتائجه ترسم صورة مقلقة لتصاعد التشدد الديني عند فئة الشباب خاصة، ووجهتا له بعض الانتقادات.
وقال توما لوغران -في افتتاحية ليبراسيون- إن الصورة المبالغ فيها التي تنشرها الدعاية اليمينية عن حجم الوجود الإسلامي في البلاد، تكذبها الأرقام الحقيقية التي تظهر المسلمين أقلية صغيرة، لا تتجاوز 7% من السكان، مما يعني أن "الاستبدال الكبير" لا يزال بعيدا.
ولكن هذه الأقلية -حسب لوغران- تمر بتحولات لافتة، حيث يضع معظم المستجوبين الدين فوق العلم عند التعارض، مع أن ارتداء الحجاب يتراجع لدى المسنات ويتزايد بقوة عند المراهقات، اللاتي يؤكد معظمهن أنه وسيلة لحماية أنفسهن من الضغط الاجتماعي والنظرات الذكورية.
ورغم أن الدراسة تُتهم أنها موجهة، وتتجنب أسئلة عن التهميش والعنصرية، فإنها تعكس فعلا -حسب رأي لوغران- تشددا دينيا متناميا داخل جيل الشباب المسلم، يستغله اليمين واليمين المتطرف سياسيا، ويربطانه بسيناريوهات "صراع الحضارات" و"الحرب الأهلية" و"الاستبدال الكبير".
وخلص لوغران إلى مفارقة سياسية لافتة، تكمن في أن اليمين هو الذي يدعو إلى مواجهة التشدد الإسلامي من منطلقات الهوية والمحافظة، في الوقت الذي يظهر فيه أن الحل الحقيقي يكمن في تعزيز القيم التقدمية، ولكنّ اليسار يتجاهل ذلك، مستفيدا من هذا الوضع سياسيا.
وقبل أن يختتم افتتاحيته، ذكر الكاتب بأن التشدد الإسلامي في فرنسا لا ينفصل عن موجة عالمية من الرجعية والتصلب الديني، موجودة أيضا لدى المسيحيين واليهود في الغرب، وهي تتغذي من الهويات المتشددة.
أما صحيفة لوموند، فرأت أن استطلاع معهد إيفوب أعاد الجدل في وضع الإسلام في فرنسا، بعد أيام قليلة من إحياء ذكرى هجمات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وقالت إنه أُنجز لصالح مجلة تقدم نفسها باعتبارها "الشهرية المخصصة لمقاومة كل أشكال التطرف"، وقد وصفتها ليبراسيون بأنها مجلة هامشية غامضة.
ورأت لوموند -في تقرير بقلم فيرجين لاروس- أن الدراسة، التي أُجريت على عينة من ألف وخمسة من المسلمين، تظهر نتائجها أن نسبة كبيرة من الشباب المسلم في فرنسا تتبنى مواقف أكثر محافظة، مثل تقديم الشريعة على قوانين الجمهورية، وإبداء تعاطف مع الإسلاموية، والالتزام المتزايد بالممارسات الدينية.
ويعتبر معدو الاستطلاع أن هذه المعطيات تعزز المخاوف من تكون "مجتمع مواز" يعيش وفق معايير دينية منفصلة عن الأغلبية، ولكن الدراسة تكشف في المقابل معطيات تنسف بعض التصورات السائدة، منها أن المسلمين لا يشكلون سوى 7% من السكان، مما يطيح بنظرية الاستبدال الكبير، ومنها أن الحجاب لا يزال ممارسة أقلية.
نتائج الاستطلاع مقلقة لأنها تعكس فشل المؤسسات الفرنسية في إقناع الشباب المسلم بأن مكتسبات المجتمع، مثل حقوق النساء والحريات الفردية، قيم مشتركة
ومن هذه المعطيات -حسب الصحيفة- أن مستويات الاندماج والزواج المختلط ليست بالقدر الذي تروج له بعض خطابات الهوية، كما أظهر الاستطلاع أن فكرة "العودة إلى الدين" لا تقتصر على المسلمين، بل تمتد أيضا إلى الديانات الأخرى.
ومع ذلك، يرى متخصصون أن نتائج الاستطلاع مقلقة لأنها تعكس فشل المؤسسات الفرنسية في إقناع الشباب المسلم بأن مكتسبات المجتمع، مثل حقوق النساء والحريات الفردية، قيم مشتركة، وهم يحذرون من أن هذا التجدد الديني، وإن كان غير خطِر في ذاته، قد يسمح بظهور جيوب صغيرة من الراديكالية.
ونبهت الصحيفة إلى أن هذا الاستطلاع يواجه انتقادات منهجية، إذ يعتبر باحثون أن الأسئلة المطروحة فيه منحازة وتسعى إلى تضخيم صورة التشدد، وأنها تخلط بين التدين العادي والإسلاموية، متسائلين عن تعريفات غامضة لمفاهيم مثل "الإسلاموية" و"الشريعة".
وعبر بعض الباحثين عن قلقهم من تكرار هذا النوع من الدراسات، الذي يرون أنه يرسخ فكرة كون المسلمين "فئة مشبوهة"، ويسعى إلى زيادة شعورهم بالعزلة والاضطهاد.
في النهاية، يحذر بعض الخبراء من أن الاستقطاب المتواصل بين تشدد ديني متنامٍ من جهة، واشتباه دائم بالإسلاموية من جهة أخرى، يقود الوضع في اتجاه سلبي، مشيرين إلى أن "قلب الوصمة" بمعنى تحويلها إلى علامة فخر أو تحدٍ، قد بدأ فعلا.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة