في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
غزة- فقد "أبو عمر" نجله في قصف إسرائيلي قبل عام، تاركا وراءه زوجة شابة وطفلين في عمر الحضانة. ومع الوقت، يقول الجد "تزوّجت الكنة من رجلٍ آخر، وهذا حقها الطبيعي، لكننا اتفقنا على التوجه إلى المحكمة لطلب نقل الأطفال إلى حضانتي".
وبعد انشغاله في تحضير الأوراق بين مئات المواطنين في قاعة المحكمة الشرعية بدير البلح، وسط قطاع غزة ، أبلغه القاضي أن زواج أرملة ابنه الشهيد من شخص غريب محرّم على الأطفال يُسقِط حقها في الحضانة، ومراعاة لمصلحة الأطفال تُنقل الحضانة إلى الجد، مع ضمان حق الأم في رؤيتهما متى شاءت.
وفي جانب آخر من المحكمة، جاءت سهام، وهي أرملة أحد الشهداء وأم لـ3 أطفال، تشكو جد أبنائها الذي رفض منحها الوصاية على أولادها القاصرين، بحجة أن الولاية الشرعية تنتقل إليه تلقائيا، وذلك رغم كبر سنّه وعدم قدرته على القيام بأعبائهم جسديا وماليا.
وتابعت سهام (34 عاما) للجزيرة نت "لا أطلب شيئا لنفسي، فقط أريد أن أكون وصية على أبنائي لأتمكن من الإنفاق على تعليمهم ومعيشتهم دون انتظار موافقة أحد، فالمعاناة اليومية لا تنتظر الإجراءات الطويلة".
وتمثل هاتان الحالتان اللتان اطلعت عليهما الجزيرة نت عينة بسيطة من كمية هائلة من القضايا الشرعية التي أحدثتها الحرب على قطاع غزة على مدار عامين، أُبيدت خلالها عائلاتٌ بأكملها، وفقدت آلاف الأسر معيلها الرئيسي، تاركةً وراءها شهداء ومفقودين، وزوجات أرامل وأطفالا قُصَّر بلا ولي قانوني.
ووفق أحدث بيان صادر عن منظمة اليونيسيف -اليوم الأحد- فإن أكثر من 64 ألف طفل فلسطيني قتلوا أو أصيبوا في الحرب على قطاع غزة، بينما فقد أكثر من 58 ألف طفل أحد والديهم.
ويواجه القضاء والمحاكم الشرعية في قطاع غزة عبئا هائلا، تمثّل في تزايد غير مسبوق في عدد القضايا المعروضة أمام المحاكم، وفي مستوى تعقيدها، حيث تتمحور في مجملها حول قضايا الزوجة وأطفالها القاصرين، وإثبات الملكيات والميراث.
ووجد كثير من الأجداد والأعمام والنساء الأمهات أنفسهم أمام مسؤوليات جسيمة، لا تقتصر على رعاية أبنائهن، بل تمتد إلى إدارة شؤونهم القانونية والمالية، مما يستلزم الحصول على حُجج (وثائق قانونية) بمختلف أنواعها من المحاكم الشرعية.
كما خلفت الحرب على القطاع العديد من القضايا التي تتعلق بحجج الوصايا والترمل، والحصص من التبرعات والمنح، وحجج التخارج، وإقرارات الحضانة، وقضايا الطلاق وغيرها.
في الوقت ذاته، تعاني المحاكم من نقص حاد في الكوادر والمقرات، بعد استشهاد عدد من القضاة وتدمير معظم مباني المحاكم ومكاتب القضاء، مما أجبرها على العمل في أماكن مؤقتة أو داخل مقرات مشتركة.
ورغم هذه الظروف الصعبة، يواصل القضاة والموظفون عملهم اليومي، لضمان استمرار العدالة في مجتمع أنهكته الحرب.
من ناحيته، يقول القاضي أحمد حبيب، المتخصّص في شؤون القاصرين والأموال الإرثية والوصاية في محكمة دير البلح ، للجزيرة نت إن مهمة العمل القضائي في المحاكم الشرعية تتعلق بأمرين اثنين:
وتشمل هذه "التوثيقات" كما سماها، حالات الزواج والطلاق والحجج بأنواعها، كحصر الإرث، والولاية، والوصاية على القاصرين من الأطفال الأيتام، والترمل، والحضانة، والتخارج، وتلك المتعلقة ببيع الحصص الإرثية، وحجج الهبة المتعلقة بأموال التبرعات والمنح، والعزوبية، وأذونات صرف أموال القاصرين، والإعالة، ومشروحات إثبات الفقد للمفقودين أثناء العدوان، ومنع السفر للقاصرين وكذلك عدم الممانعة للسفر.
وأوضح القاضي أن عدد المعاملات التي أنجزتها المحاكم في قطاع غزة خلال الحرب في الفترة الممتدة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى نهاية 30 يونيو/حزيران 2025 بلغ نحو 82 ألفا و126 معاملة، موزعة على معاملات الوفاة والزواج والطلاق والرجوع عن الطلاق، مؤكدا أن نسبة الطلاق بلغت 12.6%.
كما شملت المعاملات إصدار آلاف القرارات الخاصة بمنع السفر أو السماح به عبر معبر رفح ، لناقصي أو فاقدي الأهلية أو البالغين المدعى عليهم، عدا عن آلاف القرارات القضائية الخاصة بتسجيل حالات وفاة لمن لم يُسجلوا في المستشفيات والمراكز الصحية بسبب عدم القدرة على الوصول إلى جثامينهم وتسجيل بياناتهم في وزارة الصحة، وذلك لإلزام وزارة الداخلية بإصدار شهادات وفاة لهم.
وأضاف حبيب أن بعض القضايا تشهد توترا اجتماعيا في المحكمة، خاصة تلك المتعلقة بالحضانة وحجج الوصاية، لما لها من ظروف خاصة تتعلق بأموال القاصرين وكفالاتهم.
وشدّد على أن المحكمة الشرعية تفرض قيودا صارمة على عمليات الصرف والإيداع أو تحصيل الأموال الخاصة بالأيتام القاصرين، خوفا من التعدي عليها، كونها الجهة الوحيدة المخوّلة بتحديد الأصلح للوصاية، وفق الأمانة والنزاهة والقدرة والإمكانية والمصلحة الشرعية.
يشير كاتب العرائض في المحكمة الشرعية بدير البلح حسام الشاعر إلى أن عامي العدوان على غزة شهدا ارتفاعًا غير مسبوق في عدد العرائض المقدمة للمحاكم، بسبب فقدان المعيل أو إبادة العائلات.
وقال الشاعر للجزيرة نت إن أكثر العرائض التي يتلقونها يوميا تتعلق بإثبات الوفاة، والحصول على حجج لاستخراج شهادة وفاة، وحجج حصر الإرث للمتوفى الموظف أو الذي يملك أموالا وعقارات، لتقديمها إلى جهات الاختصاص.
إضافة إلى حجج الوصايا والحضانة للأبناء القاصرين، وإثبات الزواج والطلاق، وقضايا التخارج والهبات المتعلقة ببيع أو منح الحصص الإرثية مقابل التنازل عنها، والتي تزداد مع محاولة الأسر ترتيب أوضاعها القانونية بعد فقدان أفرادها.
وأشار إلى أن ضغط العمل تضاعف بشكلٍ كبير مع قلة الموظفين وتضرر مباني المحاكم، مما جعل كتّاب العرائض يعملون ساعات طويلة لتلبية احتياجات المواطنين، مؤكدًا أن "المنظومة القضائية في غزة تقف اليوم في خط الدفاع عن حقوق الناس وكرامتهم القانونية رغم ما يحيط بها من دمار ونقص".
وأكد الشاعر أن أكثر ما يؤلمه في عمله هو كتابة عرائض نيابة عن أمهات فقدن أزواجهن أو أبناءهن في الحرب، إذ يحمل كل طلب حكاية فقد جديدة، ومعاناة أسرة تحاول أن تستعيد جزءا من حياتها القانونية المبعثرة.
من جهتها، تقول المحامية شمسة منصور، المختصة في القضايا الشرعية والنظامية، إن الحرب على غزة مزّقت النسيج الاجتماعي وأربكت منظومة العلاقات الأسرية والقانونية التي تقوم عليها العدالة المجتمعية.
وقالت للجزيرة نت إن "هذا الواقع أفرز مشكلات عميقة تمسّ الثقة داخل الأسرة الواحدة، إذ باتت قضايا الميراث والحضانة والوصايا تثير توتراتٍ داخل العائلات التي كانت متماسكة قبل الحرب".
وأكدت أن معظم القضايا كانت متوقفة خلال الحرب بسبب عدم وجود نيابة عامة وقوة شرطية لتنفيذ القرارات الصادرة عن المحاكم، باستثناء بعض القضايا كحالات الطلاق المتوافق عليها مسبقا.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة