بعد الجدل الذي أثارته الحلقة الثانية من برنامجها "أوه لا لا" على قناة "أل تي في" السورية، أعلنت الممثلة شكران مرتجى إغلاق حسابيها على "فيسبوك" و"إكس" بعد موجة انتقادات طالتها وضيفها المخرج سيف الدين سبيعي.
واندلع الجدل إثر فقرة تناول فيها الطرفان الأوضاع السياسية في سوريا، واعتبرها منتقدون "تمجيداً للنظام الأسدي".
تأتي الخطوة وسط تساؤلات متزايدة حول هامش الحرية في الإعلام السوري، ودور القنوات الخاصة في اختبار حدوده.
خلال الحلقة الثانية التي بثت مساء الجمعة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2025، قال المخرج والممثل سيف الدين سبيعي: "تغيير الأشخاص في المناصب لا يعني سقوط النظام أو تحوّله، نحن نغيّر الأشخاص لكن النهج واحد". وأضاف: "ما نعيشه اليوم فرصة نادرة للتعبير عن الرأي، ويجب أن نستغلها قبل أن تغلق ثانية"، محذراً من أن "اختزال المجتمع السوري بلون واحد خطر على تماسك الوطن"، وشبّه السياسة الحالية بسياسات "حزب البعث" الذي حكم سوريا لعقود في ظلّ عائلة الأسد.
كما وجّه سبيعي انتقادات إلى نقابة الفنانين السوريين، معتبراً أن قراراتها "مزاجية وغير شفافة" في ما يتعلق بفصل الأعضاء والسماح لهم بالعمل، في إشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها النقابة بحق عدد من الفنانين المعروفين بدعمهم للرئيس السابق بشار الأسد، مثل سلاف فواخرجي وزوجها وائل رمضان.
شكران مرتجى لم تدلِ بموقف واضح من تصريحات سبيعي، إلا أن أسئلتها وصفت بأنها مستفزة، من بينها سؤالها "هل أثمرت الثورة؟" و"هل ما يجري اليوم هو ما أراده الثوار؟"، وهي أسئلة اعتبرها منتقدون تحمل نبرة نقدية غير مباشرة. كما أثارت الجدل حين قارنت بين الحياة السياسية في لبنان، التي وصفتها بأنها "متنوعة"، وبين ما سمّته "ثقافة اللون الواحد" في سوريا.
كما وجّهت مرتجى وسبيعي انتقادات لطريقة التعامل مع الفنانين الذين كانوا معارضين للأسد قبل سقوطه، واعتبرا أن الاحتفاء بعودتهم بعد سقوط النظام كان مبالغاً فيه، وأن الأجدر بحسب تعبير سبيعي أن يكون الاحتفاء برجال السياسة لا بالفنانين.
وفي موازاة الجدل، كتب الصحافي عمر الحريري عبر منصة "إكس" تعليقاً قال فيه: "حديث شكران مرتجى وسيف الدين السبيعي يقع في خانة تمجيد الأسدية، والتأخير في تطبيق العدالة على كل من يمجدها هو ما جعل شبيحة الأسد يعلو صوتهم واحداً تلو الآخر".
بينما رأى مغرد آخر، وسيم، أن اللقاء كان "ممتعاً ومتوازناً بين الفن والسياسة"، مشيداً بأداء سبيعي وملاحظاته على نقابة الفنانين، واعتبر أن "البرنامج بدأ يتحسن ويتطور تدريجياً".
منذ انتهاء الحلقة، تصدّر اسم شكران مرتجى قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً في سوريا ولبنان. انقسمت التعليقات بين معارضين اتهموا البرنامج بأنه "محاولة لتلميع الوجوه المحسوبة على النظام البائد"، ومؤيدين رأوا أن سبيعي تجاوز الخطوط الحمراء وانتقد الدولة بشكل غير مباشر. ووجدت مرتجى نفسها وسط نيران الطرفين.
ردت شكران في البداية بتعليقات مقتضبة مثل "احترامي للجميع"، لكنها سرعان ما نشرت سلسلة منشورات على فيسبوك قبل أن تغلق حساباتها نهائياً. كتبت تقول: "ظنّ الكثيرون بي ظنّ السوء بعد مشاهدة حلقة من برنامجي الجديد. أقسم بأنه لا أنا ولا المحطة ولا الضيوف غايتنا الفتنة أو السوء". وأضافت: "نبتعد ليس لأننا جبناء، بل لأن الشتيمة أحياناً تأتي من ناس المفروض بيعرفونا". وفي منشورها الأخير ودّعت جمهورها بقولها: "وداعاً مؤقتاً للسوشيال ميديا... يمكن نرجع وقت نقدر نحكي بمحبة متل قبل".
في المقابل، اشتدت الحملة ضدها على إكس وذهب البعض حد المطالبة بسحب الجنسية السورية منها، علماً أن مرتج من أصل فلسطيني. وكتب كمال: "شكران مرتجى حصلت على الجنسية السورية عام 2012 بقرار من وزارة الداخلية، لكنها كانت ومازالت تعادي الشعب السوري"، واتهمها بأنها "لا تحترم دماء السوريين".
في المقابل دافع سام عن شكران معتبراً إياها "سورية غصب عن الكل وأكثر منهم" وأضاف:" هل تحسست مشاعرهم لأنك تحدثت عن اللون الواحد ووزراء دولة الأمر الواقع المنزلين؟"
بينما غرّد شاكر قائلاً: "مجموعة من المحامين السوريين يتوجهون لتقديم طلب رسمي لوزارة الداخلية بسحب الجنسية السورية من الممثلة شكران مرتجى! الله يسمعنا الأخبار الطيبة".
البعض وجه رسالة حب لشكران مثل يزن الذي كتب على "إكس" قائلاً: "حب كبير للممثلة شكران مرتجى ... الاختلاف بالأداء لا يعني أن نهاجم فنانة قدمت للدراما تاريخ وأسست فيها عمر".
أما شمس فقد أعادت نشر مقطع قديم لشكران وهي تبكي، وعلّقت قائلة: "يا ريت سمعنا صوتك وقت مجازر الساحل والسويداء. ما عاد فينا نتعاطف مع ولا فنان. كلكن ممثلين وكذابين بلا مبدأ وبلا كرامة".
أما سارة فكتبت: "معقول إذا الدولة ما اتخذت إجراءات بحق شكران مرتجى وسيف سبيعي وباقي الشبيحة، المحاميين الكبار ما يقدروا يرفعوا دعاوي ويوقفوا برامجهم؟ وزارة العدل ووزارة الداخلية مقصرين من وقت إذهبوا فأنتم الطلقاء!".
وانتقدت المغردة رنين محتوى البرنامج في حلقات سابقة: "في حلقة من (أوه لا لا)، جلست شكران مرتجى تصغي بصمت لماغي فرح وهي تتحدث عن انقلاب واغتيالات وتقسيم في سوريا دون أي رد أو اعتراض، ما فُسر على أنه موافقة ضمنية".
تعود ملكية قناة "أل تي في" السورية، بحسب تقارير إعلامية وحقوقية، إلى رجل الأعمال السوري سامر فوز الذي فرضت عليه في السابق عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتهم تتعلق بعلاقاته التجارية مع دوائر قريبة من السلطة السابقة في دمشق.
تأسست القناة عام 2020 كمحطة خاصة تقدم نفسها بوصفها منصة ترفيهية واجتماعية تعنى بالفن والثقافة، غير أن مراقبين يرون أنها كانت من بين المؤسسات الإعلامية التي حظيت بدعم غير مباشر من جهات رسمية خلال فترة حكم النظام السابق.
عقب التغييرات السياسية التي شهدتها البلاد، غيّرت القناة اسمها من "لنا" إلى "أل تي في"، وأعادت إطلاق هويتها البصرية وشبكة برامجها، من بينها برنامج "أوه لا لا" الذي تقدمه الممثلة شكران مرتجى.
وكتب الصحافي نور حلبي على منصة "إكس" أن القناة "تواصل العمل بأسلوب يعكس ارتباطات سابقة بالدوائر النافذة"، مطالباً الجهات المختصة "بمراجعة تراخيصها والتدقيق في ملكيتها"، على حدّ قوله.
في خضم هذا الجدل تبرز تساؤلات عن مستقبل برنامج شكران مرتجى الذي انطلق حديثاً وبثت منه حلقاته الأولى فقط، وكانت المحطة قد عرضت إعلاناً تشويقاً له يتضمن لقطات من حلقات وضيوف كثر، ولم تعرض جميع تلك الحلقات بعد.