آخر الأخبار

ما أسباب العنف الجامعي بالأردن؟ وما الإجراءات الرادعة؟

شارك





عمّان- تتحول بين الحين والآخر ساحات بعض الجامعات الأردنية من فضاء للعلم والمعرفة إلى ساحة للفوضى والعنف، تُرفع فيها العصي وتتعالى الهتافات.

وباتت ظاهرة "العنف الجامعي" تؤرق المجتمع الأردني، وتضع مؤسسات التعليم العالي أمام تحد حقيقي، بعدما تحول العنف في الجامعات الأردنية إلى مشهد متكرر يكشف خللا عميقا في منظومة الوعي والسلوك والانضباط الاجتماعي.

وفي واقعة جديدة، شهدت الجامعة الأردنية في العاصمة عمّان قبل أيام مشاجرة واسعة بين مجموعتين من الطلبة، أسفرت عن 7 إصابات نُقلت إلى المستشفى، في حين ألقت الأجهزة الأمنية القبض على 42 شخصا أثناء خروجهم من الحرم الجامعي، وفق بيان لمديرية الأمن العام.

وبدأت مشاجرة الجامعة الأردنية بتلاسن بين طالبين، قبل أن تتسع لتشمل أصدقاءهم ومنتمين لعشائر مختلفة، ليتحول الحرم الجامعي إلى ساحة مواجهة، امتدت شظاياها إلى محيط الجامعة ومحال تجارية مجاورة.

وفي خطوة رادعة، قررت النيابة العامة في الأردن توجيه تهم جنائية من الوزن الثقيل للمتورطين في المشاجرة الجماعية التي شهدتها الجامعة الأردنية، وأسندت النيابة 4 تهم إلى 51 طالبا، و4 أحداث.

وتضمنت لائحة الاتهام أعمال العنف والشغب، والتجمهر غير المشروع، والإيذاء، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، ويصل الحد الأقصى لعقوبتها وفق القانون إلى السجن 3 سنوات.

حادثة الجامعة الأردنية ليست استثناء، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من المشاجرات التي تشهدها الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة منذ سنوات، حتى باتت -كما يصفها مراقبون- "ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد صورة التعليم العالي في المملكة".

مصدر الصورة طلبة في الجامعة الأردنية يؤكدون أن العقوبات الجامعية غير رادعة وأن تطبيقها غالبا ما يكون انتقائيا (مواقع التواصل)

ظاهرة مقلقة

ويقول طلبة استطلعت الجزيرة نت آراءهم إن العقوبات الجامعية "غير رادعة"، وإن تطبيقها غالبا ما يكون انتقائيا أو خاضعا لضغوط عشائرية، مما يشجع على تكرار السلوك العنيف.

إعلان

في المقابل، يؤكد أشرف أبو كركي نائب رئيس الجامعة الأردنية لشؤون الكليات العلمية أن الجامعة تتعامل مع مثل هذه الحوادث بصرامة، وأن نظام تأديب الطلبة يُطبق وفق المخالفات، وقد تصل العقوبات إلى الفصل النهائي من الجامعة، ويضيف في تصريحات إعلامية له أن الحرم الجامعي مزود بكاميرات مراقبة تغطي معظم المناطق، مما يسهل تحديد هوية المتورطين ومساءلتهم.

ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية، حسين الخزاعي، أن جذور العنف الجامعي تعود إلى "البيئة الاجتماعية التي تُغذي الانتماءات الضيقة على حساب الانتماء الوطني"، موضحا -في حديثه للجزيرة نت- أن بعض الأسر لا توجه أبناءها نحو قيم التسامح والحوار، بل تعزز العصبية والمباهاة بالقوة.

ودعا الخزاعي "إدارة الجامعات إلى توعية الطلبة بالأنظمة والسلوكيات المقبولة منذ اليوم الأول لقبولهم، وأن يتحمل الأساتذة دورهم التربوي إلى جانب الأكاديمي، عبر إدخال مفاهيم الحوار والتنوع في العملية التعليمية".

وأعرب الخزاعي عن أسفه لوجود مجموعات طلابية تُعرف بانتماءاتها المناطقية أو العشائرية، تُعيد إنتاج ثقافة "الشللية" داخل الجامعات، ويرى أن الحل لا يكون إلا بتغليظ العقوبات ومنع التدخلات الاجتماعية والنيابية في تطبيقها، إضافة إلى تعزيز ثقافة الانفتاح والتنوع بين الطلبة، خاصة أن الجامعات الأردنية تحتضن أكثر من 100 جنسية، وتدر دخلا بمئات الملايين من الدنانير سنويا، "ولا يجوز أن تشوه صورتها بمثل هذه السلوكيات".

مصدر الصورة الخزاعي دعا لضرورة إلزام أي طالب ينتقل بين الجامعات بشهادة حسن سيرة وسلوك (الجزيرة)

غياب الحلول الجذرية

ويقول الخزاعي إن "سمعة الجامعات رأس مال لا يقل أهمية عن البنية التحتية أو المناهج"، مشددا على ضرورة إلزام أي طالب ينتقل بين الجامعات بـ"شهادة حسن سلوك" لضمان عدم تكرار المخالفات.

بدوره، حذر منسق حملة "ذبحتونا" الحقوقية، فاخر دعاس، من استمرار الظاهرة إن بقيت الحلول سطحية وردود الفعل آنية، ويقول -للجزيرة نت- إن العنف الجامعي لم يعد مجرد "خلاف بين طلاب"، بل يعكس خللا في بنية التعليم والسياسات الرسمية تجاه الشباب.

ويضيف أن تقييد حرية العمل الطلابي وتهميش اتحادات الطلبة والأندية الجامعية أفرغ الحرم الجامعي من النشاط الثقافي والسياسي الذي يُسهم عادة في بناء الشخصية الواعية والمسؤولة، ويلفت بالقول "لقد تحولت انتخابات اتحادات الطلبة إلى منافسات عشائرية ومناطقية بدلا من أن تكون تنافسا برامجيا وفكريا، مما رسّخ الهويات الفرعية داخل الحرم الجامعي".

وبيّن دعاس أن الحل يبدأ من إصلاح نظام القبول الجامعي ليكون أكثر عدلا وتوازنا، بحيث لا يُكرس المناطقية أو الواسطة، إلى جانب تمكين الطلبة من التعبير والمشاركة بحرية في قضاياهم، "لأن تكميم الأصوات يؤدي إلى الانفجار في أول احتكاك".

ويتساءل مراقبون عن كيفية دخول العشرات من غير الطلبة إلى الحرم الجامعي أثناء المشاجرة، رغم وجود بوابات إلكترونية وأمن جامعي، مما يكشف -بحسبهم- ثغرات رقابية واضحة، كما أشاروا إلى أن بعض الإدارات الجامعية تتراجع أحيانا عن قرارات الفصل أو العقوبات بعد ضغوط نيابية أو اجتماعية، مما يقوض مبدأ العدالة والردع.

إعلان

ويرى مختصون أن معالجة الظاهرة تتطلب خطة وطنية شاملة تشترك فيها وزارة التعليم العالي ووزارتي الداخلية والتربية، والمؤسسات الإعلامية والدينية، لترسيخ ثقافة التسامح وقبول الآخر، إلى جانب إدماج برامج إرشاد وتوجيه نفسي داخل الجامعات.

مصدر الصورة دعاس يرى أن الحل يبدأ من إصلاح نظام القبول الجامعي ليكون أكثر عدلا وتوازنا بحيث لا يكرس المناطقية أو الواسطة (الجزيرة)

سمعة التعليم

من جانبها، قالت رنا المحتسب، طالبة في الجامعة الأردنية، إن "العنف الجامعي أصبح مشكلة تؤثر علينا جميعا"، لتضيف -في حديثها للجزيرة نت- أن كثيرا من الأحيان نسمع عن مشاجرات بين طلاب بسبب خلافات شخصية أو انتماءات عشائرية، وهذا يجعل الحرم الجامعي مكانا غير آمن للدراسة والتركيز.

ورأت المحتسب أن العقوبات غالبا ما تكون غير كافية، وأن تدخل بعض الأطراف الخارجية أحيانا يقلل من جدية تطبيقها، معربة عن اعتقادها بضرورة أن يكون هناك برامج توعية، وأن تتعاون إدارة الجامعة مع الطلاب لتعزيز ثقافة الحوار والانفتاح، لأن العنف لا يضر فقط بالمشاغبين، بل يضر بكل طالب يحلم بمكان آمن للتعلم والنمو.

وتحذر أوساط أكاديمية من أن استمرار هذه الحوادث يهدد سمعة الجامعات الأردنية التي تُعد وجهة رئيسية للطلبة العرب والأجانب، خاصة أن مشاهد العنف تُتناقل سريعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتُظهر الجامعات كأنها ساحة صراع لا بيئة علم ومعرفة.

واتفق المختصون على أن أسباب العنف الجامعي تتركز في 3 محاور رئيسية، من أبرزها:


* الفراغ الطلابي الناتج عن نقص النشاطات الثقافية والرياضية.
* وجود فجوة في العلاقة بين الأساتذة وطلابهم.
* تفاقم الخلافات بين التجمعات الحزبية والعشائرية بشكل خاص خلال فترات الانتخابات الطلابية، مما يؤدي إلى تصاعد حدة النزاعات داخل الحرم الجامعي.

ويرى محللون أن ما يحدث في الجامعات ليس معزولا عن المناخ الاجتماعي العام في البلاد، بل هو انعكاس لثقافة العنف المنتشرة في بعض الأوساط المجتمعية، من الخطاب الإعلامي والسياسي إلى الحياة اليومية، فكما أن الجامعة مرآة للمجتمع، فإن المجتمع أيضا يغذي ما يجري داخلها.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا