أعلنت وحدة النخبة في جيش مدغشقر "سيطرتها على السلطة في البلاد"، بعد أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وجاء ذلك بعد تصويت البرلمان على عزل الرئيس أندري راجولينا، بتهمة "التقصير في أداء الواجب"، في خطوة تهزّ المشهد السياسي في الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، وتعيد إلى الأذهان انقلاب عام 2009 الذي صعد به راجولينا نفسه إلى الحكم.
وقال الكولونيل مايكل راندريانيرينا، قائد وحدة النخبة المعروفة باسم "كابسَات" (CAPSAT)، في بيان أُذيع عبر الإذاعة الوطنية: "لقد تولّينا السلطة".
وأوضح راندريانيرينا أن الوحدة ستشكّل لجنة تضمّ ضباطاً من الجيش والدرك والشرطة الوطنية لتولي مهام الرئاسة مؤقتاً، على أن تُنشأ "حكومة مدنية" خلال الأيام المقبلة.
وأضاف: "قد تضم اللجنة في وقت لاحق مستشارين مدنيين كباراً، وهي التي ستتولى مهام الرئاسة إلى حين تشكيل حكومة انتقالية تتولى إدارة البلاد بصورة مسؤولة وتجنّبها الفوضى".
تاريخياً، لعبت وحدة "كابسَات" دوراً محورياً في انقلاب عام 2009 الذي أطاح بالرئيس الأسبق مارك رافالومانانا، وجاء براجولينا، وكان حينها رئيس بلدية العاصمة أنتاناناريفو، إلى سدة الحكم بدعم من الجيش.
واليوم، وبعد 15 عاماً، تعود الوحدة نفسها إلى واجهة الأحداث، وهذه المرة ضد الرجل ذاته الذي كانت قد دعمته يوماً.
وجاء إعلان السيطرة العسكرية بعد دقائق فقط من تصويت الجمعية الوطنية على عزل راجولينا بأغلبية ساحقة بلغت 130 صوتاً من أصل 163 عضواً، وهو عدد يتجاوز النسبة الدستورية المطلوبة لعزله.
وأرجع النواب قرارهم إلى ما وصفوه بـ"تقصير الرئيس في أداء واجباته" و"غيابه المتكرر عن البلاد"، في حين قالت الرئاسة إن الجلسة "خالفت الدستور وخالية من أي أساس قانوني".
وقبل التصويت بساعات، حاول راجولينا إحباط المساعي البرلمانية بإصدار مرسوم يقضي بحل الجمعية الوطنية، لكن النواب مضوا في جلستهم، معتبرين أن مرسومه "باطل وغير نافذ".
واحتفى أعضاء المعارضة بالتصويت وسط هتافات داخل القاعة، في مشهد نادر في السياسة المدغشقرية.
وبحسب الدستور، يتعين على المحكمة الدستورية العليا أن تصادق على قرار العزل قبل أن يصبح نافذاً، إلا أن التطورات المتسارعة على الأرض، وتدخل الجيش في المشهد، يجعل مصير الإجراءات القانونية غير واضح.
في الأثناء، يلف الغموض مكان الرئيس المعزول. فقد قال راجولينا، البالغ من العمر 51 عاماً، في بث مباشر على فيسبوك مساء الاثنين، إنه "يختبئ في مكان آمن" بعد زعمه أنه تعرض لـ"محاولة اغتيال" من قبل "مجموعة من العسكريين والسياسيين". وأكد أنه سيواصل "الدفاع عن الشرعية الدستورية" وأنه يعتبر إجراءات عزله "باطلة من الأساس".
ويأتي هذا التصعيد بعد ثلاثة أسابيع من احتجاجات شعبية واسعة بدأت في العاصمة أنتاناناريفو في 25 سبتمبر/أيلول 2025، إثر موجة استياء من الانقطاعات المتكررة للمياه والكهرباء، وارتفاع تكاليف المعيشة، وانتشار البطالة والفساد.
ومع اتساع رقعة المظاهرات، انضم موظفون حكوميون ونقابيون وطلبة إلى الشوارع، مطالبين برحيل الرئيس وحكومته.
ومع نهاية الأسبوع الماضي، خرج الوضع عن السيطرة، حين غادرت وحدات من الجيش ثكناتها وانضمت إلى المتظاهرين، وعلى رأسها الوحدة العسكرية الخاصة "كابسَات"، التي أعلنت انحيازها للشعب ودعت إلى "انتقال سلمي وشامل". وأثار ذلك الانشقاق العسكري أكبر تحدٍ لراجولينا منذ توليه الحكم عام 2018.
يُعتبر أندري راجولينا من أبرز الشخصيات السياسية في مدغشقر خلال العقدين الماضيين.
ووُلد راجولينا عام 1974، وبدأ حياته المهنية منسقاً موسيقياً (دي جي)، قبل أن يؤسس عدداً من الشركات الإعلامية والإعلانية، ثم انتُخب رئيساً لبلدية أنتاناناريفو عام 2007.
وبعد عامين فقط، أطاح بالرئيس مارك رافالومانانا في انقلاب مدعوم من الجيش، ليصبح في الـ 34 من عمره أصغر زعيم في القارة الإفريقية آنذاك.
لكن شعبيته تراجعت سريعاً وسط اتهامات بالفساد والمحسوبية، وبقي في السلطة حتى 2014، قبل أن يعود بعد فوزه في انتخابات 2018، ثم يُعاد انتخابه في عام 2023 في انتخابات مثيرة للجدل قاطعتها المعارضة.
ويرى مراقبون أن جذور الأزمة الحالية تمتد إلى احتقان سياسي مزمن وتراجع الثقة في المؤسسات، فضلاً عن التدهور الاقتصادي الحاد الذي فاقم الغضب الشعبي.
وأعرب الاتحاد الإفريقي عن "قلقه العميق" إزاء التطورات الأخيرة، ودعا القوات المسلحة إلى "الامتناع عن التدخل في الشؤون السياسية"، مؤكداً رفضه "أي محاولة لتغيير السلطة بطرق غير دستورية".
أما في باريس، فقد وصف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ما يجري في مدغشقر بأنه "مقلق للغاية"، ورفض التعليق على تقارير إعلامية أفادت بأن الجيش الفرنسي نقل راجولينا بطائرة عسكرية إلى خارج البلاد، وهي معلومات لم تؤكدها أي جهة رسمية.
وفي الوقت نفسه، أعلنت الخطوط الجوية الفرنسية تمديد تعليق رحلاتها إلى مدغشقر حتى نهاية الأسبوع "بسبب تدهور الأوضاع الأمنية"، فيما تعهّد قادة الجيش بالحفاظ على النظام العام ومنع أي أعمال عنف أو انتقام سياسي.
وقال أحد كبار الضباط للصحافة المحلية: "القوات المسلحة تعمل بشكل موحّد لضمان أمن المواطنين، ولن نسمح بانزلاق البلاد إلى الفوضى."
ومع غياب الرئيس وتدخّل المؤسسة العسكرية، تبدو مدغشقر أمام مفترق طرق جديد في تاريخها السياسي.
فبينما يرحب المحتجون بما يعتبرونه "نهاية حقبة راجولينا"، يخشى آخرون أن يؤدي هذا التحوّل المفاجئ إلى فراغ سياسي قد يُغرق البلاد في دوامة جديدة من الانقلابات والانقسامات.
ويرى محللون أن تشكيل لجنة عسكرية مؤقتة – كما أعلن العقيد راندريانيرينا – لن يكون كافياً ما لم يترافق مع خطة واضحة للانتقال المدني وجدول زمني لإجراء انتخابات جديدة.