في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لطالما شكّل حل الدولتين حجر الزاوية لأي حديث عن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه اليوم يواجه تحديات متزايدة تجعل تحقيقه بعيدًا عن الواقع.
على الرغم من أن هذا الحل ظل شعارًا سياسيًا منذ عقود، فإن الحروب المتكررة على غزة، و التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والانقسامات الداخلية الفلسطينية، جميعها عوامل أعادت صياغة النظرة تجاه هذا الحل، مما دفع الخبراء والمحللين إلى إعادة تقييم فرص السلام في المنطقة في ظل التحولات الجيوسياسية الأخيرة.
المشهد الإقليمي بعد 7 أكتوبر.. تحولات استراتيجية
شهدت المنطقة بعد 7 أكتوبر سلسلة من التحولات الكبيرة، بدءًا من سقوط النظام السوري السابق، مرورًا بخروج حزب الله من معادلة الصراع الإقليمي، وصولاً إلى الهجوم الإسرائيلي على إيران وتدمير أجزاء من برنامجها النووي.
وقد اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذه الخطوة مهمة للوصول إلى اتفاق حول غزة، مما أعاد طرح السؤال بشأن إمكانية إعادة صياغة مسار السلام التقليدي وربما إدماج إيران كطرف مؤثر في أمن المنطقة وشريك محتمل في اتفاق شامل.
تتضح أهمية هذه التحولات أيضًا في سياق اهتمام الدول الكبرى والمنظمات الدولية بملف فلسطين، لكن النجاح في أي مسار سلام مستقبلي يعتمد على عوامل عدة، أبرزها إعادة بناء الوسط السياسي الفلسطيني، واستقرار القيادة الإسرائيلية، ودور العرب والمسلمين في الضغط السياسي والاقتصادي.
إعادة ترتيب الأولويات العربية
أوضح نديم قطيش، مدير عام قناة سكاي نيوز عربية، أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية تراجع في العالم العربي، إذ أصبح المواطن العربي يركز على قضاياه الوطنية الداخلية، مثل التعليم، والصحة، والتكنولوجيا، والاقتصاد.
وأكد قطيش خلال حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" أن هذا التحول يحتم على الفلسطينيين إعادة تمسكهم بقضيتهم بصفتهم فلسطينيين أولًا، بعيدًا عن الشعارات الرمزية أو المقاومة المسلحة غير الفاعلة.
وأشار إلى أن هذه الفترة تشكل "لحظة مواتية لإعادة بناء الوسط السياسي في المنطقة"، سواء في الولايات المتحدة أو العالم العربي أو إسرائيل، بما يتيح إحياء مسار السلام عبر قنوات عملية. وأضاف قطيش أن المبادرة العربية الأخيرة حققت إنجازًا استراتيجيًا مهمًا، إذ "حررت القضية الفلسطينية من الأجندة المتقدمة للعالم"، ووضعها على الطاولة وفق معادلات واقعية، بعيدًا عن شعارات الفصل العنصري أو الدعوات للمحاكمات الدولية. وشدد على أن الدولة الفلسطينية المقبلة يجب أن تؤمن حدود إسرائيل وتخفف الأزمات الإقليمية، وهو ما يضع السلام ضمن إطار واقعي قابل للتطبيق.
قوة الدبلوماسية العربية
من جانبه، رأى عماد الدين أديب، المحلل السياسي في سكاي نيوز عربية، أن الأحداث الأخيرة أبرزت أهمية الدبلوماسية العربية الفعّالة، مستشهدًا بتدخل مجموعة الدول الثماني مع الرئيس ترامب، ولقاءات قادة الإمارات والسعودية وقطر وتركيا، ورئاسة السعودية وفرنسا للمؤتمر في نيويورك.
وأشار أديب إلى أن العمل الدبلوماسي العربي أصبح أداة حقيقية للضغط السياسي، بعيدًا عن استخدام القوة العسكرية.
وأكد أديب أن "من الممكن أن تضغط بغير البندقية"، مشددًا على أن زمن استخدام القوة المسلحة لحل القضايا أصبح محدودًا، خاصة في مواجهة تحديات العصر الحديث والمجتمع الدولي.
وأضاف أن إمكانات الدبلوماسية العربية اليوم تشمل أدوات فعالة مثل رفض التهجير في مصر، ووقف التطبيع غير المشروط في السعودية، والاعتراض القطري على الأعمال العسكرية الإسرائيلية، ومتابعة تركيا وإندونيسيا وماليزيا للقضية، وهو ما يعكس قدرة الدول العربية على حماية مصالح الفلسطينيين دون اللجوء إلى التصعيد العسكري.
القيادة الإسرائيلية والشريك الفلسطيني
أوضح موفق حرب، محلل الشؤون الأميركية في سكاي نيوز عربية، أن نجاح أي مسار سلام يعتمد بالدرجة الأولى على القيادة الإسرائيلية التي تؤمن بالعملية السلمية، مشيرًا إلى تجربة إسحاق رابين مع اتفاق أوسلو بعد الانتفاضة الفلسطينية.
وأشار حرب إلى أن الطريق إلى السلام يحتاج إلى رئيس وزراء إسرائيلي مستعد للتفاوض بجدية، مع وجود شريك فلسطيني قادر على تحريك العملية السياسية.
وقال حرب: "عملية السلام في الشرق الأوسط تشبه سيارة أمريكية، من يقودها هو رئيس وزراء إسرائيل"، مؤكدًا أن أي اتفاق يحتاج إلى وجود أوراق ضغط حقيقية تمكن الطرفين من الوصول إلى حلول عملية، بعيدًا عن التصورات النظرية أو البنود التنظيمية غير الواقعية. وأوضح أن وقف الحروب وتبادل الأسرى يشكل الخطوة الأولى، بينما تظل بقية البنود المتعلقة بالقضايا النهائية تنظيرية حتى تتوفر الظروف السياسية المناسبة.
التجربة التاريخية وأشباه الدول
أكد نضال كناعنة، محرر الشؤون الإسرائيلية في سكاي نيوز عربية، أن الحروب الأخيرة أظهرت فشل التنظيمات شبه الدولة في مواجهة إسرائيل، بما في ذلك غزة وحزب الله واليمن. وأوضح أن المسار الوحيد لتحقيق استقرار حقيقي في المنطقة هو تعزيز مشروع الدولة والنظم القادرة على الإدارة والمسؤولية.
واستشهد كناعنة بتجارب تاريخية مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وثورة محمد علي في مصر، مؤكدًا أن التغيير المنهجي عبر الحكومة والإدارة يمكن أن يحدث أيضًا في غزة وإيران. وأضاف أن إسرائيل تعاملت مع "أشباه الدول" في مرحلة الدولة الضعيفة، وأن تدمير البنية التنظيمية لهذه الكيانات يمهد الطريق أمام بناء الدولة الحقيقية، بما يعزز قدرة الفلسطينيين والعرب على إعادة ترتيب المشهد السياسي وتحقيق الأمن والاستقرار.
الفرص السياسية والضغوط الإقليمية
يرى الدكتور نبيل عمر، الوزير السابق والقيادي في حركة فتح، أن هناك فرصًا حقيقية للعمل السياسي رغم الخشية من تجدد الحروب. وأوضح أن تدخل العرب والمسلمين بشكل واقعي، سواء عبر الضغط على إسرائيل أو جمع اعترافات متعددة بالدولة الفلسطينية، يعزز أوراق الفلسطينيين ويجعل حل الدولتين خيارًا مستدامًا.
وأشار عمر إلى أن الضم الإسرائيلي لم يعد مؤثرًا، بينما فكرة الدولة الواحدة تظل عمليًا مستحيلة، إذ أن إسرائيل لن تقبل مشاركة الفلسطينيين في إدارة تل أبيب. وأكد أن التحولات الإقليمية الحالية تعكس فرصة تاريخية لإعادة ترتيب المشهد السياسي الفلسطيني والعربي، بما يمكن الفلسطينيين من انتزاع حقوقهم على أساس عملي وواقعي، بعيدًا عن الشعارات السياسية.
رؤية مستقبلية
يبقى الأمل معقودًا على إعادة بناء الوسط السياسي في المنطقة، وتركيز الجهود على الحلول العملية بعيدًا عن الشعارات والرموز التاريخية.
وتشير التحليلات إلى أن المنطقة تتجه تدريجيًا نحو مشروع سلام واستقرار حقيقيين، يحقق الأمن والاستقرار الإقليميين، ويعيد القضية الفلسطينية إلى أولوية سياسية واقتصادية على الصعيد الدولي.
وبناء على ما سبق، يمكن القول إن حل الدولتين لا يزال الخيار الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق مقارنة بالبدائل الأخرى، لكن نجاحه يعتمد على تعاون متعدد الأطراف، واستراتيجيات سياسية مدروسة، وإرادة حقيقية من جميع الأطراف المعنية لضمان تنفيذ بنوده بشكل عملي وفعّال.