ليس موتُ العالِم كغيره من الفقد، بل هو، كما جاء في الأثر، "ثُلْمَةٌ في الإسلام لا يسدّها شيء".
هكذا وصف الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وفاة الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، الذي وافته المنية اليوم، 7 أكتوبر 2025، عن عمر ناهز 84 عامًا.
وفي صباح هذا اليوم، أعلنت الصفحة الرسمية للدكتور أحمد عمر هاشم على فيسبوك خبر وفاته. وستقام صلاة الجنازة عقب صلاة الظهر في الجامع الأزهر، ويُشيَّع جثمانه إلى مثواه الأخير في مدافن العائلة بالساحة الهاشمية بقرية بني عامر، حيث وُلد وبدأ رحلته مع القرآن الكريم.
يُعد الدكتور أحمد عمر هاشم أحد أبرز رموز الأزهر الشريف في العقود الأخيرة؛ إذ جمع بين العلم والدعوة والإدارة، وشغل مناصب رفيعة، أبرزها رئاسة جامعة الأزهر، وعضوية مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء. وقد عُرف بخطابه الديني الوسطي، وصوته الهادئ الذي جمع بين البلاغة والعلم.
نعاه كبار علماء الأمة، فكتب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أنه "كان عالمًا أزهريًا أصيلًا"، وقال وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري إنه "أفنى عمره في خدمة سنة النبي"، فيما وصفه مفتي مصر الدكتور نظير محمد عياد بأنه "كان راسخ القدم في علم الحديث سندًا ومتنًا".
في قريته الصغيرة "بني عامر" التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وُلد أحمد عمر هاشم في السادس من فبراير/شباط عام 1941، وينتمي إلى بيت يمتد نسبه إلى الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما.
كانت الساحة الهاشمية في قريته ملتقى العلماء والمصلحين، وهناك نشأ في بيئة أزهرية محبة للعلم والقرآن، فأتم حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في العاشرة من عمره.
التحق بالتعليم الأزهري وتخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1961، ثم حصل على درجة الماجستير في الحديث وعلومه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، والدكتوراه عام 1973 بالتقدير نفسه.
عرفه طلابه أستاذًا قريبًا منهم، يدخل قاعات المحاضرات بابتسامة دافئة، يُصغي لأسئلتهم مهما بدت بسيطة، ويُعيد الشرح حتى يطمئن إلى فهمهم.
تدرّج في المناصب العلمية داخل جامعة الأزهر حتى تولّى عمادة كلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987، ثم رئاسة جامعة الأزهر بين عامي 1995 و2003، كما شغل منصب أستاذ الحديث وعلومه.
اختير ضمن العلماء المؤسسين لهيئة كبار العلماء عند عودتها عام 2012، وواصل نشاطه في مجمع البحوث الإسلامية والهيئات العلمية والدعوية داخل مصر وخارجها. وكان آخر منصب تقلده عضوية هيئة كبار العلماء، إلى جانب عضويته في مجمع البحوث الإسلامية، ومشاركته في العديد من الهيئات العلمية والدعوية.
كان صوته في الإعلام معروفًا، سواء عبر برامجه الدينية في التلفزيون والإذاعة المصرية، أو من خلال مشاركاته في الندوات والحوارات.
في كل ظهور له، كان حريصًا على تقديم الإسلام بصورة راقية ومتصلة بالحياة، يرد على الفكر المتطرف بالحُجّة والابتسامة، ويُعيد الثقة في الخطاب الديني الأزهري المعتدل.
عرفه الناس خطيبًا مؤثرًا وشاعرًا على المنبر، جمع بين البيان والعاطفة. وكان صوته حاضرًا في البرامج والندوات، ينشر فكر الإسلام الوسطي ويرد على التطرف بالحجة واللين.
وفي خُطَبه، كثيرًا ما ختم بأبيات من ديوانه "نسمات إيمانية"، الذي كتب فيه عن محبة النبي والرحمة التي وسعت كل شيء، فكان يجمع الناس حوله بالكلمة واللحن والإيمان.
انضم إلى مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وشارك في المجلس الأعلى للثقافة. كما كان له دور سياسي من خلال عضويته في مجلس الشعب المصري لعدة دورات.
وفي تلك القاعات، لم يكن يتحدث بلغة السياسة، بل بلغة العالِم الذي يرى في الدين أساسًا للبناء، لا وسيلة للفرقة. دافع عن وحدة الصف، ونبّه إلى خطورة الفكر المتشدد الذي يجر المجتمعات إلى الصدام.
شارك في مؤتمرات وندوات في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك في أوروبا وأمريكا، ممثلًا للأزهر، مؤكدًا أن الإسلام دين حضارة وحوار، لا صدام. وكان يردد دائمًا أن "الأزهر رسالة لا حدود لها".
ألّف أكثر من 120 كتابًا تناولت الحديث والسنة والسيرة النبوية، وأشرف على إعداد موسوعة حديثية معاصرة تُعد من أوائل الموسوعات التي رتبت الأحاديث النبوية موضوعيًا وفقهيًا، في جهد علمي استغرق سنوات.
حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1992، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. كما منحته نقابة الأشراف عام 2023 لقب "شيخ الشرف" تقديرًا لإسهاماته. وكرمته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم في العام نفسه باختياره الشخصية الإسلامية للدورة السادسة والعشرين.
بعد رحلة علمية ودعوية امتدت لأربعة وثمانين عامًا، رحل الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، بعدما ترك بصمة لا تُنسى في الفكر والدعوة والتعليم.
وظل حتى آخر أيامه صوتًا للوسطية والرحمة، مذكّرًا الناس بأن الدين عقل ورحمة، لا صدام ولا غِلظة.