في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
دمشق- تستعد سوريا لإجراء انتخابات مجلس الشعب، وهي من أبرز المنعطفات السياسية بعد انهيار نظام بشار الأسد ، وتهدف إلى إرساء أسس تعددية تمثيلية تعكس طموحات الشعب السوري ببناء دولة جديدة.
لكن التحديات اللوجستية والأمنية الضخمة التي تواجه البلاد، من نزوح لأعداد كبيرة من المواطنين، ودمار في البنية التحتية، وانعدام الاستقرار بمناطق واسعة، قد تعرقل هذا المسار أو تؤثر على قدرة الانتخابات على تحقيق أهدافها ببناء دولة جديدة بكل تمثيل وشفافية.
وأصدرت اللجنة العليا للانتخابات السورية تعميما إداريا يوضح مراحل اختيار اللجان الفرعية بين 23 و31 أغسطس/آب الماضي، وتوزيع المهام لضمان الشفافية والنزاهة، مع السماح للناخبين بتقديم طعون على النتائج لتعزيز الثقة في العملية.
وكشف المتحدث الإعلامي باسم اللجنة العليا للانتخابات، الدكتور نوار نجمة، في تصريح للجزيرة نت، عن التحديات الكبيرة التي تواجه تنظيم الانتخابات في ظل الوضع الراهن.
من أبرز هذه التحديات، تأجيل الانتخابات في محافظات السويداء و الرقة و الحسكة بسبب سيطرة فصائل مسلحة على هذه المناطق، مما يجعل إجراء اقتراع نزيه ومحايد أمرا مستحيلا حاليا، حسب المتحدث.
وأضاف أن ضمان اختيار عادل للمرشحين يواجه صعوبات كبيرة، مشددا على أن اللجنة ملتزمة باستبعاد أي شخص يثبت تورطّه بانتهاكات حقوق الإنسان أو دعم النظام السابق، وأكد أن الغالبية العظمى من السوريين كانوا معارضين لهذه الانتهاكات.
ونوَّه نجمة إلى الصورة السلبية التي يحملها اسم "مجلس الشعب" في أذهان السوريين بسبب ارتباطه بالنظام السابق، مقترحا تغيير الاسم في الدورة المقبلة ليتماشى مع تطلعات الشعب ويعكس مرحلة جديدة.
ولفت إلى أن التحديات الأمنية في المحافظات التي لن تشملها الانتخابات ستؤدي لترك مقاعدها شاغرة، مما يُعقد تشكيل مجلس الشعب ويؤثر على تمثيلية المناطق المختلفة.
من جهته، قال عضو اللجنة الفرعية عن محافظة حلب ، المحامي محمد حاج عبدو، للجزيرة نت، إن اللجنة اضطرت للاعتماد على إحصاءات عام 2011 (ما قبل الثورة) كمرجع أساسي لتوزيع الهيئات الناخبة (دورها انتخاب النواب)، رغم التغيرات الديمغرافية الكبيرة الناتجة عن النزوح والتهجير خلال سنوات الحرب.
وأوضح أن هذه الإحصاءات هي المرجع الوحيد المتاح حاليا، وتم استخدامها لتحقيق قدر من العدالة في تمثيل المناطق المختلفة، مضيفا أن اللجنة شكلت لجنة إنتاجية تضم ممثلين عن مكونات المجتمع المحلي، بما فيها النقابات والفعاليات العشائرية والطوائف الدينية، حيث عقدت لقاءات مكثفة للتوعية بآليات الترشح واختيار الهيئات الناخبة، بهدف تعزيز المشاركة وتوضيح العملية الانتخابية.
ووفق الخبير الحقوقي علي الحميدي، فإن وزارة الداخلية بدأت جهودا مكثفة عبر أمانة السجل المدني لاستخراج وثائق ثبوتية للنازحين، لتسهيل مشاركتهم في العملية الانتخابية.
وأوضح في حديث للجزيرة نت، أنه في حال فقدان البطاقة الشخصية، يمكن للناخبين الاستعاضة عنها ببيان قيد فردي يتضمن صورة شخصية وختم مختار المحلة أو مجلس البلدية، وهي خطوة تهدف لتذليل العقبات أمام النازحين.
ولن يتمكن السوريون في الخارج من المشاركة المباشرة في التصويت بهذه الانتخابات بسبب غياب صناديق اقتراع خارجية، لكن الحميدي تحدث عن تنسيق غير مباشر مع الهيئة الناخبة في الداخل لتمثيل مصالحهم.
كما أوضح أن الدولة اختارت مواقع اقتراع سهلة الوصول ومجهّزة بالطاقة البديلة لتجنُّب انقطاعات الكهرباء أو نقص الوقود، وهي خطوة تهدف إلى ضمان استمرارية العملية رغم التحديات اللوجستية.
من جهته، يرى عضو الهيئة الناخبة، ماجد عبد النور، أن الوضع الحالي في سوريا غير مناسب لإجراء انتخابات شاملة بفعل النزوح الواسع وتهجير ملايين السوريين، إضافة إلى عدم سيطرة الحكومة على كامل الأراضي السورية، مما يمنع الوصول للعديد من المناطق وإجراء اقتراع فعلي فيها.
وأضاف في حديث للجزيرة نت، أن التحديات الاقتصادية وغياب برامج توعية سياسية فعَّالة تستهدف الناخبين تجعل تنظيم انتخابات شاملة أمرا غير واقعي في الوقت الراهن أيضا. مبينا أن العملية الانتخابية تقتصر على هيئات ناخبة محدودة بمناطق سيطرة الحكومة، مما يقلل من الحاجة إلى خطط طوارئ واسعة النطاق، لكنه يحدّ أيضا من شمولية التمثيل.
في المقابل، أشار الخبير الحميدي إلى أن وزارة الداخلية أعدت خطة أمنية ولوجستية متكاملة لتأمين مراكز اللجان الفرعية وحماية نقل صناديق الاقتراع، مع وضع خطط بديلة لمواجهة أي اضطرابات أمنية قد تؤدي لتأجيل الانتخابات في بعض المحافظات.
وتعتمد العملية الانتخابية على هيئات ناخبة تتكون من 30 إلى 50 فردا لكل مقعد، مما يحد بشكل كبير من المشاركة الشعبية المباشرة ويعتمد على نظام انتخاب غير مباشر.
وأوضح المحامي حاج عبدو أن مقاعد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، كالسويداء والرقة والحسكة، ستظل مؤجلة حتى تتحسن الأوضاع الأمنية والسياسية، مع تطبيق نفس الآلية المستخدمة في باقي المحافظات عندما يصبح ذلك ممكنا. وأكد أن اللجنة الفرعية تعمل على ضمان تمثيل عادل من خلال التواصل المستمر مع شخصيات تُمثِّل شرائح مجتمعية متنوعة.
وأكد الحميدي أنه تم اختيار أعضاء اللجان الفرعية بعناية، بحيث تضم شخصيات أكاديمية واجتماعية ذات سمعة حسنة، وخاطبت المجتمع الدولي لتوفير مراقبة خارجية للعملية الانتخابية، مضيفا أن وكالات أممية ودولية متواجدة على الأرض لمتابعة سير العملية رغم التحديات الأمنية.
في حين شدد حاج عبدو على أن جميع مراحل الانتخابات ستخضع لإشراف قضائي دقيق وتغطية إعلامية واسعة لضمان الشفافية، معتبرا أن هذه التجربة، رغم قيودها، تمثل خطوة أولية واعدة في مسار بناء سوريا الجديدة، يمكن تطويرها في المستقبل.
من ناحيته، أثار الخبير القانوني راغب شحود، في تصريح للجزيرة نت، تساؤلات حول النظام الانتخابي المؤقت القائم على اختيار قسم من النواب عبر هيئات ناخبة وتخصيص نسبة من المقاعد بالتعيين الرئاسي، محذرا من أن هذا النظام قد يحد من تمثيل الفئات المهمشة والأقليات، خاصة في ظل الإقبال الكبير على الترشح الذي قد يُؤثر على الجدول الزمني للعملية.
ودعا إلى ضرورة تعزيز شفافية واستقلالية اللجنة العليا للانتخابات، وإجراء إصلاحات تضمن تمثيلا متوازنا يعكس التنوع الاجتماعي والثقافي في سوريا.
كما أشار شحود إلى التحديات اللوجستية والاقتصادية، مثل نزوح ملايين السوريين، وفقدان الوثائق الرسمية، وضعف البنية التحتية في المناطق النائية ومخيمات اللاجئين، مؤكدا أن إشراك السوريين في الخارج من خلال آليات تصويت فعالة وآمنة يعد ضرورة لضمان شمولية العملية.
واختتم قائلا إن نجاح الانتخابات يتطلب بناء ثقة المواطنين في العملية من خلال ضمان الحيادية والشفافية، لتكون خطوة فعالة من أجل تحقيق انتقال ديمقراطي مستدام.