الرباط- على سطح "دير ياسين"، تتحول السماء إلى قبة عزيمة، والبحر إلى ذاكرة الممرات التي سلكها الأحرار نحو الحقيقة، هنا على ألواح السفينة، تمتزج أصوات المشاركين بريح مشبعة بالأمل، كأنهم يكتبون بيانا بحبر الموج.
هكذا يكتب أيوب حبراوي الشاب المغربي المشارك في أسطول الصمود العالمي على صفحته، ليعبر عن شعوره وهو يتجه إلى غزة ضمن هذه المبادرة الدولية.
يقول أيوب للجزيرة نت "الأجواء داخل الأسطول جيدة جدا، ونحن موجودون في المياه اليونانية، وبالرغم من الهجمات بالقنابل الصوتية والدخانية، فالمعنويات عالية، والمشاركون مصرون على هدف كسر الحصار عن قطاع غزة وإيصال المساعدات".
ويتكون الأسطول من عشرات السفن في أكبر رحلة بحرية دعما لغزة، ويضم ناشطين من عشرات الجنسيات، وهو يسعى لتحقيق هدف إنساني عالمي يجمع التضامن والمثابرة في مواجهة التحديات الأمنية واللوجستية.
وفق تقارير الأمم المتحدة لسنة 2025، يعاني أكثر من 2 مليون شخص في القطاع من نقص الغذاء والدواء، مما يجعل الأسطول ليس مجرد رحلة بحرية، بل رسالة عالمية للتضامن والإنسانية، في حين يواصل الاحتلال الإسرائيلي "جرائمه المتنوعة" التي تزيد من عزلته الدولية.
وكل موجة على الأسطول تحمل رسالة أمل، لأن المهمة الأساسية هي كسر الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية، وهي مبادرة تحمل أبعادا رمزية وعملية على المستوى العالمي. ويكتب أيوب "في الليل حين يحاصرنا البحر من كل الجهات، أشعر أن السفينة نفسها تتحول إلى قلب نابض".
ويقول المحامي المغربي عبد الحق بنقادي ممثل اتحاد المحامين العرب لدى أسطول الصمود العالمي في تعليق للجزيرة نت "إن الأجواء على متن السفن استثنائية، فهناك تعب شديد ودوار وفقدان شهية، لكنها تمنحنا فرصة لتلمس جزء من معاناة أهل غزة، فيمتزج الألم بالأمل".
عبد الحق الذي يوجد على سفينة "قيصر"، يضيف أن البرنامج اليومي يشمل الحفاظ على النظافة والصحة، وأداء الصلوات، وممارسة التمارين التي ترسخ السلوك اللاعنفي في حالة الاعتراض والاعتقال من قبل "الكيان المحتل" والاستعداد لحالات الطوارئ والسلامة ومتابعة الأخبار، والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويؤكد أن العلاقات بين المشاركين من جنسيات مختلفة تتميز بالاحترام والتعاون، وهو ما يشكل قوة إضافية في نجاح المبادرة.
وحسب الأخبار الواردة من الأسطول، هناك تحديات لوجستية يومية ونفسية وجسدية، إضافة إلى مواجهة الطقس السيء، وإدارة الموارد المحدودة، مما يجعل كل خطوة على متن السفينة تجسيدا حقيقيا للتضامن مع أهل غزة. ويؤكد عبد الحق أن المبادرة الإنسانية تتجاوز حدود السفينة لتصل إلى كل ضمير عالمي يدافع عن العدالة والحق.
وتحتاج هذه المهمة الإنسانية النبيلة والكبيرة إلى تأطير قانوني دقيق، خصوصا عند مواجهة تهديدات عسكرية واتهامات باطلة. ويضمن فريق الإسناد القانوني للأسطول حماية المشاركين وفق اتفاقية جنيف الـ4، وقانون البحار الدولي، والحقوق الإنسانية.
ويعزز ذلك مصداقية المبادرة ويحولها من نشاط إنساني إلى جهد مؤسسي يحترم القانون الدولي، ويؤكد أن حماية الحقوق والالتزام بالقواعد هما أساس نجاح أي مهمة تضامنية في مناطق النزاع.
ويوضح المحامي بنقادي أن هذا الإسناد حيوي لضمان حقوق المشاركين، ويشمل التدريب على القواعد القانونية والتعريف بحقوقهم أثناء التوقيف والاعتقال، وإجراءات المحاضر والترحيل، مع توزيع لائحة بأسماء وصور المحامين المعتمدين من طرف الفريق القانوني بالأراضي الفلسطينية المحتلة حتى يتعرف عليهم جميع المشاركين والمشاركات والذين سيكونون "رهن إشارتهم".
ومن مهام الفريق القانوني -وفقا لبنقادي- توضيح التدابير والصعوبات التي يمكن أن تعترض المشاركين وهم في طريقهم إلى غزة، خاصة وأن مسار الإبحار يمر على موانئ حوالي 5 دول لها نظم وقوانين خاصة بها، وكذلك إشكالات الترحيل وتدابيرها.
بدوره، يقول المحامي التونسي عضو لجنة الإسناد القانوني لأسطول الصمود رافد رباح للجزيرة نت: إن اللجنة تعنى بمتابعة المشاركين والتنسيق مع منظمة عدالة لتتبع وضعهم القانوني، وإنهم قاموا أيضا بالتنسيق مع السفارات والقنصليات ووزارة الخارجية التونسية.
ويضيف "وفرنا التوكيلات لجميع المشاركين، وتنسيقنا مع السفارات والقنصليات ووزارة الخارجية مستمر لضمان محاكمة عادلة في حال الاعتقال". في حين أرسلت المحامية نجاة هدريش عن الفريق القانوني التونسي رسالة -حصلت الجزيرة نت على نسخة منها- إلى الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، دعت فيها إلى دعم الأسطول ونقد الادعاءات الإسرائيلية وتوحيد الجهود الحقوقية لحماية المشاركين.
في ظل التهديدات الأمنية، يصبح التحرك الدبلوماسي عنصرا أساسيا لضمان سلامة الأسطول واستمرارية مهمته الإنسانية. ويوفر التواصل مع المؤسسات الدولية والهيئات الحقوقية حماية سياسية وقانونية، ويؤكد الطابع السلمي للمبادرة.
ويشرح المحامي عبد الحق بنقادي "بالنسبة للجهود الدبلوماسية لحماية الأسطول، وبصفتي ممثل اتحاد المحامين العرب على متنه، وباعتبارها منظمة عربية ودولية تضم أزيد من مليون محامٍ وتهتم بالقضية الفلسطينية والترافع عنها، فقد كاتبنا رئيس اتحاد المحامين الدولي من أجل مراسلة جميع الجهات الدولية المختصة بهدف توفير الحماية للأسطول وضمان قيامه بمهمته الإنسانية النبيلة".
أما المشارك أيوب حبراوي فوجّه رسالة مفتوحة إلى الحكومة المغربية طالب فيها بالتدخل الفوري والتواصل الرسمي مع المغاربة المشاركين في الأسطول.
وتأتي هذه الجهود متزامنة مع متابعة اعتقالات سابقة وتدخلات دولية، وتنسيق مع منظمات حقوقية لضمان حماية المشاركين. وتؤكد بيانات منظمات حقوقية دولية الطابع السلمي للأسطول وشرعيته القانونية، مما يوازن بين البعد القانوني والإنساني والسياسي.
لا تعرف العدالة حدودا، والبحر مهما كان عميقا يمكن أن يكون جسرا حين يعبره الأحرار، كما يكتب أيوب "نحن لسنا ركابا فقط، نحن شهود على زمن، نحمل غزة في صدورنا، ونبحر نحوها ومعها مهما طال الليل واشتد الحصار".
ويضيف أن هذه الرحلة ليست مجرد عبور بحري، بل استمرارية لجهود عالمية تتصل بالقضية الفلسطينية وتؤكد حق الشعب الفلسطيني في الحرية والحياة الكريمة. وكل يوم يمر على الأسطول يمثل درسا في الصبر والعزيمة والتعاون بين الجنسيات يستحق الإسناد الشعبي والرسمي، ويؤكد أن التضامن الإنساني يمكن أن يتحول إلى فعل ملموس على الأرض، مهما طال الليل واشتد الحصار.