كشفت تسريبات صحفية وتقارير استخباراتية أن العملية التي استهدفت أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت، لم تكن مجرّد ضربة جوية اعتيادية، بل جاءت نتيجة تخطيط استخباراتي دقيق امتد لعدة أشهر.
ووفق ما أوردته التسريبات، فإن العملية عُرفت باسم "عملية النظام الجديد"، وشملت اختراقا بريا عالي الخطورة جرى تحت غطاء قصف جوي مكثّف، مهد الطريق أمام العملاء للوصول إلى محيط المخبأ المحصن وزرع أجهزة ميدانية متطورة مكّنت الطائرات الإسرائيلية من تنفيذ ضربات دقيقة وعالية التأثير.
اقتحام بري تحت نيران القصف
بحسب المعلومات المتداولة، تسلّلت وحدة ميدانية تابعة للموساد إلى منطقة "حارة حريك" في قلب الضاحية الجنوبية، محمّلة بأجهزة وتقنيات متطورة، أُخفيت داخل طرود مموّهة.
وتم تنفيذ الاختراق في توقيت تزامن مع قصف جوي شنّه الطيران الإسرائيلي، في خطوة اعتُبرت تهدف إلى تشتيت انتباه عناصر الحماية وإجبارهم على الانسحاب من محيط المخبأ.
مصادر مطلعة وصفت العملية بأنها "مجازفة أمنية من العيار الثقيل"، مشيرة إلى أن فرص نجاح العناصر في الانسحاب الآمن من المنطقة كانت لا تتجاوز 50 بالمئة، في ظل كثافة النيران ومخاطر الوقوع في قبضة حزب الله.
تقنيات اخترقت الأرض والمخابئ
وأظهرت الوثائق أن الأجهزة التي زُرعت قرب الموقع المستهدف طُوّرت بتعاون بين جهاز الموساد، وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية 8200، وسلاح الجو، إلى جانب شركات تقنية محلية.
وتميّزت هذه الأجهزة بقدرتها على اختراق البنية التحتية تحت الأرضية، وتوجيه القنابل الذكية بدقة عالية نحو أهداف محصنة داخل تضاريس صخرية معقّدة.
ووفق خبراء عسكريين، فإن هذه التقنية تُعد من أبرز التطورات في مجال حروب الظل والعمليات الموجّهة ضد الأهداف عالية القيمة.
مرحلة الحسم.. الضربة الجوية
في مساء 27 سبتمبر، وبعد تفعيل الأجهزة الميدانية، شنّت الطائرات الإسرائيلية سلسلة غارات دقيقة استهدفت الموقع السري، مستخدمة قنابل خارقة للتحصينات. وأسفرت الضربة، وفقا للرواية الإسرائيلية، عن مقتل نصر الله وعدد من القياديين البارزين في حزب الله، وتدمير مركز قيادة يُعتقد أنه كان يدار منه التنسيق العملياتي مع إيران.
مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وصفت العملية بأنها "نقطة تحول استراتيجية" في سياق المواجهة مع حزب الله، معتبرة أن ما جرى يفتح الباب أمام نمط جديد من العمليات المعتمدة على التكامل الاستخباراتي والتقني.
القرار السياسي والانقسام داخل إسرائيل
في المقابل، كشفت التسريبات عن انقسام حاد داخل القيادة الإسرائيلية قبيل تنفيذ العملية، حيث أبدت أطراف في الحكومة والجيش تخوّفها من تداعيات إقليمية قد تؤدي إلى اندلاع حرب مفتوحة مع إيران.
إلا أن قيادة الموساد، بحسب المعلومات، مارست ضغوطا كبيرة لتنفيذ العملية في توقيتها، مشيرة إلى أن "الفرصة ذهبية ولا يمكن تفويتها". وفي الساعات الأخيرة، تم اتخاذ القرار بالمضي قدما في الهجوم، وسط تحفظات من بعض كبار الضباط والسياسيين.
ردود الفعل والتداعيات الميدانية
ردّ حزب الله جاء سريعا، عبر هجمات صاروخية واستهدافا بطائرات مسيّرة لمواقع في شمال إسرائيل، ما أدى إلى تصعيد حاد على الجبهة الشمالية، تخللته اشتباكات محدودة وتحركات عسكرية مكثفة على جانبي الحدود.
كما تسبّبت الضربات في دمار واسع بمناطق مدنية في الضاحية، ما أثار موجة انتقادات داخلية وإقليمية، وتساؤلات حول شرعية هذه العمليات وتأثيرها على المدنيين.
بين النجاح الاستخباراتي والمخاطر الإقليمية
يرى مراقبون أن نجاح العملية عسكريا لا يعني بالضرورة تحقيق نصر سياسي أو استراتيجي دائم، إذ أن المنطقة تقف اليوم على حافة تصعيد واسع النطاق، قد يتجاوز حدود لبنان إلى جبهات إقليمية أخرى.
في المقابل، تُظهر العملية مدى قدرة الأجهزة الإسرائيلية على تنفيذ ضربات نوعية داخل بيئات حضرية معقدة ومعادية، لكنها أيضا تكشف حجم الهشاشة في التوازن الأمني، وإمكانية انفجار الوضع في أي لحظة نتيجة قرار خاطئ أو رد فعل غير محسوب.