آخر الأخبار

الفاشر: هل تحوّل القتال في المدينة إلى حرب وجود؟

شارك
مصدر الصورة

انخرط محمد عبد الله، الذي يعمل مهندساً معمارياً، في القتال الدائر حالياً في مدينة الفاشر بشمالي دارفور، إلى جانب القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش، ضد قوات الدعم السريع التي تواصل حصار المدينة في مسعى لبسط سيطرتها عليها.

وقال عبد الله لبي بي سي، التي تمكنت من التواصل معه عبر رسائل صوتية من خلال تطبيق "واتساب"، في ظل صعوبة الاتصالات بالهواتف المحمولة، إنه قرّر الانضمام للقتال للدفاع عن أرض جدوده وأهله على حد قوله.

وأوضح قائلاً: "أنا أصلاً ضد الحرب وضد العنف، وكنت أعمل في مجال البناء قبل الحرب، ولكن ما حدث بعد ذلك دعاني للانضمام إلى المقاتلين عن مدينتنا".

وتابع: "قتلت قوات الدعم السريع الكثير من الناس، وأجبرتهم على النزوح والهجرة، وتحاول أن تستولي على أرضنا، وبالتالي لن أظل مكتوف الأيدي. تدربت على حمل السلاح مع آخرين داخل أحد معسكرات التدريب لمدة خمسة أشهر، وخرجنا للقتال... وسنواصل القتال حتى نتمكن من تحقيق النصر واستعادة أراضينا كلها".

"معركة وجود"

مصدر الصورة

عندما اندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم في أبريل/نيسان 2023، وانتشرت في معظم أنحاء البلاد، ظلت مدينة الفاشر وشمالي دارفور بمنأى عن القتال، وذلك بفضل وساطة قام بها أعيان قبليون، تم بموجبها الاتفاق على بقاء كل المكونات العسكرية – وهي الجيش السوداني، والقوات المشتركة، وقوات الدعم السريع الموجودة في المدينة – في مواقعها، وعدم الدخول في مواجهات.

ينحدر معظم قادة ومقاتلي القوات المشتركة من القبائل ذات الأصول الإفريقية مثل الزغاوة، والفور، والمساليت، والبرتي، أما قوات الدعم السريع فينحدر قادتها ومعظم جنودها من القبائل ذات الأصول العربية في دارفور مثل الرزيقات، والتعايشة، والمسيرية.

ولكن بعد مرور نحو عام من الحرب، وتحديداً في 11 أبريل/نيسان 2024، لم تعد الأمور مثلما كانت.

فمع إعلان القوات المشتركة، المكوّنة من حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم – وهما من أكبر الفصائل المسلحة – الانضمام إلى الجيش، وترك موقف الحياد الذي كانت تتبناه الحركتان، بدأ إندلاع الحرب بشكل واضح في المدينة.

وبرر مناوي آنذاك تركهم الحياد بقوله إنه لا يمكن أن يتركوا أهلهم وهم يُقتلون، في إشارة إلى سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة نيالا في جنوبي دارفور، وما رافقها من انتهاكات كبيرة من قبل قوات الدعم السريع ضد إثنية المساليت، وثقتها تقارير الأمم المتحدة.

وفي هذا الصدد، يقول عبد الله: "كغيري قررت الانضمام إلى القوات المشتركة والدفاع عن النفس والعِرض ضد القوات الغازية... المعركة بالنسبة لنا معركة وجود وكرامة، وليست مجرد قتال من أجل فوز عسكري".

فعلياً، تنشط القوات المشتركة في العمليات العسكرية التي تشهدها مدينة الفاشر بشكل كبير وفعّال إلي جانب الجيش.

وقد فقدت هذه القوات الكثير من الضباط والعناصر خلال المعارك المستمرة، وليس آخرهم اللواء صديق موسى، والذي يُعتبر أحد مؤسسي حركة العدل والمساواة.

وتصف آسيا الخليفة، وهي متحدثة ومقاتلة في هذه القوات، القتال في مدينة الفاشر بـ"الواجب المقدس" ضد "الميليشيا الإرهابية"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وقالت: "صدّينا أكثر من 220 هجوماً شنّته قوات الدعم السريع على الفاشر منذ أكثر من عام، ومستعدون للقتال حتى آخر شخص في الفاشر".

وتوجد "الفرقة السادسة"، وهي المقر الرئيسي للجيش، في وسط المدينة، وتُعد الهدف الرئيسي لقوات الدعم السريع. وفي هذا السياق، تقول خليفة: "دفاعنا عن الفرقة السادسة لا يتجزأ عن دفاعنا عن المدينة؛ مقر الفرقة يُعتبر رمزاً، وسقوطها يعني سقوط الفاشر".

"موقع استراتيجي"

مصدر الصورة

تحتل مدينة الفاشر موقعاً استراتيجياً في شمالي دارفور؛ فهي تُعد الآن المدينة الكبيرة الوحيدة التي يمكن الوصول إليها من مدن شمالي السودان، مثل مدينة الدبة، إلى إقليم دارفور، نظراً لقربها الجغرافي من تلك المناطق، وبالتالي تُعد المدخل الوحيد لقوافل المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء بورتسودان – على ساحل البحر الأحمر – الذي يستقبل المساعدات الخارجية حالياً، ومن ثم يتم نقلها إلى بقية أنحاء الإقليم.

كما تحدّها من الغرب دولة تشاد، ومن الشمال دولة ليبيا، ما يجعلها في موقع استراتيجي عسكري مهم للجهة التي تسيطر عليها، خاصة في ظل وجود فصائل مسلحة وقوات سودانية داخل حدود الدولتين الجارتين، كما تشير تقارير إعلامية ومنظمات معنية بالأمن في المنطقة، مثل منظمة مجموعة الأزمات الدولية.

وتعيش في المدينة قبائل وأعراق متعددة من مختلف أنحاء السودان، إلا أن الغالبية تعود إلى الإثنيات التي تنحدر منها الفصائل المسلحة، مثل الزغاوة، والفور، والمساليت، ويقيم معظمهم في معسكرات النزوح المنتشرة في المدينة. أما القبائل من أصول عربية، فهي ليست كثيرة، وتعيش غالبيتها في ولاية جنوب دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع حالياً.

وتحتضن المدينة عدداً كبيراً من مخيمات النازحين - أشهرها مخيما أبو شوك وزمزم - التي أقيم بعضها منذ أكثر من عقدين، بعد الحرب الأهلية التي شهدها إقليم دارفور في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، بالإضافة إلى معسكرات نزوح جديدة أنشئت بعد الحرب الحالية، وتضم نازحين من ولايات دارفور الأخرى، ينتمون – إثنياً – إلى قبائل من أصول إفريقية.

"جائزة كبرى"

مصدر الصورة

وهاجمت قوات الدعم السريع مدينة الفاشر عشرات المرات بعد أن فرضت عليها حصاراً مطبقاً لأكثر من عام وشارك في المعارك قادة كبار، من بينهم نائب قائد قوات الدعم السريع، الفريق عبد الرحيم دقلو، الذي ظهر في مقاطع مصوّرة وهو يقود الهجوم.

ووثّق مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية بناء قوات الدعم السريع لجدار ترابي حول المدينة، يُعتقد أنه يهدف إلى إحكام الحصار المفروض عليها.

وأشار المختبر إلى أن هذا الحاجز يُعمّق من ظروف الحصار والتحكّم في من يمكنه الدخول والخروج من المدينة، التي يسكنها نحو 300 ألف شخص.

ومنذ اندلاع الصراع، وُجّهت اتهامات لمقاتلي قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها في دارفور، باستهداف أشخاص من المجموعات العرقية غير الإفريقية.

وظلّت قوات الدعم السريع تنفي هذه الاتهامات باستمرار.

أما بالنسبة لمقاتلي قوات الدعم السريع، فإنهم يرون في الفاشر "الجائزة الكبرى"، ليس فقط لموقعها الاستراتيجي، بل لأن القوات فقدت العديد من كبار الضباط والجنود خلال المحاولات المستمرة للسيطرة عليها.

ويقول ضابط رفيع في قوات الدعم السريع لبي بي سي: "الفاشر بالنسبة لنا هي المدينة الوحيدة المتبقية في إقليم دارفور تحت سيطرة الجيش، وإذا تمكّنا من السيطرة عليها، فإن كل الإقليم سيكون تحت سيطرتنا".

وقال - بعد أن اشترط حجب هويته لأنه غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام: "فقدنا الكثير من كبار القادة والجنود، الآلاف قضوا في سبيل السيطرة على الفاشر، الموضوع أصبح بمثابة تحد شخصي للجنود والمقاتلين، ولن نتراجع حتى نسيطر عليها بشكل كامل".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا