آخر الأخبار

من التصعيد للرسائل الإيجابية.. ما مستقبل العلاقة بين دمشق وطهران؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

ارتبطت إيران بعلاقات تاريخية مع سوريا منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد ، وبلغت هذه العلاقة ذروتها بعد عام 2011 عندما استعان ابنه الرئيس المخلوع بشار الأسد بالدعم الإيراني من أجل مواجهة الثورة الشعبية وما أفرزته من فصائل مسلحة.

ووجدت طهران في هذه التطورات فرصة لتوسيع نفوذها في المنطقة وتأمين طريقها إلى البحر المتوسط، واستكمال الربط بينها وبين سوريا ولبنان مروراً بالعراق.

ورغم الكلفة الباهظة التي دفعتها إيران لحماية النظام، شكل سقوط الأسد أواخر عام 2024، نقطة تحول في المشهد ووجدت طهران نفسها خارج المشهد السوري إلى حد كبير بعد علاقة امتدت 4 عقود، خاصة بعد أن تولت السلطة في البلاد حكومة انبثقت عن الفصائل العسكرية للثورة.

مصدر الصورة احتفظت إيران بعلاقة وطيدة مع سوريا في عهد الأسد الأب والابن (رويترز)

ازدواجية التعاطي الإيراني

تعاطت إيران بشكل مزدوج مع الإدارة السورية الجديدة، حيث سارعت للتواصل معها منذ أن كانت تعمل تحت مسمى " إدارة العمليات العسكرية ".

وقد كشف عضو هيئة رئاسة لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس النواب الإيراني يعقوب رضا زادة في ديسمبر/كانون الأول 2024، عن أن طهران نقلت رسائل غير مباشرة إلى "إدارة العمليات العسكرية" ناشدتها فيها بالحفاظ على أمن السفارة الإيرانية والأماكن المقدسة، وتم تقديم تعهدات بعدم المساس بهذه المواقع.

من جهة أخرى، شن مسؤولون إيرانيون بارزون هجوماً على الإدارة السورية الجديدة، واعتبرها المرشد الأعلى علي خامنئي "نظام استبدادي يخدم مصالح أميركا"، وتوقع أن يقوم "شرفاء" بمواجهتها.

بعد سلسلة من موجات التمرد شنها فلول نظام الأسد في منطقة الساحل السوري ضد الحكومة الجديدة، والتي كان آخرها وأكبرها في مارس/آذار الماضي، تحدثت تقارير عن دور إيران وحزب الله اللبناني في هذا التمرد.

كما عززت التحذيرات التي أطلقها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من الاعتقاد بوجود دور إيراني في دعم التمرد ضد الإدارة السورية الجديدة.

إعلان

وحذر فيدان طهران من تداعيات تقديمها الدعم لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" أو أي أطراف أخرى في سوريا بهدف تغذية الاضطرابات، وطالبها بالتخلي عن سياساتها التقليدية، لأن إثارتها للقلاقل في أي بلد قد تؤدي إلى رد فعل مماثل.

وتزامن التصعيد الإيراني مع تأكيدات حكومة الرئيس أحمد الشرع على أن إسقاط نظام الأسد أنهى الوجود الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى أن سيطرة الحكومة الجديدة على البلاد أدت إلى قطع طريق إمدادات إيران باتجاه حزب الله اللبناني وفق ما أكده الأمين العام للحزب نعيم قاسم أواخر عام 2024.

وتوحي هذه التصريحات بأن طهران تبحث من خلال التصعيد عن أوراق ضغط على الحكومة السورية الجديدة لاستعادة دورها في سوريا، وفي الوقت ذاته منفتحة على التفاوض والحوار معها.

تبادل الرسائل الإيجابية

طرأت تغييرات واضحة على اللهجة الإيرانية تجاه الإدارة السورية الجديدة بعد حرب الـ 12 يوما بينها وبين إسرائيل في يونيو/حزيران 2025، وبدت وكأنها تبحث عن المشتركات مع عموم دول المنطقة وسوريا بشكل خاص، وأدانت طهران الغارات الإسرائيلية على القوات الحكومية السورية التي حاولت دخول محافظة السويداء في يوليو/تموز الفائت.

كما شدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عقب الحادثة على دعم بلاده لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، واللافت أن عراقجي أطلق هذه التصريحات في أعقاب القصف الإسرائيلي لمقر هيئة الأركان التابعة للجيش السوري الجديد، ومحيط القصر الرئاسي في دمشق.

من جهته، بعث الرئيس السوري الشرع برسالة إيجابية تجاه إيران خلال مقابلة تلفزيونية نشرها الإعلام الرسمي السوري في 12 سبتمبر/أيلول الجاري، وأكد أنه لن تكون هناك قطيعة دائمة مع إيران، رغم أن "الجرح كبير"، مع الإشارة إلى أن الأمور ستسير باتجاه تأسيس علاقات على أن يكون هناك احترام للوضع السوري وعدم إثارة الفتن الطائفية.

ووفقاً لمصادر خاصة تحدثت للجزيرة نت، فإن إيران أرسلت بالفعل رسالة عبر وسطاء إقليميين للرئيس السوري، عرضت عليه فيها تطوير العلاقات، والتنسيق المشترك ضد الاعتداءات الإسرائيلية، وإتاحة المجال لها للاتصال مجدداً بحزب الله اللبناني.

وتعهدت بعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، مما يشير إلى أن التصريحات التي أدلى بها الشرع تأتي في سياق الرد على الرسائل الإيرانية، عبر ترك الباب موارباً أمام العرض الإيراني، مع ربط الموافقة بمدى استعداد طهران لتغيير سلوكها.

مصدر الصورة مقاتلون يحرقون علم لواء فاطميون المدعوم من إيران في خان شيخون بإدلب غداة السيطرة عليها (الفرنسية)

دوافع الطرفين للتهدئة

من الواضح أن التهديدات التي تحيط بكل من إيران والإدارة السورية الجديدة هي من تدفع الطرفين للتهدئة بعد أشهر من التصعيد الميداني والإعلامي.

عاشت إيران في يونيو/حزيران الماضي ظروفاً عصيبة في ظل الهجمات الإسرائيلية، لأن المواجهات اندلعت فيما يشبه حالة العزلة التي تعاني منها إيران نتيجة الصراعات المتعددة مع دول الجوار، وفقدانها القدرة على استثمار الساحتين السورية واللبنانية لخلق نوع من الردع لإسرائيل.

من جهتها، اصطدمت الإدارة السورية بالتدخل الإسرائيلي العلني والقوي بالشأن السوري إثر انخراط تل أبيب في دعم مجموعات درزية متمردة في السويداء، وتنفيذ هجمات مساندة لها ضد القوات الحكومية في يوليو/تموز الفائت.

إعلان

والأهم أن تصريحات المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك أوحت بأن لا نية لدى واشنطن لوقف الهجمات الإسرائيلية على دول المنطقة، حيث قال "إسرائيل تضرب حيث تريد في الوقت الذي تريد".

ويبدو أن التحدي الأمني الإسرائيلي تجاه سوريا، دفع الرئيس الشرع لتوجيه رسائل إيجابية أيضاً إلى حزب الله اللبناني، فأوضح خلال لقائه مع مجموعة إعلاميين في أغسطس/آب الماضي أن بلاده تعالت على الجراح التي تسبب بها الحزب في سوريا، مضيفا في تبرير عدم تدخله في الشأن اللبناني "لا نريد إطلاق تصريحات تحمس بعض الأطراف في لبنان ضد الحزب".

في غضون ذلك، تبذل دمشق وبغداد جهودا لتطوير العلاقات بين الجانبين لاعتبارات أمنية واقتصادية، أهمها التنسيق من أجل منع نشاط تنظيم الدولة مجدداً، بالإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة عبر تفعيل خط نفط كركوك-بانياس الذي يعود بالنفع على الطرفين.

مصدر الصورة (شترستوك)

لكن هذه الجهود تصطدم بتحفظات قوى سياسية عراقية ضمن الائتلاف الحاكم لديها تحالف مع إيران، حيث عارضت هذه القوى في مايو/أيار الماضي حضور الشرع للقمة العربية في بغداد رغم توجيه الحكومة العراقية الدعوة له، واكتفت دمشق بإرسال وزير الخارجية أسعد الشيباني لتمثيلها في القمة، ومن المحتمل أن تؤدي التهدئة مع إيران إلى حصول المزيد من التقدم في العلاقات العراقية السورية.

بشكل عام، فإن التهدئة بين طهران والحكومة السورية تتسق مع السياق الإقليمي، والمخاوف المتنامية من نهج الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي حاولت في التاسع من سبتمبر/أيلول الجاري اغتيال وفد حركة حماس المفاوض خلال اجتماع له في العاصمة القطرية الدوحة، ووجهت رسالة واضحة لدول الإقليم أنها لا تلتزم بأي خط أحمر.

واحتضنت الدوحة بعد أسبوع من الهجوم الإسرائيلي قمة عربية وإسلامية طارئة، وبحضور الرئيسين السوري أحمد الشرع، والإيراني مسعود بزشكيان .

معوقات في وجه تطبيع العلاقات

رغم وجود دوافع لدى دمشق وطهران تدفعهما للتهدئة، واختبار إمكانية تجاوز آثار الماضي، فإن ثمة العديد من المعوقات التي تقف في وجه تطبيع العلاقات بين الجانبين.

في المرحلة الراهنة، تركز الإدارة السورية على استكمال رفع العقوبات الأميركية عن قياداتها وسوريا عموماً، ويستعد الرئيس الشرع للتوجه إلى نيويورك لإلقاء كلمة خلال اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة آواخر سبتمبر/أيلول الجاري، كما تنخرط سوريا في مباحثات أمنية مع إسرائيل من أجل تثبيت قواعد التهدئة ومنع الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

وبالتالي، من غير المتوقع أن تغامر الإدارة السورية بالانفتاح على إيران على المدى القريب، خاصة وأن هذا الانفتاح قد يغضب الإدارة الأميركية الجمهورية الحالية التي تتبنى نهجاً تصعيدياً ضد إيران، ويرجح أن تستمر سوريا على هذا النهج طالما أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران.

وقد ألمح الرئيس الشرع في مطلع سبتمبر/أيلول الجاري إلى عدم الرغبة بإعطاء ذريعة لإسرائيل التي كانت تريد جعل سوريا ساحة للصراع مع إيران.

أيضاً، لا يمكن الجزم بشكل قاطع بوجود رغبة قوية لدى طهران بتطبيع العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة، طالما أن الأخيرة ترفض أن تعود سوريا لكونها ممرا للأسلحة باتجاه لبنان.

وهذا ما يمكن استنتاجه من تصريح الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الذي ربط بين التطبيع وبين "ما ستقوم به دمشق على الأرض" وأنه بلاده تفضل أولا "رؤية ترتيبات واضحة".

وبالتالي قد تكون الرسائل الإيجابية الإيرانية الحالية مرتبطة فقط بالضغوطات التي تعانيها نتيجة المخاوف من عودة الهجمات الإسرائيلية ضدها بموافقة من إدارة ترامب، وقد تتراجع عن هذه النبرة الإيجابية إذا لم تر طهران مؤشرات على استعداد دمشق بشكل جدي للتطبيع وفسح المجال مجددا أمام نفوذ إيراني في سوريا.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا