في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تشكل محاولة اغتيال قادة حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) في العاصمة القطرية الدوحة نقطة مفصلية في مسار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وامتداداتها الإقليمية، إذ إنها حملت رسائل لا تخلو من دلالات واضحة ومعقدة في الوقت نفسه.
ومن خلال شكل محاولة الاغتيال وتوقيتها، يتضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب- لم يعد يخوض حربا على حركة حماس، وإنما أصبح يستهدف جميع البنيات السياسية والدبلوماسية الداعمة لها.
ويُنظر إلى الهجمة الأخيرة على الدوحة بأنها تعكس مأزقا داخليا في تل أبيب ، دفع بحكومة الاحتلال إلى التصعيد الخارجي لتصدير الأزمة نحو الأطراف الإقليمية التي ظل موقفها في الصراع يتركز على الحلول الدبلوماسية وبناء قاعدة للحوار والمفاوضات.
وضمن إشكالية المأزق الداخلي للحكومة الإسرائيلية، ومحاولة التوسع في الحرب لتشمل الضغط على جميع الأطراف الإقليمية، نشر مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ورقة تحليلية من سلسلة أوراق الأمن والتحولات العسكرية تحت عنوان "حين عبرت الحرب الحدود: من غزة إلى الدوحة.. إسرائيل توسّع ساحة الإبادة وتكسر قواعد الاشتباك".
حاولت الورقة تفكيك الرسائل التي تضمّنها الهجوم الإسرائيلي على الدوحة ، وتقييم الأبعاد الإستراتيجية للضربة، وتحليل تداعياتها على دور قطر كوسيط وفّر منصة للحوار والتفاوض طيلة الحرب الجارية على غزة.
لا يعتبر الهجوم على قادة حماس في الدوحة عملية عابرة، بل يمثل تحولا نحو ما يمكن أن يطلق عليه "عسكرة الدبلوماسية" وتوسيع الحرب خارج الحدود التقليدية.
وقد هدفت تل أبيب من خلال محاولة اغتيال قادة حماس في الدوحة إلى عدة أمور من أهمها:
وإجمالا، فإن هذه الضربة جاءت لتخلط بين ساحات الحرب وساحات الوساطة، وأن تُخرج قطر من مربع الحياد إلى مربع الصراع، ولو بالإكراه.
من جانبها، تصرّفت قطر إزاء هذا الهجوم الفاشل بنوع من الهدوء والرزانة السياسية، وأظهرت قدرتها على امتصاص الصدمة والتصرف كدولة وازنة دون أن تنجر إلى ردود انفعالية قد تعقد المشهد أكثر، وقد تجلّى ذلك في ما يلي:
بعد محاولة الاغتيال الفاشلة، بات هذا السؤال يطرح نفسه، لأن شرعية الوساطة نابعة من الثقة وليس الحياد المجرّد، لأن الدوحة لم تكن يوما طرفا محايدا بشكل كامل، بل تتبنى مواقف داعمة للقضية الفلسطينية.
وتبرز قدرة قطر في إدارة ملف الوساطة في كونها تحظى بثقة قادة المقاومة الفلسطينية، ولها سجل طويل في إدارة الأزمات والوساطات الدولية.
ولا يعتبر استهداف قطر مُسقِطا للوساطة، لأن المعطيات التاريخية تثبت أن الوسيط يستهدف عندما يكون ناجحا ومؤثرا، كما أن القبول الدولي لا يزال قائما ولم يصدر من الدوحة أي موقف يشكك في قدرتها على الاستمرار.
ويدعم هذا الطرح أن الخيارات الإسرائيلية محدودة، ولا يمكن لتل أبيب في الوقت الحالي أن تستغني عن هذا المسار التفاوضي الذي سبق وأثبت فاعليته.
حتى الحين، أظهرت الدوحة قدرة سياسية وأمنية عالية في التعامل مع محاولة اغتيال قادة حماس على أرضها.
وعلى مستوى التعامل مع الاعتداء، اختارت الرد الهادئ والمدروس الذي لا يترجم لضعف بقدر ما يعتبر جزءا من فهمها العميق لتعقيدات الصراع، وحرصها على إبقاء قنوات الوساطة فعالة.
وفي هذا السياق، كثفت الدوحة من تحركاتها الدبلوماسية، وزار رئيس وزرائها وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بعض الدول المؤثرة على الصعيد العالمي، مثل الولايات المتحدة الأميركية، وأسفرت تحركاته عن انعقاد دورة طارئة لمجلس الأمن الدولي دانت العدوان الإسرائيلي وأجمعت على الوقوف بجانب سيادة قطر.
الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة يعتبر تهديدا لكل العواصم العربية والإسلامية، لذلك يجب أن يقابل بتحرك عربي وإسلامي، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي من أجل إلزام تل أبيب بثمن سياسي يردعها في المستقبل.
ومن الحري بالدول المعنية، أن تتحرك على مستوى الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن الدولي لتفعيل الآليات القانونية الرادعة للدول المعتدية.
وتشير هذه الضربة إلى ضرورة بناء تحالفات إقليمية للردع السيبراني والأمني من أجل إيجاد غرفة عمليات مشتركة بين الدول المعنية.
وفي السياق، يجب ربط العدوان على قطر بخريطة إسرائيل الكبرى، لأن هذه العملية ليست معزولة، بل تأتي في سياق رؤية إستراتيجية أعلنها نتنياهو: "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات"، مما يجعل السكوت عليها تواطؤًا ضمنيا مع هذا المشروع التوسعي.
وبعد هذه المحاولة الفاشلة، يُطرح السؤال التالي: هل تعيد إسرائيل حساباتها أم ستستمر في مضاعفة العدوان؟، وأمام هذا السؤال الافتراضي تطرح مجموعة من الاحتمالات:
وأوصت الدراسة التي نشرها مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية بمجموعة من التوصيات للوقوف في وجه الانفلات الإسرائيلي أهمها:
وخلصت الدراسة إلى أن معركة تحرير فلسطين لم تعد مقتصرة على الأنفاق والحدود، وإنما شملت العواصم العالمية ومجالاتها السيادية، وإذا لم يتم تفعيل آليات ردع حازمة فإن ذلك يعني فتح المجال أمام احتمال جديد سيطول بعض الدول العربية في المنطقة.