سياسية ومحامية بريطانية من أصول باكستانية، ولدت عام 1980، شغلت منصب وزيرة الداخلية البريطانية في سبتمبر/أيلول 2025، وهي أول امرأة مسلمة تتولى هذا المنصب.
تقلدت عددا من المناصب الرفيعة أثناء مسيرتها السياسية، أبرزها منصب وزيرة الدولة للعدل واللورد المستشار، إلى جانب حقائب متعددة في حكومة الظل، وعضوية في البرلمان ممثلة لحزب العمال عام 2010.
تتبنى شابانا محمود مواقف داعمة لحقوق الفلسطينيين وحق تقرير المصير في إقليم كشمير ، وتميل إلى اتباع نهج اجتماعي محافظ، في حين تتخذ مواقف حازمة تجاه سلامة الأحكام وتجويد منظومة حقوق الإنسان ، وتقول إنها تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وإتاحة فرص متساوية للجميع.
ولدت شابانا محمود أحمد في 17 سبتمبر/أيلول 1980 في مدينة برمنغهام بالمملكة المتحدة ، وهي ابنة لوالدين مهاجرين من أصول باكستانية، تعود جذورهما إلى منطقة ميربور في إقليم كشمير.
وانتقلت عام 1981 مع عائلتها إلى المملكة العربية السعودية، وهناك عاشت طفولتها المبكرة، إذ كان والدها يعمل مهندسا مدنيا في مدينة الطائف، وفي عام 1986 عادت العائلة مجددا إلى المملكة المتحدة.
استقرت الأسرة في سمول هيث، التي تعد إحدى أفقر المناطق في برمنغهام، وهناك عاشت شابانا مرحلة مراهقتها وشبابها، ومنذ كانت فتاة يافعة، اعتادت مساعدة والديها بالعمل في متجر الأسرة الصغير.
ترعرعت في عائلة تقدر سعة الاطلاع والمعرفة، إذ حرص والدها على تشجيع أولاده على متابعة ما يدور حولهم في العالم، وكان يحثهم على القراءة 5 دقائق يوميا من صحيفة التايمز البريطانية.
وتنحدر شابانا من عائلة ذات حضور في المشهد السياسي، وانخراط في الشأن العام، لا سيما المحلي، فقد كان والداها محمود وزبيدة من الأعضاء القدامى في حزب العمال.
وعقب عودتهم إلى برمنغهام، استأنف والدها نشاطه داخل الحزب، وتحول إلى شخصية مؤثرة، وقد تُوِّجت جهوده بانتخابه رئيسا لفرع الحزب في المدينة، وكان منزله يستضيف بعض الأنشطة الحزبية.
وفي ظل هذه البيئة أتيحت الفرصة لشابانا للانخراط في أنشطة حزب العمال، مثل المشاركة في الحملات الانتخابية لوالدها، وهو ما أورثها اهتماما مبكرا بالشأن السياسي العام.
لدى شابانا 3 إخوة أحدهما توأمها، وتعمل شقيقتها مديرة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، ويعمل شقيقاها في مجالي الحوسبة والمحاسبة.
تنحدر شابانا محمود من عائلة مسلمة، وهي تحرص على إبراز هذا الانتماء وتفخر به، وتؤكد على الدور المحوري الذي يشكله الدين في حياتها، فهي تعتبره مصدر إلهامها في أداء الواجبات والقيام بالخدمة العامة، ومنه تستمد قناعاتها ورؤيتها للحياة.
وعند توليها وزارة العدل أدت يمينها على القرآن الكريم، أثناء حفل أقيم في المحاكم الملكية وسط لندن ، مُسجلة بذلك سابقة تاريخية في البلاد.
وتتبنى شابانا نهجا محافظا اجتماعيا، وتُوصف بأنها جزء من جناح "حزب العمال الأزرق"، المعروف بمواقفه المحافظة اجتماعيا تجاه القانون والنظام.
وتتخذ موقفا صارما من تعريض الأطفال لموضوعات المثلية الجنسية، وقد عارضت إدراج محتوى خاص بالمثليين في برامج التعليم المدرسي المتعلقة بالتربية الجنسية والعلاقات، كما اتخذت موقفا متشددا مما يسمى بالموت الرحيم، وعارضت تشريع قانون يتيح هذا الخيار.
تلقت تعليمها الإلزامي في مدرسة سمول هيث الشاملة ببرمنغهام، وتخرجت في مدرسة الملك إدوارد السادس كامب هيل للبنات، ثم التحقت بكلية لينكولن بجامعة أكسفورد، حيث نالت شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في القانون عام 2002.
وأثناء دراستها الجامعية، تجنبت المشاركة في العمل السياسي ضمن الفرع الطلابي لحزب العمال، وفضلت الانخراط في النشاط الاجتماعي والأكاديمي الطلابي، وشاركت فيه بفعالية، وتولت دورا قياديا برئاستها الغرفة المشتركة للناشئين في الكلية.
كما شاركت في تلك الفترة في الأنشطة التي تشجع الطلاب المحتملين من الأقليات والخلفيات المحرومة على الالتحاق بالتعليم الجامعي، وخصوصا جامعتي أكسفورد وكامبردج.
حصلت على جائزة أشورست موريس كريسب لأفضل أداء في امتحان أخلاقيات المحاماة النهائي الذي تُقدمه الجامعة.
وبعد حصولها على منحة دراسية من معهد تدريب المحامين بلندن، واصلت مسيرتها الأكاديمية في كلية الحقوق بجامعة إنز أوف كورت، وأتمت فيها دورة التدريب المهني للمحاماة عام 2003.
بدأت شابانا مسارها المهني بانضمامها إلى مكتب المحاماة "12 كينغز بنش ووك" عام 2003، حيث أكملت تدريبها العملي، وتخصصت في مجال التعويض المهني، وفي العام التالي انتقلت للعمل في شركة المحاماة البريطانية "بيريمانز ليس ماور".
ولكن مسيرتها في سلك المحاماة لم تدم طويلا، إذ سرعان ما اتجهت إلى العمل السياسي، ففي عام 2010 رشحها حزب العمال لخوض الانتخابات العامة عن دائرة برمنغهام ليديوود.
وفي حينها أثار اختيارها معارضة بعض الأطراف داخل الحزب، وهذا استدعى إجراء تحقيق تولاه أحد أعضاء اللجنة التنفيذية الوطنية، وخَلُص إلى تأكيد شرعية ترشيحها.
وأسفرت نتائج الانتخابات عن فوز شابانا محمود بنسبة بلغت 55.7%، وأصبحت بذلك من طليعة المسلمات في البرلمان البريطاني .
ومنذ عام 2010 حافظت شابانا على مقعدها النيابي عن دائرة برمنغهام ليديوود في جميع الدورات الانتخابية اللاحقة.
وتتميز الدائرة الانتخابية برمنغهام ليديوود بأنها أكثر الدوائر الانتخابية تنوعا عرقيا في المملكة المتحدة، ويُشكل فيها الناخبون من الأقليات العرقية الأغلبية، وقد احتفظ حزب العمال بمقعد الدائرة منذ الحرب العالمية الثانية .
وفي عام 2015 مُني حزب العمال بخسارة كبيرة في الانتخابات العامة، فقد خسر 26 مقعدا بالبرلمان، مما نجم عنه استقالة زعيم الحزب آنذاك إد ميليباند .
ولم تنعكس الخسارة التي مُني بها الحزب على شابانا محمود، التي أُعيد انتخابها عن الدائرة نفسها، بل أيضا أظهرت النتائج تنامي شعبيتها، إذ حصدت نسبة تصويت بلغت 73.6%، بزيادة تقارب 20 نقطة مقارنة بالانتخابات السابقة.
وفي يناير/كانون الثاني 2016 انتُخبت لتمثيل حزب العمال البرلماني في اللجنة التنفيذية الوطنية، كما أُعيد انتخابها في يوليو/تموز من ذلك العام للمنصب نفسه.
وفي الانتخابات العامة المبكرة عام 2017، أُعيد انتخابها مرة أخرى عن دائرة برمنغهام ليديوود بنسبة تصويت متزايدة بلغت 82.7%، ولكن هذه النتيجة تراجعت قليلا في انتخابات عام 2019، إذ انخفضت إلى 79.2%.
أما في انتخابات عام 2024، فقد كان التراجع قياسيا رغم إعادة انتخابها، إذ بلغت نسبة الأصوات التي حصدتها 42.5%، بخسارة بلغت نحو 37 نقطة مقارنة بالانتخابات السابقة.
أثناء مسيرتها السياسية، شغلت شابانا محمود مناصب قيادية مختلفة في حكومة الظل في الفترة بين العامين 2010 و2024، حين كان حزب العمال هو المعارضة الرسمية في البلاد.
وحكومة الظل في النظام السياسي البريطاني، تعني فريقا يشكله زعيم المعارضة ليكون نسخة موازية للحكومة، ويتولى كل عضو في الفريق قيادة منصب سياسي، ومهمته مساءلة نظيره في الحكومة البريطانية.
ومنذ انخراطها في المعترك السياسي، أثبتت شابانا محمود جدارتها ونالت ثقة قيادة الحزب، وبدأت تتدرج في المناصب، فلم تكد تمضي أشهر قليلة على انتخابها، حتى اختيرت للعمل في الصفوف الأمامية لحكومة الظل.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2010، عُينت وزيرة الظل للشؤون الداخلية لحزب العمال، وبعد عام واحد فقط تولت وزارة التعليم العالي في حكومة الظل، وفي عام 2013، عيّنت وزيرة الخزانة في تلك الحكومة.
وفي أعقاب استقالة ميليباند عام 2015، شكّل الحزب حكومة ظل مؤقتة برئاسة هارييت هارمان، وشغلت فيها شابانا منصب كبير أمناء الخزانة، غير أن انتخاب جيرمي كوربن زعيما لحزب العمال في العام نفسه، دفعها للاستقالة، مبررة قرارها بعدم الرغبة في العمل تحت قيادته، لاختلافهما العميق في المسائل الاقتصادية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، انتُخبت نائبة لرئيس منتدى السياسة الوطنية لحزب العمال، ودعمت أوين سميث ضد كوربن في انتخابات قيادة الحزب عام 2016.
جعلها فوز كوربن وقيادته الحزب حتى عام 2020 تتراجع للعمل في المقاعد الخلفية داخل الحزب، وبمجرد رحيله عن القيادة عام 2021، عادت للعمل ضمن حكومة الظل مرة أخرى.
وبعد التعديل الوزاري الذي جرى في مايو/أيار من العام نفسه، تحت قيادة كير ستارمر ، شغلت منصب منسقة الحملة الوطنية، وفي تلك الفترة، قادت حملة الحزب في الانتخابات الفرعية لدائرة باتلي وسبين، واعتُبرت هذه الانتخابات حاسمة في إنقاذ زعامة ستارمر، بعدما تعرض الحزب قبل أشهر لهزيمة في دائرة هارتلبول.
وفي سبتمبر/أيلول 2023، عيّنت وزيرة للدولة في العدل بحكومة الظل، في تعديل وزاري أجراه ستارمر.
مع وصول حزب العمال للسلطة عام 2024، شكل ستارمر وزارة في يوليو/تموز، وكانت شابانا ضمن هذا التشكيل في منصب اللورد المستشار وزيرة الدولة للعدل، وأصبحت أول امرأة مسلمة تتولى هذا المنصب.
ومنصب اللورد المستشار من أقدم المناصب في المملكة المتحدة، ويعينه الملك بناء على ترشيح رئيس الوزراء، ويشغل منصب عضو بارز في مجلس الوزراء، ويرأس وزارة العدل.
وبمجرد مباشرتها سلطاتها، قادت شابانا محمود مجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى الحد من أزمة اكتظاظ السجون في إنجلترا وويلز، أبرزها برنامج الإفراج المبكر عن السجناء، وأثناء أسبوعها الأول في الوزارة، أفرج مبكرا عن آلاف المسجونين.
كما ركزت على وضع خطط لإصلاح نظام العدالة الجنائية، شملت إجراءات من بينها الإخصاء الكيميائي لمرتكبي الجرائم الجنسية الخطيرة، وتقليل المدة التي يقضيها المجرمون في السجن، مع تنفيذ برامج لإعادة تأهيلهم داخل المجتمع، فضلا عن ذلك، تبنت مواقف حازمة تجاه سلامة الأحكام وتحسين منظومة حقوق الإنسان .
وفي التعديل الوزاري الذي أجري في سبتمبر/أيلول 2025، رقيت إلى منصب وزيرة الداخلية، وتولت العمل على ملفات حساسة، أبرزها ملفات الهجرة واللجوء والأمن الوطني والإشراف على جهاز الشرطة في إنجلترا وويلز.
يُعتبر موقف شابانا محمود من القضية الفلسطينية من المسائل الإشكالية، إذ تتخذ موقفا داعما لحقوق الفلسطينيين، ولكنها قد تتخذ مواقف أخرى تعارض هذا الاتجاه أحيانا، وهو ما أثار سخط الجماعات المؤيدة لفلسطين ، فضلا عن تلك المؤيدة لإسرائيل .
وتؤكد محمود دعمها المستمر للقضية الفلسطينية، وهي عضو في جمعية "أصدقاء فلسطين والشرق الأوسط" التابعة لحزب العمال، وقد شاركت منذ عام 2010 في العديد من الفعاليات المناصرة للقضية، معلنة رفضها للاستيطان الإسرائيلي.
وغالبا ما تتبنى مواقف داعمة للقضية الفلسطينية في الأروقة الرسمية، وقد دعت الحكومة البريطانية إلى تقديم مزيد من الدعم للقضية والحقوق الفلسطينية، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ومن جانب آخر، أدانت بشدة معركة طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة ، ووصفتها بـ"أفعال حماس المشينة".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، امتنعت عن التصويت على وقف إطلاق النار في غزة، ولاحقا تعهدت بأن تتعامل بحزم مع الجماعات المحظورة مثل منظمة " فلسطين أكشن " البريطانية، قائلة "إن دعم فلسطين ودعم جماعة إرهابية محظورة شيئان مختلفان".
وقد أثار هذا النهج قلق المؤيدين للقضية الفلسطينية ضمن قاعدتها الانتخابية، الأمر الذي أثر على شعبيتها، وأدى إلى انخفاض هائل في عدد الناخبين الذين صوتوا لها في انتخابات عام 2024، مقارنة بالانتخابات السابقة.
ومن مواقفها السياسية البارزة، انتقاد سياسات الهند في منطقة كشمير، والتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب فيها، مؤكدة دعمها لحق الشعب الكشميري في تقرير مصيره، وهو موقف كثيرا ما تُعبر عنه عبر المشاركة الشعبية والجهود الدبلوماسية داخل البرلمان البريطاني.
وقد شاركت في احتجاج أمام المفوضية العليا الهندية في لندن عام 2019 ضد إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، التي تلغي الحكم الذاتي لإقليم كشمير، وألقت شابانا كلمة أمام الحشد الذي تجاوز عدده 20 ألف متظاهر، منددة بالقرار الهندي.
وفي سبتمبر/أيلول 2019، قدمت مقترحا بدعم من نحو 30 عضوا في البرلمان البريطاني، يدعو الأمم المتحدة والدول إلى مطالبة الحكومة الهندية برفع الحصار عن الشعب الكشميري.
وجاء فيه أن المجلس يعرب عن قلقه البالغ إزاء إلغاء الحكومة الهندية للمادتين (370 و35 أ) في كشمير، ويشعر بالقلق البالغ إزاء التطهير العرقي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فيها.
شغلت شابانا محمود عددا من المناصب المهمة أثناء مسيرتها السياسية، أبرزها: