آخر الأخبار

خطة سموتريتش.. الوعد الإلهي وجوهر العقيدة اليمينية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في خطاب صدامي يعكس انتقال اليمين المتطرف في إسرائيل من التلميح إلى التنفيذ العلني، أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن "خطة سيادة" لتعزيز احتلال الضفة الغربية .

وتقضي الخطة بفرض القانون الإسرائيلي على 82% من الضفة الغربية وترك 18% فقط كجيوب فلسطينية معزولة، ملوحا بأن إسرائيل ستدمر "السلطة الفلسطينية إذا رفعت رأسها كما دمرت حماس ".

وجاءت هذه التصريحات في مؤتمر صحفي تزامن مع نقاش حكومي أوسع حول خطوات استباقية قبيل موجة اعترافات متوقعة بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة هذا الشهر.

ويدعم الخطة، تصريحات السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي التي قال فيها إن الولايات المتحدة لم تطلب من إسرائيل التراجع عن فرض سيادتها في الضفة الغربية، مؤكدا أنها لن تملي على الحكومة الإسرائيلية ما يجب أن تفعله في هذا الصدد.

وأضاف أن "التفاني تجاه إسرائيل والقناعة بأداء عمل إلهي في الأرض المقدسة ليس مزحة".

خطاب استعلائي

في التظاهرة الإعلامية التي أطلقها سموتريتش، قدم دعوة واضحة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لاتخاذ قرار حاسم، وخاطبه بقوله "اعقد الحكومة، وافرض السيادة على جميع الأراضي المفتوحة في الضفة الغربية، لتخلد اسمك في كتب التاريخ كقائد عظيم".

وتأتي خطة سموتريتش للضم تنفيذا عمليا لخطة الحسم للضفة الغربية التي أطلقها في 2017، وبالفعل نفذ الكثير منها على الأرض عبر تحويل حياة الفلسطينيين إلى مستحيلة، بحسب وصفه، عبر الهجمات الإرهابية للمستوطنين وتدمير الممتلكات وحرق ومصادرة الأراضي الزراعية وزيادة الحواجز والسيطرة على موارد المياه والتحكم في الطرق.

ويأتي في السياق ذاته الموافقة النهائية التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية في أغسطس/آب 2025، على المضي قدما في تنفيذ مشروع "إي 1" (E1) الاستيطاني هو مخطط إسرائيلي يهدف إلى توسيع مستوطنة معاليه أدوميم وربطها بالقدس الشرقية عبر بناء حوالي 3400 وحدة سكنية في منطقة تبلغ مساحتها نحو 12 كيلومترا مربعا شرق القدس.

إعلان

ويهدف المشروع إلى تقسيم الضفة الغربية فعليا قسمين، شمالي وجنوبي، مما يعوق التواصل الجغرافي بينهما ويجعل إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيا أمرا شبه مستحيل.

كما يعزل القدس الشرقية تماما عن بقية الضفة الغربية، مما يقوض إمكانية أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية، إضافة لزيادة السيطرة الإسرائيلية على مساحة إستراتيجية من الضفة الغربية عبر ربط مستوطنات القدس بمستوطنات غور الأردن ضمن مشروع القدس الكبرى.

وتظهر خريطة "خطة السيادة" التي استعرضها سموتريتش ضم معظم الضفة باستثناء مدن فلسطينية كبيرة مثل رام الله ونابلس، على أن تبقى خارج السيادة الإسرائيلية المباشرة وتُدار كجيوب منفصلة، تحت شعار "أقصى مساحة أرض مع أقل عدد من العرب"، وهو شعار ديمغرافي استيطاني قديم يُعاد تسويقه اليوم كخطة حُكم.

كما يربط بين الضم ومنع قيام دولة فلسطينية نهائيا، وقال إن "الدور السياسي للسيادة هو ضمان عدم قيام دولة إرهابية عربية، يجب أن تمنع قيام الدولة الفلسطينية، ولا تسمح بإقامتها".

مصدر الصورة سموتريتش يحمل خريطة لمنطقة قرب مستوطنة معاليه أدوميم وهي ممر أرضي يُعرف باسم "إي 1" في الضفة الغربية المحتلة (الفرنسية)

خريطة من عالم الخيال

ووصف الدكتور شوئيل أريئيلي، وهو عقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي وباحث في مجموعة تامرور البحثية الإسرائيلية، خطة سموتريتش للضم بأنها ليست خطة إستراتيجية سياسية، "بل أشبه بخريطة كرتونية، سطحية، وهمية، ومنفصلة عن أي قانون أو منطق أو أمل".

وقال ساخرا إنها "على الأقل هي وفية لمصدرها، للعالم الخيالي الذي يعيش فيه سموتريتش، وتساءل هل تخلى سموتريتش عن الخليل وكريات أربع؟ مقابل بيت لحم وقلقيلية؟".

وأضاف "أثبت سموتريتش مجددا أن الطريق بين الخيال الجيوسياسي وخريطة مباشرة للواقع بالنسبة له قصير، ما نُشر على أنه خريطة الضم الخاصة به يبدو وكأنه عمل متسرع لطالب في السنة الأولى لم يفهم سؤال الامتحان".

ويحلل أريئيلي الخريطة التي نشرها سموتريتش بالأرقام:


* يريد سموتريتش ضم 87% من مساحة الضفة الغربية بأكملها إلى إسرائيل، بالإضافة إلى القدس الشرقية التي ضُمت عام 1967.
* يعيش حاليا في هذه المنطقة أكثر من 2.2 مليون فلسطيني، أي ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية. فهل سيكون لهم حقوق مدنية؟ أو تصويت للكنيست؟ هل ينوي اعتماد نموذج "المدينة الإنسانية" في غزة؟ أم أنه يبدأ بتطبيق "خطة الحسم" التي وضعها بناء على رسائل يوشع بن نون؟
* ضم 1780 كيلومترا مربعا من المنطقتين "أ" و "ب" أي المناطق الخاضعة حاليا لسيطرة السلطة الفلسطينية.
* ينوي التخلص من 10 كيلومترات مربعة من الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، خارج الجدار، التي يسكنها حوالي 120 ألف نسمة. هل ذكر أحدٌ قانونا أساسيا: استفتاء شعبيا؟ القانون الذي يُلزم 80 عضوا في الكنيست بدعم التنازل عن أراضٍ خاضعة للسيادة الإسرائيلية؟
* مدينة طولكرم تظهر على الخريطة، لكنها غير مُدرجة ضمن الأراضي الفلسطينية. يبدو أنه خطأ فني ناتج عن التسرع والغرور المُفرط. السؤال هو: هل يُخطط سموتريتش لاستيراد "سكان" مخيم اللاجئين إلى المدينة نفسها؟

مصدر الصورة الاحتلال الإسرائيلي يهدم منازل في قرية خلة الضبع بمسافر يطا جنوبي الخليل (مواقع التواصل)

العقيدة الديمغرافية لليمين

تعكس الخطة جوهر عقيدة يمينية تتبلور بالاحتفاظ بأكبر قدر من الأرض مع إزاحة أكبر قدر من السكان الفلسطينيين خارج دوائر السيادة والحقوق، ويجري تسويق نموذج "إدارة محلية بلا سيادة" عبر إبقاء السلطة الفلسطينية (أو بدائل بلدية) كجسم خدمي منزوع الصلاحيات السيادية، مع سيطرة إسرائيل على الأمن والحدود والموارد.

إعلان

وتحول هذه الصيغة مناطق أ وب الخاضعة للسلطة إلى كانتونات محاصرة، وتؤبد واقع الحد الأدنى من الحقوق تحت أقصى سيطرة، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.

ووصفت المحامية عميرة هيس في مقال نشرته صحيفة هآرتس أن سموتريتش أثبت خلال ما يقارب 20 عاما من النشاط السياسي، أنه مُحدد الأهداف وقادرٌ جدا على تحقيق نيته، لذلك، يجب أخذ الخطة التي أعلنها على محمل الجد.

وحذر المختص في شؤون الاستيطان جمال جمعة من أن تصريحات سموتريتش هي عمليا صلب العقيدة الصهيونية القائمة على عملية التهجير والتطهير العرقي ، وهي ما زالت هدف لم يتم التخلي عنه، وهو يمضي بشكل تصاعدي، ولكن يبدو أن الحكومة الحالية أوصلت هذا المشروع إلى نهاياته الآن.

وقال إن الخطة ترى أنه يجب حسم هذا المشروع بشكل نهائي عبر تطهير عرقي لكل فلسطيني، فتهجير التجمعات البدوية التي وصلت أكثر من 70 تجمع في مناطق ج حيث تم الاستيلاء على أكثر من 15% من مساحة الضفة الغربية بهذه الطريقة وهناك إجماع إسرائيلي على ضم الضفة الغربية، وهم يسابقون الوقت لتنفيذ مخططاتهم تحت مظلة الدعم غير المسبوق الذي يقدمه لهم دونالد ترامب.

دوافع ائتلافية داخلية

ويبدو أن سموتريتش لا يتحدث فقط كوزير مالية، داخل المشهد السياسي الإسرائيلي، بل كزعيم فعلي لمعسكر الصهيونية الدينية الذي يسعى إلى تكريس معادلة "الضم أولا" كأولوية مطلقة، وهذا الخطاب يخدمه على أكثر من مستوى.

فبحسب مراقبين، فإنه يرفع السقف إلى أقصى مدى، ويترك نتنياهو في موقع رد الفعل بدل المبادرة، ففي كل مرة يعلن فيها عن خطة ضم أو يهدد السلطة الفلسطينية، يفرض على الليكود وعلى الحلفاء الحريديين (شاس ويهدوت هتوراه) التموضع خلفه، خشية أن يظهروا أقل "يمينية"، مع الحديث عن اقتراب الانتخابات.

وبهذه الطريقة، يُراكم نقاطا انتخابية داخل القاعدة اليمينية، ويسحب البساط أمام تصريحات منافسه إيتمار بن غفير النارية، ويُعيد رسم ميزان القوى داخل الائتلاف لصالحه.

كما أنه يدرك أن جمهور الصهيونية الدينية يقيس الإنجازات ليس بالميزانيات ولا بالإصلاحات ولا بالتصريحات، بل بخطوات ملموسة نحو السيطرة على الضفة الغربية.

فطرحه خريطة ضم 82% يُظهره كمن يجسد "الرسالة التاريخية" للحركة الاستيطانية، ويوفر لجمهوره شعورا بتحقق الحلم، حتى لو بقي على الورق، في تناقض مع نتنياهو، الذي يفضل إبقاء الضبابية والمرونة السياسية.

وقدر ذكرت قناة 14 الإسرائيلية أن 20 وزيرا من أصل 24 في الحكومة يؤيدون الضم الكامل.

وقد اعتبرت هيس في هآرتس أن هذه ليست خدعة انتخابية أو قلقا بشأن استطلاعات الرأي، بل هي مجرد فوضى عادية، وتقول إنه وفقا لسموتريتش سيكون الضم للأراضي، وليس للسكان.

وفي مواجهة الضغوط والأزمات الداخلية والخارجية، يحاول سموتريتش إعادة توجيه غضب الجمهور الإسرائيلي من فشل الحكومة في غزة إلى ضرورة تعزيز احتلال الضفة، أي تحويل النقاش من ملف الأسرى والضحايا والخسائر إلى ملف قومي أيديولوجي.

مصدر الصورة سموتريتش يتحدث كأنه زعيم فعلي لمعسكر الصهيونية الدينية الذي يسعى إلى تكريس معادلة "الضم أولا" كأولوية مطلقة (رويترز)

الاعترافات الدولية

وتأتي خطة سموتريتش بالتزامن مع زخم متجدد للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة خلال سبتمبر/أيلول، إذ أعلنت عدة دول من بينها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وبلجيكا أنها تتحرك باتجاه الاعتراف، في تحول نوعي داخل المعسكر الغربي.

ويضغط هذا الواقع على حكومة نتنياهو ويغري أجنحة يمينية بالمضي في ضم فعلي من طرف واحد لقطع الطريق على الدولة الفلسطينية.

وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فقد انعقدت عدة اجتماعات برئاسة نتنياهو لمناقشة هذه القضية، وأعرب الوزير رون ديرمر عن دعمه لتطبيق السيادة وقالت مصادر تحدثت معه إنه قال: "ستكون هناك سيادة في الضفة الغربية".

إعلان

ونشرت تسريبات من اجتماعات نتنياهو عن الخلافات على أي أجزاء الضفة سيتم ضمها كرد فعل على الاعترافات بالدولة الفلسطينية: هل غور الأردن أم مناطق ج التي تمثل 61% من مساحة الضفة الغربية أم الكتل الاستيطانية الكبرى؟

وبحسب القناة 12 فقد لفتت تصريحات نتنياهو انتباه العرب إلى أن الرسائل التي تُنشر بانتظام في الأخبار من جهات متطرفة في الحكومة، ليست مجرد تصريحات موجهة إلى "القاعدة الانتخابية" في إسرائيل، وقد اعتبر العديد من الدول -حتى الآن- هذه التصريحات فارغة، لكنها أدركت مؤخرا أن هناك رئيس وزراء يدعم هذه الأفكار والرؤى.

التبعات والتداعيات

تكشف خطة سموتريتش عن كلفة متعددة المستويات، فدوليا، يضيق هامش المناورة أمام إسرائيل مع تزايد الاعترافات المتوقعة بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وهو ما قد يفتح الباب لإجراءات عقابية مثل مراجعة الاتفاقات أو تقييد صادرات السلاح.

وعلى الصعيد الإقليمي يهدد المس بجغرافيا الضفة علاقات إسرائيل مع شركاء التطبيع في محيطها العربي.

وفي الإطار الأمني والاقتصادي فإن انهيار السلطة الفلسطينية المحتمل وتعطل قنوات التنسيق المدني والأمني ينذر بانفجار اجتماعي سينعكس مباشرة على الأمن الإسرائيلي.

حكم ذاتي

في المقابل، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد أن المطروح في أحسن الأحوال ليس دولة فلسطينية ذات سيادة إنما نوع من الحكم الإداري الذاتي، لذا فليس صحيحا أن الهدف من وراء خطة سموتريتش هو منع إقامة دولة فلسطينية مستقبلا أو قطع الطريق عليها.

وقال إن الأهداف من مشروع سموتريتش الجديد، تتمثل بالتالي:


* تفتيت الوجود الفلسطيني وطمسه وشطبه باعتبارهم أعداء، وفقا لوصف سموتريتش، ويجب اجتثاثهم ولا ينبغي التكيف والتعايش معهم".
* تفكيك السلطة وتحويلها إلى هيئات محلية، بعد أن نجح الاحتلال في فصل الضفة عن القدس، وفصل الضفة عن غزة، وإزالة وإبعاد المكونات السياسية والوطنية، والنضالية لمضامين السلطة وأدوارها.
* عدم إبقاء أي تواصل سياسي سكاني جغرافي، ما بين مركبات الوجود الفلسطيني، الذي تم التعبير عنه من خلال الخريطة بحصر 3 ملايين فلسطيني موجودين على مجمل الجغرافية الفلسطينية في 6 جزر صغيرة متناثرة، في بحر كبير من السيطرة الإسرائيلية.
* إعادة هندسة ديمغرافية جديدة وجغرافية بالضفة حيث يتم بموجبها إجبار الفلسطينيين على الهجرة من مناطق "ا" بعد أن نجح في تهجيرهم من مناطق ب و ج واستنساخ تجربة مخيمي جنين وطولكرم على بقية المخيمات وبقية القرى والبلدات بالضفة.
* الخطة تعتبر محطة متقدمة للتهجير، من خلال حشر الوجود الفلسطيني بمناطق صغيرة، تمهيدا للتهجير النهائي للخارج.
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا