آخر الأخبار

كالكاليست: إسرائيل تعاني حصارا عالميا صامتا

شارك

كشف تقرير مطول نشرته صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية الاقتصادية المختصة اليوم الأحد أن الحرب المستمرة على قطاع غزة والأزمة الإنسانية المصاحبة أدتا إلى عزلة متزايدة لإسرائيل على الصعيد الدولي، في شكل ما وصفه الخبراء بـ"الحصار الصامت".

هذا الحصار لم يُعلن رسميًا لكنه يشمل تأجيل العقود وتجميد الاستثمارات ومقاطعات أكاديمية وتجنب التعامل التجاري مع الشركات الإسرائيلية، مما شكل انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الإسرائيلي والصناعات المختلفة، فضلا عن الإضرار باستمرارية البحث العلمي والتعاون الأكاديمي الدولي.

وأشارت الصحيفة إلى أن استمرار الحرب في غزة، والتدهور الإنساني، والتحضيرات لعملية عسكرية لاحتلال قطاع غزة، أمور دفعت دولا وشركات لتجنب التعامل مع إسرائيل بشكل غير رسمي. وأشارت إلى منع دخول 150 إسرائيليا إلى مدينة ملاهٍ في فرنسا رغم حجز الزيارة مسبقا. وبينما برر المسؤولون ذلك بأسباب أمنية، كان السبب الحقيقي هو رفض مدير المدينة استقبال الإسرائيليين بسبب "مبادئ شخصية"، حسب وصف الصحيفة.

وأوضحت كالكاليست أن هذه الممارسات تتكرر في قطاعات عدة، بما في ذلك التأخير في توقيع العقود ورفض الرد على المراسلات وتأجيل الزيارات ورفض خطوط الائتمان أو الدعم المالي. وأشارت إلى أن كل ذلك يحدث دون إعلان رسمي أو سبب واضح، مما يجعل التعامل معه أكثر ضررًا من أي حصار معلن يمكن مواجهته قانونيا أو سياسيا.

ونقلت الصحيفة عن ينير أسولين، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "أستل للتجارة والتسويق" الإسرائيلية، المستوردة للمواد الصناعية، أن الشركات الأوروبية والموردين في الأردن و مصر بدؤوا بالفعل في تجنب التعامل مع إسرائيل. ولفت في حديثه للصحيفة إلى حالات متعددة، من بينها رفض مختبر القياس البريطاني "توماس بيل" الاعتراف بشهادات الجودة الإسرائيلية بسبب رسالة داخلية ذات طابع سياسي. وتابع أنه "فقط بعد تدخل مباشر مع الإدارة العليا في دبي، تم تجديد الاتفاق".

إعلان

وأضاف أسولين أن عدم قدرة معظم الشركات على مواجهة هذه المواقف بمفردها يجعل من الضروري فهم هذا الواقع للتكيف معه، مؤكدا أن ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية في إسرائيل مرتبط مباشرة بهذه الإجراءات التي تحدّ من تنوع الموردين وتزيد من صعوبة المنافسة.

وبسبب الحرب والصعوبات التي واجهتها شركته، اضطرت "أستل" قبل عام ونصف العام إلى فتح فرع في بريطانيا لتجنب الارتباط المباشر بإسرائيل. وأبلغ اثنان من الموردين الذين حاول أسولين التعامل معهم -أحدهما سويدي والآخر مصري- أن "مجلس إدارة الشركة يرفض التعامل مع إسرائيل في الوقت الحالي وحتى في المستقبل".

كما رصد تقرير الصحيفة تصعيدا تركيًّا تجاه إسرائيل، إذ بدأت أنقرة فرض قيود جديدة على التجارة البحرية، تشمل منع السفن الإسرائيلية من الرسو في الموانئ التركية، وحظر مرور البضائع الإسرائيلية بشكل غير مباشر. ووفقًا لغرف التجارة، يؤثر ذلك على الشحنات الموجهة للأردن و السلطة الفلسطينية .

وبيّن التقرير أن الموردين الأتراك، كشركة فِسْتَل، رفضوا عقد اجتماعات مع الشركات الإسرائيلية خلال المعرض الدولي للإلكترونيات الاستهلاكية والأجهزة المنزلية السنوي في برلين والذي سيعقد بعد أسبوعين، مما يعد تحولًا كبيرا مقارنة بالسنوات السابقة التي لم ينقطع فيها التعاون رغم الصراعات الإقليمية.

ونقلت الصحيفة عن مستورد إسرائيلي كبير لمعدات كهربائية قوله "كل عام لدينا اجتماعات مع ممثل فِسْتَل، ومكتبه دائمًا مزدحم. هذه المرة حاولنا، من باب اللياقة، تحديد اجتماع، لكنه تهرب ورفض لقاء العمل. عندما بدأت الأزمة، كانت فِسْتَل ترغب في العمل معنا وقالت: انسوا النظام، وسنجد حلولًا".

وأضاف أن فِسْتَل ليست الوحيدة، ولا مصنعا تركيا يريد العمل أو الإنتاج لإسرائيل.

وتعد فِسْتَل من كبريات الشركات التركية المختصة في تصنيع الأجهزة المنزلية والمهنية، وتتكون من 18 شركة متخصصة في الإلكترونيات والأجهزة الرئيسية وتكنولوجيا المعلومات.

تأثير التجويع

ووفقًا للتقرير، يواجه المصدرون والمصنعون الإسرائيليون صعوبة كبيرة في استعادة ثقة العملاء العالميين. وأشار في هذا السياق إلى تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين الذين دعوا إلى منع إدخال المواد إلى غزة، وأن مقاطعة المساعدات الغذائية تؤثر على الصورة العامة لإسرائيل، وتجعل الشركات الأجنبية تتخذ قرارات فردية بعدم التعامل مع الإسرائيليين.

ويقول الرئيس السابق لاتحاد الصناعيين رون تومر للصحيفة "الترويج الإسرائيلي فاشل للغاية، ونحن نضطر لشرح التعقيدات والظروف في غزة. ربما ننجح في مرة واحدة من كل عشر محادثات. عندما يقول وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش إنه لا يجب إدخال شبر من القمح لغزة، والعالم يرى صور الجوع هناك، فإنهم يتحملون مسؤولية هذه الصور المرتبطة بتصريحاتهم".

ويضيف تومر أن "الآثار السلبية تشمل جميع الصناعات تقريبًا، حيث يتحول الشخص الذي يشعر بالاشمئزاز من المشاهد على شبكة "سي إن إن" الأميركية إلى اتخاذ قرار شخصي بعدم شراء المنتجات الإسرائيلية، ويؤثر ذلك على الآخرين ويخلق تأثير كرة الثلج. قليل جدًا من المنتجات الإسرائيلية ليس لها بديل، ومن لا يشتري منا يشتري من آخرين".

إعلان

ولم يقتصر الحصار الصامت على الصناعات التقليدية فقط، بل وصل إلى قطاع التكنولوجيا الحيوية وعلوم الحياة. فوفقًا لمسؤول بارز في المجال، أُلغي أو أُجلت اتفاقيات دولية واستثمارات كبيرة لأسباب سياسية بحتة، وليس بسبب جودة المنتجات أو الابتكار التكنولوجي.

وينقل التقرير عن مسؤول بارز في هذا المجال أن هذا يشكل "خطرًا جديدا غير اقتصادي ولا تقني، بل هو سياسي على الشركات الإسرائيلية"، ويزيد من تعقيد إنشاء شركات جديدة أو توسيع أعمال قائمة، حيث تصبح الهوية الوطنية نفسها مصدر قلق أمام الشركاء الدوليين والمستثمرين.

ويضيف "هناك شركات تقلص تحويل الأموال لإسرائيل وتتجنب إرسال كبار مسؤوليها إلى البلاد. هذا يعني أن إسرائيل ستبقى قوة في مجالات الأمن والتكنولوجيا، ولكن المجالات الأخرى ستختفي. إسرائيل أصبحت منبوذة من الشركات، وفقط حينما ينعدم الخيار يتم التعاون معها".

التكنولوجيا والبحث العلمي

وأشار تقرير الصحيفة إلى أن الحصار الصامت امتد أيضًا إلى الأوساط الأكاديمية، وإلى أن هناك تهديدات بإيقاف مشاركة إسرائيل في مشاريع هورايزون البحثية الكبرى أو تعليقها جزئيًا، معتبرا أن استمرار الحرب في قطاع غزة والأزمة الإنسانية جعلا مهمة الداعمين لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي شبه مستحيلة، خاصة مع انخفاض الدعم من ألمانيا وإيطاليا.

كما سجل التقرير أن بعض الجامعات الأوروبية، مثل جامعة غينت في بلجيكا وجامعة فالنسيا في إسبانيا، أعلنت مقاطعة مشاريع بحثية تشمل مؤسسات إسرائيلية، مما أثر على عدد المنشورات العلمية. أما بالنسبة لهورايزون فقد انخفض معدل المنشورات التي يشارك فيها الباحثون الإسرائيليون عالميًا بنسبة 21% خلال عامين، في حين تراجعت منح هورايزون للباحثين الجدد بنسبة 70%، بحيث تقلصت من 29 منحة في 2024 إلى 9 فقط في 2025، مما يعكس التأثير المباشر للحصار الصامت على مكانة البحث العلمي الإسرائيلي.

ووفقًا لوزارة العلوم الإسرائيلية، فقد انخفض معدل المنشورات التي يشارك فيها باحثون إسرائيليون عالميًا بنسبة 21% خلال عامين، من 142 لكل ألف في 2022 إلى 111 لكل ألف في 2024، وهو أدنى معدل منذ 2017.

كما أشار خبراء إلى أن الحرب أدت إلى رفض الأبحاث الإسرائيلية في المجلات العلمية الرائدة في مجالات الرعاية الاجتماعية بسبب عدم اتخاذ الباحثين مواقف ضد الحرب، مما يعكس تأثير الحصار الصامت على سمعة البحث العلمي في إسرائيل.

وذكر التقرير أيضا أنه في يونيو/حزيران الماضي، عُلّقت عضوية الجمعية الإسرائيلية لعلم الاجتماع في الاتحاد الدولي للعلماء بسبب عدم إدانتهم أفعال إسرائيل في غزة. وأكد أنه سُجل 700 مقاطعة ضد علماء إسرائيليين في الجمعية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى مايو/أيار الماضي، في حين أعلنت 20 جامعة رسميًا مقاطعتهم. وأوضح أن هذه المقاطعات تشمل رفض مراجعة مقالات أو قبول محاضرين إسرائيليين، أو دعوتهم للمؤتمرات.

الائتمان والاستثمارات

وبيّن التقرير أن شركات الطاقة، على الرغم من توقيعها بعض العقود الكبيرة مؤخرا، بدأت تواجه صعوبات غير معلنة في تجديد خطوط الائتمان مع البنوك الأوروبية، حيث تعرقلت بعض المشاريع بسبب عدم رغبة بعض البنوك في التعامل مع إسرائيل. وبينما حاولت الشركات الضغط للحصول على تفسير رسمي، فإن البنوك اكتفت بإجابات رسمية جافة تتجاوز الأسباب الحقيقية.

كما أشار التقرير إلى تأخر وصول الخبراء الأجانب لإنشاء محطات كهرباء أو خطوط أنابيب الغاز، مما أثر على جدولة المشاريع في إسرائيل، ورغم أن جزءا من التأخير مرتبط بالوضع الأمني، فإن هناك خشية من أن يكون جزء منه بسبب رفض الشركات الأجنبية العمل مع إسرائيل.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل حرب غزة الإمارات

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا