آخر الأخبار

المجاعة في غزة: ما المنتظر من القانون الدولي بعد تقرير هيئة تابعة للأمم المتحدة؟

شارك
مصدر الصورة

في سابقة هي الأولى منذ بدء الحرب، أعلنت هيئة مدعومة من الأمم المتحدة رسمياً المجاعة في قطاع غزة، مؤكدة أن نصف مليون شخص يواجهون خطر الجوع "الكارثي". ويأتي هذا الإعلان بعد شهور من التحذيرات المتصاعدة من منظمات الإغاثة والخبراء بشأن التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية داخل القطاع.

وبينما تواصل الأمم المتحدة تحميل إسرائيل مسؤولياتها القانونية، تنفي السلطات الإسرائيلية وجود مجاعة وتشكك في مصداقية التقارير الدولية.

وفي أول تعليق له عقب إعلان التقرير، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الحاجة إلى "وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن، ووصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل ودون عوائق"، مضيفاً أن إسرائيل "مُلزمة قطعاً بموجب القانون الدولي بتأمين وصول الإمدادات الغذائية والطبية إلى السكان" في القطاع.

أما إسرائيل فاعتبرت التقرير قائماً على "أكاذيب حماس التي تغسلها منظمات لها مصالحها الخاصة"، مضيفة أن "تدفق المساعدات مؤخراً أدى إلى انخفاض حاد في أسعار الأغذية".

وقالت إن التقرير "سيوضع في سلة المهملات المزرية للمستندات السياسية".

ورفضت الهيئة التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية التي تُشرف على الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية، والمعروفة باسم كوغات "رفضاً قاطعاً الادعاء بوجود مجاعة في قطاع غزة، وخاصة في مدينة غزة"، واتّهمت معدِّي التقرير بـ "عدم الدقة، والاستناد إلى بيانات جزئية وتجاهل المعلومات المقدمة لهم".

بعد احتجاجات عالمية ضد قيود صارمة فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات منذ مارس/آذار، بدأ الجيش الإسرائيلي السماح بدخول المزيد من الغذاء إلى غزة في أواخر يوليو/تموز، لكن وكالات أممية ذكرت في وقت سابق أن "الكميات ضئيلة للغاية والتوزيع فوضوي جداً".

وتواصل أرقام الوفيات الارتفاع، فحتى 21 أغسطس/آب، سجلت وزارة الصحة في غزة 271 وفاة، بينهم 112 طفلاً، إضافة إلى 2018 قتيلاً وقرابة 15 ألف مصاب خلال محاولاتهم الحصول على مساعدات.

التجويع في القانون الدولي الإنساني: جريمة حرب؟

تقول إنجي أبو العيون، المستشارة القانونية الرئيسية بمركز القانون الدولي الإنساني التابع لمنطقة الشرق الأوسط، إن وصف حالة المجاعة في سياق النزاعات المسلحة يخضع لمعيار أساسي يتعلق بـ"النقص الحاد في الغذاء والمواد الأساسية بما يهدد بقاء المدنيين على قيد الحياة"، مشيرة إلى أن هذه الحالات غالباً ما تتفاقم نتيجة "عرقلة وصول المساعدات الإنسانية".

وتضيف لبي بي سي أن "القانون الدولي الإنساني يحظر صراحة استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب"، مؤكدة أن المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول والمادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1977 تنصّان بوضوح على هذا الحظر، وأن "استخدام التجويع يُعد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

وتشدد على أن "القانون الدولي العرفي يعترف كذلك بهذا الحظر كالتزام ملزم لجميع أطراف النزاع، مع وجوب ضمان وصول الغذاء والإغاثة دون عوائق"، لافتة إلى أن "مهاجمة أو تدمير أو تعطيل الأعيان الضرورية لبقاء المدنيين، كالأراضي الزراعية والماشية ومرافق المياه وشبكات الري، يُعدّ انتهاكاً واضحاً".

ورغم وضوح القواعد، ترى أبو العيون أن "التحدي الحقيقي يكمن في المساءلة والتنفيذ"، مؤكدة أن "غياب الإرادة السياسية، لا سيما عند دعم أطراف فاعلة دولياً لأحد أطراف النزاع، غالباً ما يعرقل تطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين".

ماذا يقول القانون الدولي عن التزامات طرفي الحرب؟

مصدر الصورة

رغم إعلانه الذي يوصف بالتاريخي، لا يترتب على تقرير الأمم المتحدة التزامات قانونية جديدة على أطراف النزاع، بحسب ما توضح المستشارة القانونية.

وتقول أبو العيون إن الإعلان "يسلط الضوء على خطورة الأزمة الإنسانية، لكنه لا يُنشئ التزامات قانونية إضافية، لأن هذه الالتزامات قائمة أصلاً بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العرفي".

وتشمل تلك الالتزامات "حماية المدنيين، وضمان وصول الغذاء والمساعدات الإنسانية، ومنع استخدام التجويع كسلاح حرب، إضافة إلى حماية الأشياء الضرورية لبقاء السكان".

وخلصت إلى أن "الإعلان يؤكد وجود عناصر المجاعة، ويضيف ضغطاً قانونياً وسياسياً على جميع الأطراف للامتثال للقانون، ويُبرز أن أي إخفاق قد يرقى إلى جرائم حرب".

وعن مسؤولية طرفي الحرب في ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، تجيب أبو العيون بأن الطرفين ملزمان قانونياً بضمان مرور آمن وسريع ودون عوائق للمساعدات الإنسانية، بموجب اتفاقيات جنيف والقانون الدولي العرفي.

وتضيف أن العرقلة المتعمدة أو المستمرة للمساعدات – سواء عبر القيود أو الهجمات أو الرفض الإداري – تُعد انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف، وقد ترقى إلى جريمة حرب وفق نظام روما الأساسي.

وتوضح أن المسؤولية الجنائية قد تطال القادة السياسيين والعسكريين، بمن فيهم من يضع السياسات أو يأمر بتنفيذها أو يتغاضى عنها، وصولاً إلى الأفراد الميدانيين الذين يمنعون مرور الإغاثة.

كيف يُعاقب القانون استخدام التجويع كسلاح حرب؟

تقول أبو العيون لبي بي سي إن إثبات استخدام التجويع كوسيلة ضغط أو كسلاح في النزاع يمثل "واحداً من أخطر انتهاكات القانون الدولي الإنساني"، ويُعد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وتشرح أن القاضي المختص بنظر الدعوة، سواء في المحكمة الجنائية الدولية أو في أي محكمة وطنية تطبق الولاية القضائية العالمية، هو المسؤول عن إثبات تعمّد استخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب، بالاستناد إلى تقرير الأمم المتحدة وأي تقارير أخرى داعمة، سواء صدرت عن هيئات أممية أو عن مصادر ميدانية.

وتؤكد أن المسؤولين عن هذه الأفعال يمكن ملاحقتهم قانونياً أمام المحكمة الجنائية الدولية، أو المحاكم الوطنية التي تطبق الولاية القضائية العالمية، بالإضافة إلى آليات تحقيق تابعة للأمم المتحدة مثل لجان تقصي الحقائق.

وتشير إلى أن التاريخ يحمل سوابق واضحة في هذا المجال، حيث أدانت محاكم نورمبرغ التجويع المتعمد للمدنيين كوسيلة حرب، فيما أكدت المحكمة الجنائية ليوغوسلافيا والمحكمة الجنائية لرواندا على حظر استخدام التجويع ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وتضيف أن الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية "تواصلان التحقيق في حالات مشابهة في مناطق مثل جنوب السودان وسوريا وفلسطين"، مما يؤكد التطبيق المستمر والحازم لهذا الحظر.

وختمت بالقول إن "التجويع ليس تكتيكاً مشروعاً في الحرب، بل جريمة تترتب عليها مسؤولية جنائية شخصية على جميع المستويات".

"لحظة عار جماعي"

مصدر الصورة

أكد المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك الجمعة أن "تجويع الناس لأغراض عسكرية يعد جريمة حرب".

وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، إن مجاعة غزة "ينبغي أن تؤرقنا جميعاً"، مؤكداً أنه "كان من الممكن تفاديها" لولا "العرقلة الممنهجة من إسرائيل" التي منعت دخول المساعدات. وأضاف: "إنها لحظة عار جماعي".

وقالت جانيت بيلي مسؤولة التغذية لدى لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة إغاثة مقرها نيويورك "نشهد أسوأ كارثة إنسانية على الإطلاق يمكن قياسها".

وأضافت لرويترز: "سيموت عدد أكبر بكثير من الأطفال، وعدد أكبر بكثير من النساء الحوامل والمرضعات اللاتي يعانين من سوء التغذية".

ترفض إسرائيل التقارير عن انتشار سوء تغذية بين الفلسطينيين في غزة، وتشكك في أرقام الوفيات الناجمة عن الجوع التي تعلنها وزارة الصحة في القطاع قائلة إن الوفيات ناجمة عن أسباب طبية أخرى.

جدل حول مسؤولية سوء التغذية في غزة

مصدر الصورة

قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الجهة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن المساعدات، في بيان صدر في 12 أغسطس/آب، إن معظم الوفيات التي عزتها السلطات الصحية الفلسطينية إلى سوء التغذية ناجمة عن حالات طبية أخرى.

ويقول خبراء سوء التغذية إن الوفيات بين الذين يعانون من مشاكل صحية بالفعل أمر شائع في المراحل المبكرة من أزمة الجوع.

وأقرت إسرائيل بنقص الغذاء لكنها تلقي باللوم على الأمم المتحدة وتقول إن المنظمة فشلت في توزيع الإمدادات بكفاءة، وتتهم حماس أيضاً بسرقتها، وهو ما تنفيه الجهتان.

وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق إن مراجعة رسمية أجرتها إسرائيل لم تجد "مؤشرات على انتشار ظاهرة سوء التغذية بين سكان غزة"، مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي يتصرف "للسماح بتسهيل استمرار دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وفقاً للقانون الدولي".

وقال إسماعيل الثوابتة المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة لرويترز إن الحكومة ترى أن ظروف المجاعة "أخطر" مما ورد في التقارير.

وأضاف "حماس حريصة أكثر من أي جهة أخرى على تدفق المساعدات إلى غزة ووصولها إلى شعبنا".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا