آخر الأخبار

حرب السودان:مأساة الفاشر مستمرة، أم تقول إنها "فقدت ابنتي بسبب انعدام الدواء"

شارك
مصدر الصورة

في مطلع شهر أغسطس/آب الحالي، هاجمت قوات الدعم السريع مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور من عدة مواقع مستخدمة المدافع الثقيلة والمسيرات الانتحارية في مسعى منها للسيطرة على المدينة التي تعتبر آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور.

وخلال الهجوم أصيبت الطفلة أم سلمة البالغة من العمر 10 سنوات في رأسها برصاصة أصابتها أثناء تحركها في فناء منزلها بمخيم أبوشوك للنازحين الذي يقع داخل المدينة، كما أخبرتني والدتها.

والاتصالات بالغة الصعوبة في مدينة الفاشر، التي ظلت ترزح تحت حصار قوات الدعم السريع لأكثر من عام. لكن تمكنت من الحديث مع حليمة والدة أم سلمة عبر وسيط باستخدام القمر الصناعي "ستارلينك" الذي يعتبر المصدر الوحيد لخدمة الانترنت هناك.

أبلغتني أنها فقدت ابنتها بسبب عدم تمكنها من إيجاد الدواء اللازم لعلاجها من إصابتها الخطيرة.

قالت "بعد أن أصابتها الرصاصة في رأسها أخذتها على الفور في عربة تجرها الدواب إلى المركز الصحي الوحيد الذي يقع خارج المخيم، وصلنا بعد معاناة شديدة. كانت أصوات المدافع والمسيرات عالية ومخيفة، إحدى المسيرات استهدفت منزلاً ودمرته وقتلت كل من فيه".

وتابعت "بعد وصولنا إلى المركز الصحي وجدنا ممرضاً واحداً كان مختبئاً تحت طاولة خوفاً من الاستهداف. خرج إلينا مذعوراً، تفحّص مكان إصابة ابنتي وقال إن حالتها خطيرة بسبب استمرار النزيف، مؤكداً أنه عاجز عن فعل شيء لغياب الأدوية اللازمة لاستخراج الرصاصة. حاول إيقاف النزيف بقطعة قماش مهترئة لكن دون جدوى. رجوته أن يفعل أي شي حتى ينقذ حياة ابنتي، لكنه أبدى أسفه".

حليمة أضافت: "بقينا على حالنا في المركز ولم أتمكن من الذهاب إلى مكان آخر، وجلست إلى جانب ابنتي حتى فارقت الحياة بسبب انعدام الدواء. انتظرنا حتى هدأ القتال وأصوات المدافع والرصاص، وخرجنا عائدين إلى المنزل ومعي جثة ابنتي الوحيدة".

"كارثة إنسانية"

قصة أم سلمة ليست استثناءً، فهي تشبه قصصاً كثيرة شهدتها الفاشر نتيجة نقص الأدوية وسط الاشتباكات العنيفة المستمرة منذ أكثر من عام بين الجيش السوداني وحلفائه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.

رسمت شبكة أطباء السودان التي تعمل في مجال العمل الإنساني الطبي، صورة شديدة القتامة للأوضاع الإنسانية في المدينة.

وقالت في بيان إن "الوضع في الفاشر ينذر بكارثة إنسانية بسبب انعدام المعينات الطبية والأدوية".

وأضاف البيان الذي نُشر على حساب شبكة أطباء السودان في فيسبوك أن "آلاف المواطنين يواجهون خطر الموت بسبب النقص التام في الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، وسط تزايد مستمر للحالات المرضية والإصابات، وعجز الكوادر الطبية عن تلبية احتياجات المرضى".

مصدر الصورة

"أمراض فتاكة"

انتشرت الأمراض على نطاق واسع في الفاشر ومعظم مناطق شمال دارفور لا سيما الكوليرا والملاريا.

وتقول تقارير وزارة الصحة الحكومية إن عدد الإصابات بمرض الكوليرا وصل إلى أكثر من 7 آلاف إصابة، وتوفي منهم نحو 400 شخص.

ومع استمرار القتال في الفاشر توقفت غالبية المستشفيات عن العمل باستثناء المستشفى السعودي والجنوبي وهما يعملان في ظروف بالغة الصعوبة كما يقول أحد الأطباء العاملين.

ويقول الطبيب الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه خوفاً من أي أعمال انتقامية إن "المستشفيات تعاني نقصاً هائلاً في الأدوية والمستلزمات الطبية".

وأضاف "للأسف الكثير من المرضى توفوا نتيجة عدم توفر العلاج وخاصة الأطفال وكبار السن. يصدف في اليوم أن يموت أكثر من عشرة أشخاص في المستشفى نتيجة ذلك".

ويقول وزير الصحة في إقليم دارفور بابكر حمدين إن عدد الوفيات الناتج عن الأمراض مرتفع للغاية.

مشيراً إلى أن "شح الدواء ونقص الكوادر الطبية يفاقم من معاناة المرضى وهو سبب مباشر في الوفيات". كما اتهم قوات الدعم السريع بالتسبب في موت المدنيين بشكل متعمد لأنها "تفرض حصاراً على الفاشر منذ فترة طويلة، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية بما فيها الأدوية، وهذا عمل يرقى إلي جرائم الحرب"، بحسب تعبيره.

"مقاتلون لا مدنيون"

مصدر الصورة

الحكومة السودانية ليست وحدها من أطلقت نداءات للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، إذ فعلت ذلك أيضاً جهات محلية ودولية، آخرها شبكة أطباء السودان التي دعت إلى توفير الأدوية الضرورية، خاصة علاجات الأمراض المزمنة، والمضادات الحيوية، وأدوية الطوارئ المنقذة للحياة.

كما طالبت بـ "تدخل فوري وعاجل من المنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية، بالتنسيق مع السلطات المحلية، لتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية، وفتح ممرات إنسانية آمنة لإيصال الإمدادات الطبية دون عوائق، بالإضافة إلى دعم الكوادر الطبية العاملة في ظروف قاسية وبإمكانات شبه معدومة".

وقبلها طالبت وكالة الأغذية العالمية التابعة للأمم المتحدة السماح بإدخال الشاحنات المحملة بمئات الأطنان من المساعدات الإنسانية للمدينة.

وقالت المتحدثة باسم البرنامج ليزا كينزا لبي بي سي إنهم "في انتظار الموافقات من قبل قوات الدعم السريع لإدخال المساعدات"، مشيرة إلى أن السلطات السودانية سمحت باستقدام المساعدات بعد اكتمال الإجراءات المطلوبة.

وتنفي قوات الدعم السريع تسببها في مقتل المدنيين، إذ قال متحدث باسمها محمد المديخير لبي بي سي إن القوات "وفرت ملاذات آمنة لخروج المدنيين حتى لا يتعرضوا للقتل من جانب قوات الجيش والفصائل المتحالفة معه".

ويضيف المديخير أن "الآلاف توجهوا إلى منطقة طويلة حيث وفرنا لهم المأوى والطعام والأدوية، ومن بقوا في المدينة هم مقاتلون وليسوا مدنيين ولسنا مستعدين لتقديم المساعدات لجنود يودون قتلنا".

رغم هذه التأكيدات، اشتكى مواطنون كثر من انتهاكات تعرضوا لها من قبل قوات الدعم السريع خلال خروجهم من الفاشر وتوجههم إلى منطقة طويلة، ووثقت مجموعة محامي الطوارئ، وهي منظمة معنية بحقوق الإنسان، تعرض العديد من الفارين لانتهاكات شملت القتل على الهوية، والنهب، واغتصاب النساء والفتيات.

وسط كل ذلك تظل الأوضاع الإنسانية في الفاشر مهددة بالتفاقم مع استمرار النزاع المسلح، وعدم التوصل إلى اتفاق يسمح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى المدينة المحاصرة منذ أكثر من عام.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا