آخر الأخبار

المشهد السوري بين دروز الداخل ودبلوماسية القوة الإسرائيلية

شارك
شهدت السويداء معارك خلال الأيام الأربعة الماضية

في منعطف استثنائي من مسار الأزمة السورية، دخلت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، واجهة الأحداث، لتتحول من منطقة ظل سياسي وعسكري إلى قلب الإعصار. وذلك عقب تصاعد غير مسبوق في المواجهات، وانسحاب الجيش السوري، وتصاعد الضربات الإسرائيلية، وسط تحركات إقليمية ودولية باتت تعيد رسم معادلة الجبهات الجنوبية.

في هذا السياق المشتعل، تتقاطع شهادات المراسلين والمحللين مع الوقائع الميدانية، ليرسم المشهد المعقّد تحولات استراتيجية ترتبط بمستقبل سوريا وبنية أمنها الداخلي، كما بتوازنات الإقليم.

انسحاب الجيش وقلق مدني

قال مراسل سكاي نيوز عربية من دمشق، عماد الأطرش، خلال مداخلة مع برنامج "رادار"، إن العاصمة السورية تعيش حالة ترقّب مشوب بالقلق إزاء وقف إطلاق النار المعلن في السويداء. وأوضح الأطرش أن وزارة الدفاع السورية كانت قد أعلنت رسميا انسحاب القوات الحكومية من المدينة، تزامنا مع خطاب للرئيس السوري أحمد الشرع لم يتجاوز 7 دقائق، تطرّق فيه إلى أحداث الجنوب والضربات الإسرائيلية التي طالت مواقع سيادية، من بينها مقر وزارة الدفاع وهيئة الأركان.

وأضاف الأطرش أن الشارع السوري، وتحديدا أبناء الطائفة الدرزية في جبل العرب، يتابعون عن كثب مصير اتفاق التهدئة، على أمل أن يكون صامدا وقادرا على تطويق آثار العنف، الذي أفضى إلى مئات الضحايا خلال أيام معدودة.

الرؤية الإسرائيلية: دبلوماسية بالقوة

من جانبه، قدّم محرر الشؤون الإسرائيلية في سكاي نيوز عربية، نضال كناعنة، تحليلا معمقا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أعلن فيها أن إسرائيل "فرضت وقف إطلاق النار بالقوة" في السويداء، مؤكدا أن بلاده تحقق السلام والأمن والهدوء على 7 جبهات بالقوة.

وأكد كناعنة أن نتنياهو لم يُخفِ استعراضه لإنجازات إسرائيل في سوريا كجزء من سياسة "دبلوماسية تحت النار"، مشيرا إلى أن خطاب نتنياهو تضمّن إعادة رسم خطوط حمراء تشمل نزع سلاح الجنوب السوري، وإبعاد الجيش السوري عن المحافظات الجنوبية الثلاث، وحماية الطائفة الدرزية.

وأشار كناعنة إلى أن هذا الخطاب موجّه للداخل والخارج معا؛ فداخليا، يسعى نتنياهو لتثبيت صورته كـ"سيد الأمن الإسرائيلي"، خاصة بعد انسحاب حزبين من ائتلافه الحاكم، وخارجيا، يستخدم أدوات الضغط العسكري لتفاوض دمشق من موقع القوة، في إطار سعيه إلى فرض شروط إسرائيلية في التسوية المحتملة.

من الجولان: مشهد حدودي مشحون

على الأرض، كان للمراسل فراس لطفي تغطية مباشرة من الجولان، حيث رصد حالة استنفار إسرائيلية غير مسبوقة. وأوضح أن إسرائيل عززت وجودها العسكري، وأقامت مكعبات إسمنتية وجدرانا إضافية على طول السياج الحدودي، لمنع تدفق الدروز إلى الداخل السوري.

وأشار لطفي إلى أن التحركات الدرزية، التي بدأت بنزعة غاضبة تجاه أبناء الطائفة في السويداء، تحولت إلى مشهد إنساني بامتياز، مع سعي العديد من العائلات الدرزية إلى لقاء أقاربها في الداخل السوري. لكنه شدّد على أن إسرائيل، رغم دخول التهدئة حيّز التنفيذ، تنظر بعين الريبة إلى مستقبل الوضع، وتعمل على فرض واقع جديد على الأرض، من خلال تثبيت منطقة أمنية عازلة.

إسرائيل ترسم الخطوط: رسائل بالجملة

في قراءته لتحولات الموقف الإسرائيلي، أوضح كناعنة أن ما يحدث ليس معزولا عن رغبة نتنياهو في العودة إلى نهج الردع. ففي وقت تتجه فيه الحكومة الإسرائيلية نحو اتفاق دبلوماسي في غزة، يحاول نتنياهو تعويض ذلك باستعراض القوة على الساحة السورية.

ويرى كناعنة أن نتنياهو يسعى إلى إيصال رسائل متعدّدة: أولها للقيادة السورية، مفادها أن أي اقتراب من حدود إسرائيل الجنوبية سيُواجه بالقوة؛ وثانيها للمجتمع الدولي، أن تل أبيب مستعدة لاستخدام أدواتها العسكرية من دون تردد؛ أما الرسالة الأهم فموجّهة للداخل الإسرائيلي، حيث يحتاج نتنياهو إلى تجديد شرعيته السياسية وسط الأزمة التي يواجهها.

فوضى السويداء: سؤال الأمن المحلي

يقول عمد الأطرش إن الأمل معقود على التهدئة في السويداء، خاصة في ظل الانكشاف الأمني الذي شهدته المحافظة، عقب انسحاب الجيش السوري منها، وسيطرة الفصائل الدرزية المحلية على الوضع. هذه الفصائل، رغم دورها في استعادة قدر من الاستقرار، تبقى غير قادرة على ضبط التوترات في حال عادت الاشتباكات أو امتدّت رقعتها.

ومع مقتل أكثر من 370 شخصا، بحسب المرصد السوري، خلال الأيام الأربعة من المواجهات، فإن السؤال المطروح اليوم في الشارع السوري هو: من يحمي السويداء؟ هل هي بداية استقلال ذاتي؟ أم أنها مرحلة مؤقتة في مشهد أمني قابل للانفجار في أي لحظة؟

دروز الداخل.. بين الهويّة والحدود

من جهته، وصف فراس لطفي مشهد الحدود بالجولان بـ"الفوضوي"، خاصة مع دخول وخروج العشرات من العائلات الدرزية في الأيام الماضية. وأشار إلى أن الكثيرين عبروا الحدود من منطلق إنساني، للقاء ذويهم في السويداء، لكن المشهد تحوّل تدريجيا إلى مصدر قلق أمني لإسرائيل.

وعززت تل أبيب إجراءاتها على طول خط فض الاشتباك، ليس فقط لمنع تسلّل الأفراد، ولكن أيضا ضمن سياسة أمنية أوسع تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض. وقال لطفي إن الجيش الإسرائيلي تلقى أوامر من رئيس الأركان إيال زمير بتشديد الاستعدادات تحسبا لأي طارئ داخل الأراضي السورية.

التهدئة الهشة.. من يرعاها؟

وسط هذا المشهد المعقد، برزت تركيا كلاعب غير مباشر في المعادلة. فقد نقلت مصادر أمنية تركية أن جهاز المخابرات في أنقرة أجرى اتصالات مباشرة مع زعماء الدروز في سوريا، كما أجرى رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن محادثات مع نظرائه في واشنطن وتل أبيب ودمشق، ومع الرئيس السوري نفسه.

هذا الدور التركي، وإن لم يُعلن رسميا، يعكس إدراك أنقرة لتداعيات الفوضى في الجنوب السوري على أمن حدودها وتوازنات شمال البلاد. كما أنه يعيد تركيا إلى قلب معادلة الحل السياسي، من بوابة الجنوب هذه المرة.

مجلس الأمن يدخل على الخط

في تطوّر دبلوماسي لافت، دعت دمشق إلى جلسة طارئة في مجلس الأمن الدولي، لبحث التصعيد الإسرائيلي الأخير. ووصفت وزارة الخارجية السورية الغارات على وزارة الدفاع ومواقع أخرى بأنها "تصعيد خطير"، يستوجب ردا دوليا.

غير أن مراقبين يرون أن تأثير هذه الدعوة سيكون محدودا، في ظل غياب توافق دولي حول مستقبل سوريا، والانقسام الحاد داخل المجلس بشأن الملف السوري.

السويداء وميزان الإقليم

ما يجري في السويداء ليس حدثا محليا معزولا، بل لحظة كاشفة عن توازنات جديدة تتشكل في سوريا. ف الجيش السوري يعيد تموضعه، والطائفة الدرزية تطالب بمخارج إنسانية وسياسية، وإسرائيل تفرض خطوطها بالقوة، بينما تتدخل قوى إقليمية من خلف الستار.

وحدها الحقيقة المؤكدة هي أن السويداء، التي كانت تُعد لفترة طويلة هامشا آمنا في الجغرافيا السورية، أصبحت اليوم مركزا للقرار وللصراع معا، بانتظار ما ستسفر عنه التحركات الدبلوماسية والعسكرية في قادم الأيام.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا