آخر الأخبار

إيران تواجه شبح العقوبات بعد التهديد الأوروبي بتفعيل آلية الزناد 

شارك





طهران- عاد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) في ذكراه العاشرة إلى واجهة الأحداث الدولية، بعدما أطلقت الأطراف الأوروبية تهديدات مباشرة بتفعيل " آلية الزناد "، التي تعني بالمحصلة إعادة فرض جميع العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق.

وجاءت التهديدات الأوروبية ردا على تدهور مستوى التعاون بين طهران و الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، إثر قرار إيران تعليق تعاونها مع الوكالة، عقب العدوان الإسرائيلي على منشآتها الحيوية الشهر الماضي.

ويأتي التصعيد الأوروبي في وقت بالغ الحساسية، وبعد الهجوم العسكري غير المسبوق الذي شنته إسرائيل، بمشاركة الولايات المتحدة على إيران، والذي استهدف 3 من أهم المفاعلات النووية الإيرانية فوردو ، و نطنز ، و أصفهان ، إضافة إلى مواقع عسكرية وغيرها.

وكان الهجوم الإسرائيلي صادما ومباغتا، إذ جاء في وقت كانت فيه طهران تتفاوض مع واشنطن بشكل غير مباشر، وتحديدا قبل يومين فقط من بدء الجولة السادسة من المفاوضات، إذ قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي فيما بعد إن المفاوضات كانت قريبة جدا من التوصل إلى اتفاق.

كما قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن واشنطن كانت قد أكدت لهم أنه لن يكون هناك هجوم إسرائيلي خلال المفاوضات، مضيفا أن الولايات المتحدة أطلقت قنبلة على طاولة الحوار، لتستمر الحرب بعدها 12 يوما، لتعلن بعدها طهران وقف تعاونها الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كرد أولي على ما وصفته بـ"عدوان خارجي منظم يستهدف مشروعها السلمي".

آلية الزناد

تعرف "آلية الزناد" أو (Snapback Mechanism)، بأنها أداة قانونية نصّ عليها قرار مجلس الأمن 2231 الذي صادق على الاتفاق النووي عام 2015 .

وتمنح هذه الآلية أي طرف مشارك في الاتفاق (مثل فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا) الحق في إعادة العقوبات الأممية تلقائيا على إيران، في حال اعتُبرت أنها غير ملتزمة بتعهداتها النووية.

إعلان

وبموجب هذه الآلية، يتم تقديم إخطار رسمي لمجلس الأمن، وتبدأ مهلة 30 يوما للتفاوض، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق داخل المجلس خلال تلك المدة، تُعاد تلقائيا جميع العقوبات الدولية التي رُفعت بموجب الاتفاق، من دون الحاجة لتصويت جديد.

وتثير هذه الآلية جدلا قانونيا كبيرا، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، وهو ما دفع إيران للتشكيك في أهلية أي طرف لتفعيلها، خصوصا من لم يفِ بالتزاماته.

مصدر الصورة خبراء يتوقعون أن ترد إيران باستبعاد الدول الأوروبية من مسار المفاوضات في حال فُعلت آلية الزناد (غيتي)

موقف طهران

بعد أن تداول الإعلام، التهديدات الأوروبية بتفعيل آلية الزناد خلال اليومين الماضيين، أكد نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية كاظم غريب آبادي، أن طهران لم تتلقَّ أي إشعار رسمي من الترويكا الأوروبية بذلك.

وحذر من أن أي "خطوة كهذه ستدفع الأوروبيين خارج الملعب الدبلوماسي تماما"، وقال "بكل غطرسة ووقاحة، يقول الأوروبيون إن إيران لم تلتزم، ويريدون استخدام أدوات الأمم المتحدة ضدنا، ونحن سنرد على ذلك".

وأضاف غريب آبادي أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية غادروا إيران منذ الهجوم، ولا يوجد أي منهم حاليا داخل البلاد، وهو مؤشر على عمق التوتر بين الطرفين.

ويُذكر أن طهران اتهمت بشكل صريح الوكالة الذرية بالتعاون مع إسرائيل وتزويدها بمعلومات حساسة استخدمتها في هجومها على البلاد.

أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، فاعتبر في مؤتمره الصحفي الأسبوعي يوم أمس أن التهديد باستخدام آلية الزناد "عمل سياسي بحت يُستخدم كأداة ضغط"، مؤكدا أن إيران "سترد بالشكل المناسب".

وأضاف أن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتصرف بشكل انتقائي، وتتغاضى عن انتهاكات الطرف المقابل"، مشددا على أن إيران لا تزال تعتبر نفسها طرفا في خطة الاتفاق النووي، لكنها قلّصت التزاماتها ردا على ما وصفه بـ"الانتهاكات الصارخة" للاتفاق من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهو حق يكفله نص الاتفاق، وفق تعبيره.

الأبعاد القانونية

تعليقا على هذه التطورات، يقول أستاذ العلوم السياسية مصطفى نجفي في حديث للجزيرة نت إن إيران تدرك تبعات تفعيل آلية الزناد والعودة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، ولذلك تبذل جهودا دبلوماسية لمنع ذلك، وهذا يشير إلى أن طهران لا تزال تحاول البقاء ضمن أطر الاتفاق النووي ومجلس الأمن، وتسعى لاحتواء تداعيات هذه الخطوة.

لكن نجفي يرى أن الهجوم الأميركي الإسرائيلي على إيران غيّر مقاربة طهران، فبينما كان يُنظر في السابق إلى الفصل السابع على أنه بوابة محتملة للحرب، فإن وقوع الهجوم بالفعل جعل "آلية الزناد" تبدو كأنها إجراء موازٍ للحرب وليس تمهيدا لها.

وأشار إلى أن إيران لم تعد تخشى التبعات العسكرية لعودة العقوبات كما في السابق، رغم استمرارها في العمل دبلوماسيا لعرقلة تفعيل الآلية.

وأضاف أن هناك من قد يرى أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام إجماع دولي ضد إيران، لكن في طهران يسود اعتقاد بأن الهجوم الذي استهدف أراضيها تم أصلا ضمن توافق واسع في الغرب، قادته إسرائيل، وبالتالي فإن أي إجماع جديد لن يتجاوز ما جرى مؤخرا من حيث الحجم أو الأثر.

إعلان

وختم نجفي بالقول إن تفعيل آلية الزناد، إلى جانب كونه تطورا مقلقا لإيران، يحمل أيضا تبعات خطيرة على استقرار المنطقة، وقد يعرّض أمنها لمخاطر جدية.

السيناريوهات المقبلة

وفي ما يتعلق بتداعيات هذا التصعيد، يرى الباحث السياسي عرفان بجوهنده أن تفعيل آلية الزناد لا يجب اعتباره خطوة منفصلة عن تحركات الولايات المتحدة وإسرائيل، بل يُعد جزءا من منظومة أوسع تتبناها القوى الغربية في تعاملها مع الملف الإيراني.

وقال بجوهنده للجزيرة نت إن ما يتردد على لسان المسؤولين في طهران وواشنطن و تل أبيب يُظهر أنه لا يوجد طرف من الأطراف يرى نفسه في موقع التنازل عن خطوطه الحمراء، بل يسعى كل طرف لترسيخ ميزان قوى ميداني يدفع الطرف الآخر للقبول بتلك الخطوط.

واعتبر أن تفعيل الآلية يشكل استمرارا أو استكمالا للسيناريو الفاشل الخاص بالهجوم على إيران، مشيرا إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد عدة سيناريوهات محتملة، تختلف في طبيعتها وتبعاتها على إيران والمنطقة، لكنه يمضي مفصلا في 3 سيناريوهات.

يتمثل السيناريو الأول باستخدام التفعيل كأداة لتهيئة الأجواء لزيادة الضغط الداخلي على إيران، من خلال إنهاك المجتمع الإيراني، وإثارة الانقسامات، وحتى التحريض على الفوضى عبر الترويج الإعلامي، واغتيال شخصيات مؤثرة، وأعمال تخريبية، وربما شن ضربات محددة في حال ضعف الرد الإيراني.

ويضيف أن المرحلة القصوى لهذا السيناريو قد تشمل تفعيل جماعات إرهابية وإرسالها داخل الأراضي الإيرانية، لكنه يستبعد أن يؤدي ذلك إلى انهيار اقتصادي أو زعزعة حقيقية لاستقرار الحدود، لعدم تمتع هذه الجماعات بشرعية داخلية، ولأن القوة العسكرية الإيرانية لم تصل إلى مرحلة ضعف حرجة.

ويُحذر من أن العراق قد يتحول إلى ساحة اضطراب، مرهونا بموقف حكومته، كما يُرجّح أن ترد إيران بإجراءات إقليمية ضد أهداف مؤلمة لإسرائيل، مثل الأردن أو سوريا، في حال تصاعد دعم الجماعات المعادية لطهران.



أما السيناريو الثاني بحسب بجوهنده، فيتمثل في تهيئة الأجواء لتصعيد تدريجي يشمل إجراءات مثل تفتيش واحتجاز السفن الإيرانية، وربما فرض حصار بحري، إلى جانب عمليات تخريب واغتيالات، خصوصا في حال تراجع القدرة الإيرانية على الرد.

ويُشير إلى أن الهدف من تفعيل آلية الزناد في هذا السياق هو توفير غطاء قانوني لهذه التحركات، ويرى أن المواجهة في البحار ستكون هي الساحة الأهم، إذ أظهرت طهران سابقا أنها مستعدة للمواجهة ولديها خيارات مباشرة وغير مباشرة، بما في ذلك احتجاز سفن الدول المشاركة في الإجراءات ضدها.

ويضيف أن تأثر الاقتصاد الإيراني بشدة قد يدفع طهران إلى اتخاذ إجراءات تُسهم في رفع أسعار النفط عالميا، ليس عبر إغلاق مضيق هرمز ، ولكن عبر تحركات محسوبة ترفع كلفة تجاهل إيران على الدول الغربية. ويُحذر من أن أمن الملاحة في الخليج والبحار سيكون مهددا، مما سينعكس على اقتصادات دول الخليج والمنطقة ككل.

أما السيناريو الثالث والأخطر، فيصفه بجوهنده بـ"سيناريو القيامة"، إذ يُستخدم التفعيل لخلق مظلة قانونية ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لشن حرب شاملة على إيران، على غرار ما حدث في العراق خلال حرب الخليج الأولى.

ويشمل هذا السيناريو، وفق تحليل بجوهنده، هجمات جوية مكثفة من تحالف غربي/إسرائيلي على البنية التحتية الاقتصادية والعسكرية الإيرانية، يليها وقف إطلاق نار سريع بهدف إنهاك إيران تدريجيا من الداخل.

إعلان

ويُضيف أن إيران لن تقبل بوقف إطلاق النار مباشرة، بل ستسعى إلى كسر الحصار المفروض، من خلال إغلاق مضيق هرمز أو باب المندب ، والضغط على الممرات البحرية الإستراتيجية، واستهداف منشآت نفطية في المنطقة، ومهاجمة إسرائيل بشكل مركز، بما يشمل منشآت حيوية كديمونا ومحطات تحلية المياه، بالإضافة إلى استهداف القواعد الأميركية في العراق، والأردن، والإمارات.

ويؤكد بجوهنده أن إيران ستتضرر بشدة في هذا السيناريو، إلا أن المنطقة بأكملها لن تكون في حال أفضل، بل إن الاقتصاد العالمي، وخاصة الغربي، قد يواجه أزمة حادة.

مصدر الصورة وزير الخارجية الإيراني عراقجي (يمين) التقى المديرَ العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية غروسي في طهران (أسوشيتد برس)

خيارات الرد

ينبه الباحث إلى أن هذه السيناريوهات لا تعني بالضرورة أنها ستقع على هذا النحو، بل تُقدم أنماطا عامة لتحركات محتملة، يمكن أن تتداخل أو تُنفذ على مراحل وبدرجات متفاوتة من الحدة، كما يُشير إلى أن السياق الدولي المتغير، خاصة ما يتعلق ب الحرب في أوكرانيا ، والتنافس الصيني الأميركي، والتحولات الجيوسياسية في منطقة القوقاز، قد تؤثر بشكل مباشر على مجريات الملف الإيراني.

وعن خيارات إيران في الرد على تفعيل الآلية من قبل الدول الأوروبية الثلاث، يُشير بجوهنده إلى عدة خطوات محتملة:


* الخروج من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).
* استبعاد الدول الأوروبية من مسار المفاوضات.
* تقليص مستوى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويأتي التوتر الحالي بعد 10 سنوات كاملة على توقيع الاتفاق النووي في 14 يوليو/تموز 2015، والذي وُصف حينها بالإنجاز الدبلوماسي الأهم في العقد الأول من القرن الـ21، والذي شهد لاحقا انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، وتبادل الأطراف سلسلة طويلة من الاتهامات بخرق التعهدات.

واليوم، وبعد مرور عقد، لا يبدو أن شيئا من تلك الروح التفاوضية قد بقي، بل إن طهران ترى نفسها "مُجبرة على الرد لا على خروقات فنية فحسب، بل على ضربات عسكرية مباشرة"، كما أنها تنتهج الآن، بعد الحرب، سياسة عنوانها "الغموض النووي"، وتؤكد على عدم تنازلها عن تخصيب اليورانيوم .

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية داخل إيران أن خيار العودة إلى الالتزام الكامل أصبح مستبعدا ما لم تُقدّم الأطراف الغربية "ضمانات سياسية وأمنية حقيقية"، خصوصا بعد الهجوم الأخير على المنشآت النووية وغيرها.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا