أكدت حكومة مملكة إسواتيني (الدولة الأفريقية الصغيرة غير الساحلية) أنها استقبلت 5 أفراد تم ترحيلهم من الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وفي بيان صدر أمس الأربعاء قالت المتحدثة باسم الحكومة ثابيلي مدلولي إن عمليات الترحيل جاءت "نتيجة أشهر من الاتصالات المكثفة على أعلى المستويات".
وأضافت "السجناء الخمسة موجودون في البلاد ويُحتجزون في منشآت إصلاحية ضمن وحدات معزولة، حيث يُحتجز مرتكبو جرائم مماثلة".
لكن مدلولي أقرت ضمنيا بوجود مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان بشأن قبول أفراد مرحّلين لا تنتمي بلدانهم الأصلية إلى إسواتيني.
وقالت "بصفتها عضوة مسؤولة في المجتمع الدولي تلتزم مملكة إسواتيني بالاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الدبلوماسية المتعلقة بإعادة الأفراد، مع ضمان اتباع الإجراءات القانونية واحترام حقوق الإنسان".
وأشارت في بيانها إلى أن إسواتيني ستتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة "لتسهيل عبور السجناء إلى بلدانهم الأصلية".
تندرج هذه الترحيلات ضمن توجه أوسع اتبعته إدارة ترامب بترحيل مواطنين أجانب إلى دول لا ينتمون إليها.
وقد بررت البيت الأبيض هذه السياسة بأنها ضرورية في الحالات التي ترفض فيها الدول الأصلية استقبال مواطنيها المرحّلين.
لكن منتقدين يرون أن الإدارة تعتمد على دول لديها سجل موثق في انتهاكات حقوق الإنسان، مما يعرض المرحّلين لخطر المعاملة غير الإنسانية.
كما أعربت منظمات حقوقية عن قلقها من أن وتيرة الترحيلات السريعة في عهد ترامب تحرم المرحّلين من فرصة الطعن القانوني، مما ينتهك حقهم في الإجراءات القضائية العادلة.
وأول أمس الثلاثاء، كشفت المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي الأميركية تريشا ماكلوغلين عن الترحيلات الأخيرة إلى إسواتيني، مشيرة إلى أن المرحّلين هم مواطنون من لاوس وفيتنام وجامايكا وكوبا واليمن.
وكتبت على وسائل التواصل الاجتماعي "هبطت رحلة ترحيل آمنة إلى دولة ثالثة في إسواتيني بجنوب أفريقيا، هذه الرحلة نقلت أفرادا شديدي الوحشية لدرجة أن بلدانهم الأصلية رفضت استقبالهم".
وزعمت أن المرحّلين أدينوا بجرائم مثل القتل والاغتصاب والاعتداء على الأطفال، ووصفتهم بأنهم "وحوش منحرفة" كانوا "يروعون المجتمعات الأميركية".
منذ توليه منصبه لولاية ثانية في يناير/كانون الثاني الماضي أطلق ترامب حملة ترحيل جماعي، وكجزء من هذه الحملة رحّلت حكومته أفرادا يُزعم أنهم مجرمون إلى دول ثالثة مثل السلفادور وجنوب السودان.
ففي مارس/آذار الماضي رحّلت الإدارة نحو 200 فنزويلي إلى السلفادور، حيث تم حلق رؤوسهم وسجنهم في مركز احتجاز مكافحة الإرهاب، وهو سجن شديد الحراسة وُصفت ظروفه بأنها تشبه التعذيب.
وأفادت تقارير بأن إدارة ترامب دفعت نحو 6 ملايين دولار للسلفادور لسجن هؤلاء الرجال.
وفي مايو/أيار الماضي ظهرت تقارير تفيد بأن الإدارة تخطط لترحيل مهاجرين إلى ليبيا.
وقد أوقف القضاء الفدرالي الترحيل بسرعة، ونفى مسؤولون ليبيون هذه التقارير، لكن محامي المهاجرين أكدوا لوسائل إعلام أميركية أن الرحلة كادت تقلع، قبل أن تتوقف على مدرج المطار بسبب أمر قضائي.
وفي وقت لاحق من الشهر ذاته، أقلعت رحلة من الولايات المتحدة تحمل 8 مرحّلين إلى جنوب السودان، وهي دولة تعترف وزارة الخارجية الأميركية نفسها بوجود "مشكلات كبيرة في حقوق الإنسان" فيها، وتشمل هذه المشكلات تقارير موثوقة عن عمليات قتل خارج نطاق القانون وتعذيب وظروف سجن تهدد الحياة، وتحذر الخارجية الأميركية من السفر إليها.
وقد تم تحويل مسار الرحلة إلى جيبوتي بعد أن قضت محكمة فدرالية في ولاية ماساتشوستس بأن الرجال الثمانية لم يُمنحوا فرصة كافية للطعن في ترحيلهم وكانوا من دول، بينها لاوس والمكسيك وميانمار وكوبا وفيتنام.
لكن في 23 يونيو/حزيران الماضي أصدرت المحكمة العليا الأميركية أمرا موجزا برفع قرار المحكمة الأدنى، مما سمح باستئناف الترحيل إلى جنوب السودان.
وقد أصدرت القضاة الثلاثة ذوو الميول الليبرالية في المحكمة العليا اعتراضا شديدا من 19 صفحة وصفوا فيه قرار الأغلبية بأنه "انتهاك جسيم" لسلطة المحكمة، وانتقدوا تصرفات الرئيس باعتبارها تجاوزا للسلطة.
وكتبت القاضية سونيا سوتومايور "لقد أوضحت الحكومة قولا وفعلا أنها تعتبر نفسها غير مقيدة بالقانون، حرة في ترحيل أي شخص إلى أي مكان دون إشعار أو فرصة للاستماع إليه".
وأضافت "لا يوجد دليل في هذه القضية على أن الحكومة تأكدت من أن الدول التي اختارتها (ليبيا، والسلفادور، وجنوب السودان) لن تمارس التعذيب بحق المرحّلين".
وأعرب منتقدون عن مخاوف مماثلة بشأن ترحيل مهاجرين إلى إسواتيني التي يبلغ عدد سكانها 1.23 مليون نسمة وتقع شمال شرق جنوب أفريقيا.
وتعتبر إسواتيني ملكية مطلقة، وقد اتُهم زعيمها الملك مسواتي الثالث بقمع المعارضة باستخدام العنف، ففي عام 2021 زُعم أن قوات الأمن قتلت عشرات المحتجين المشاركين في مظاهرات مؤيدة للديمقراطية، وفي أعقاب ذلك حُكم على عدد من السياسيين بالسجن لعقود بتهمة التحريض على العنف، وهي تهمة يقول منتقدون إنها ملفقة لإسكات الأصوات المعارضة.
ومع ذلك، دافعت حكومة إسواتيني أمس الأربعاء عن التزامها بحقوق الإنسان في بيانها للرأي العام.
وقالت إن قرار قبول المرحّلين الخمسة من الولايات المتحدة اُتخذ لصالح البلدين.
وجاء في البيان "لقد تمتعت مملكة إسواتيني والولايات المتحدة الأميركية بعلاقات ثنائية مثمرة امتدت لأكثر من 5 عقود".
وأضاف "وبالتالي، فإن كل اتفاق يتم الدخول فيه يُبرم بعناية فائقة واعتبار دقيق، مع وضع مصالح البلدين في المقدمة".
وحصلت صحيفة واشنطن بوست في وقت سابق من هذا الأسبوع على مذكرة تشير إلى أن مسؤولي إدارة ترامب قد يكونون على علم بأنهم يرحّلون أفرادا إلى دول لا تضمن حقوقهم الإنسانية.
وتشير المذكرة المؤرخة في 9 يوليو/تموز الجاري إلى أن إدارة الهجرة والجمارك قد ترحّل غير المواطنين إلى دول ثالثة حتى في حال عدم تلقي ضمانات دبلوماسية موثوقة بعدم ممارسة التعذيب أو الاضطهاد طالما توفرت شروط معينة.
وأضافت المذكرة أن هذه الترحيلات قد تتم بإشعار لا يتجاوز 6 ساعات في "الظروف الطارئة".