في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بيروت- في خيمة من قماش مهترئ على أطراف بلدة كترمايا، جنوب بيروت ، تتكثف معاناة اللجوء في ملامح إيمان إبراهيم كينو، لتعكس حكاية ألم تعيشها والسوريون الذين شرَّدتهم الحرب، وجعلتهم على هامش الجغرافيا والسياسة، يطاردون البقاء بكثير من الصبر وقليل من الأمل.
"نعيش.. لكن بالكاد ننجو"، تقول إيمان للجزيرة نت، بصوت واهن يختلط فيه الرجاء بالاستسلام، وتختصر بعباراتها قصة عمرها 12 عاما من التشرد والمعاناة اليومية.
وإيمان لاجئة سورية من مدينة حلب ، تقيم في مخيم "كترمايا" منذ 2013، حيث أجبرتها الحرب على الفرار، ولم تنته بها القذائف عند حدود المدينة، بل لحقتها بصورة مرض ينهش جسد ابنتها الصغيرة.
وتقول وهي تنظر أرضا، كأنها تحاول إخفاء دموع القهر "ابنتي تعاني من نزيف في الرأس أثّر على نطقها، واليوم تعاني من كتل متضخمة في الرقبة والصدر، وحالتها تزداد سوءا، لا أمل من دون علاج".
ورغم أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين توفّر بعض الدعم، فإن ذلك، تؤكد إيمان، لا يغطي الحد الأدنى من نفقات العلاج، وتساءلت "إذا توقف هذا القليل أيضا، من أين أشتري دواء ابنتي؟".
وغير بعيد عن خيمتها، في المخيم نفسه، تخوض "غزالة علي تمع" معركة أخرى مع الفقر والمرض والانقطاع المفاجئ للمساعدات، بعد أن كانت تعمل في تنظيف البيوت، حيث أُجبرت على ترك عملها بعد تدهور نظرها، وتفاقمت المأساة بإصابة زوجها بمرض مزمن جعله طريح الفراش منذ عامين ونصف العام.
وتقول غزالة للجزيرة نت "الحياة أصبحت جحيما منذ مرض زوجي"، وتضيف "أنا اليوم عاجزة عن العمل، ورعاية زوجي تستهلك كل وقتي، ولا مورد لنا نعيش منه".
لكن الضربة الأقسى، كما تصف، كانت حين توقّفت المساعدة الشهرية التي تقدمها المفوضية الأممية، وقيمتها 145 دولارا أميركيا، وتضيف "لم تصرف منذ ما قبل عيد الفطر، وكنت أشتري بها دواء زوجي، الذي تبلغ كلفة العلبة الواحدة منه نحو مليوني ليرة لبنانية (الدولار= نحول 90 ألف ليرة)، من أين آتي بثمنها الآن؟".
وبينما تحدق غزالة في المجهول، تتردّد أنباء في المخيم عن توقف شامل للمساعدات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما يُنذر بكارثة إنسانية وشيكة، وتقول، وهي تهمس بخوف يختلط بعجز موجع، "إذا حدث هذا، لا أعرف ماذا سيحل بنا، حياتنا كلها معلّقة بهذه المساعدة".
ومثل كثير من اللاجئين، تستشعر غزالة ضغطا غير معلن من أجل العودة إلى سوريا ، وتقول "كأنهم بدهم (يريدون) يعيدونا بالقوة، لكن قريتنا مدمرة، وليس بها أمان، وبيتي سُوِّي بالأرض، لو رجعت، وين بروح (أين سأذهب)؟".
وهذا حال اللاجئ السوري أبو أحمد، الذي يقول للجزيرة نت "لا نرى خيرا، لنقول إننا فقدناه"، في إشارة للمساعدات الطبية المقدمة من المفوضية، التي باتت شكلية، لا تفي بشيء تجاه الواقع القاسي، حسب رأيه.
ويضيف "نحن لا نستفيد فعليا من تلك المساعدات، فقط عند الولادة في المستشفى، تُغطى بعض التكاليف، ومع ذلك يُطلب منا دفع مبالغ تتراوح بين 150 و300 ألف ليرة، لا نعرف إن كانت المفوضية تغطيها فعلا، أم أنها تُفرض علينا دون وجه حق، حيث كانت التكلفة سابقا تتراوح بين 75 أو 90 ألفا فقط".
ويتابع "أسماؤنا لا تزال على قوائم المفوضية، لكن ماذا ينفع وجودها إذا لم يتبعه دعم حقيقي؟".
ومعاناة أبو أحمد لا تقف عند حد انعدام المساعدة، بل تشمل وضعا صحيا بالغ الخطورة، فهو مصاب بمرض "الديسك" (آلام فقرات الظهر)، وتغطي الحروق نحو 70% من جسده، وهي إصابات خلّفتها الحرب، ولا تزال تدميه جسدا وروحا.
في المقابل، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن المفوضية الأممية أبلغت وزير الصحة ركان ناصر الدين نيتها وقف الدعم الصحي للاجئين السوريين اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بسبب انخفاض التمويل الدولي.
وفي بيان رسمي، شدد ناصر الدين على أن هذا القرار "يتطلب تحركًا عاجلًا لإيجاد سبل بديلة تضمن استمرار التغطية الصحية للاجئين، ودعم مراكز الرعاية الأولية"، مؤكدًا أن "لا حل إلا بتأمين تمويل دولي حتى تتم العودة الآمنة والطوعية".
وأثار هذا التوجه ردود فعل متباينة في لبنان ، إذ اعتبرته بعض القوى السياسية خطوة تسهم في تسريع العودة، فيما حذر آخرون من كارثة إنسانية تلوح في الأفق، تُنذر بإغراق آلاف العائلات السورية في مزيد من الألم، وبتعميق أزمة صحية لن تقف عند حدود المخيمات.
من جهته، حذَّر المحامي والباحث في القانون الدولي لحقوق الإنسان نبيل الحلبي، من استخدام الحاجات الأساسية وسيلة ضغط على اللاجئين السوريين في لبنان، واصفًا ذلك بأنه "انتهاك جسيم لحقوق الإنسان و للقانون الدولي للاجئين".
ويقول للجزيرة نت "لا يجوز حرمان اللاجئ من الخدمات الإنسانية الأساسية كالطبابة والمأوى والتعليم، لدفعه نحو العودة إلى بلده، هذا سلوك غير إنساني وغير قانوني".
ويضيف الحلبي أن أعدادًا كبيرة من اللاجئين عادوا إلى سوريا في السنوات الأخيرة، لكن ليس بفعل تحسن الأوضاع هناك، بل نتيجة ضيق العيش في لبنان.
وأردف بأن "الوضع الاقتصادي في لبنان منهار، والبنى التحتية للمخيمات متهالكة، ما دفع بعض اللاجئين للعودة رغم غياب الحد الأدنى من مقومات الحياة في الداخل السوري".
وحول الطروحات التي تربط وقف الخدمات الصحية بدفع اللاجئين إلى العودة، يعلق الحلبي "هذا الطرح غير منطقي وغير واقعي، من اختار العودة فعلا عاد، لكن الغالبية الساحقة لا تزال عالقة بين واقع مأزوم في لبنان، ومستقبل مجهول في سوريا".