في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بغداد ـ وسط تصاعد التوترات الإقليمية، خصوصا بين إيران و إسرائيل ، يواجه العراق تحديا معقدا يتعلق بمستقبل وجود قوات التحالف الدولي على أراضيه، فبينما ترى أطراف عراقية أن انسحاب هذه القوات بات ممكنا في ضوء تطور قدرات القوات العراقية، تدفع التحولات الجيوسياسية الراهنة البعض إلى إعادة التفكير في توقيت هذا الخروج ومقتضياته الأمنية.
ويقول المستشار في الحكومة العراقية عائد الهلالي إن "العراق يتابع بقلق بالغ تطورات المشهد الإقليمي، ويسعى للحفاظ على استقراره وأمنه الداخلي"، مشيرا إلى أن "الحوار مع الجانب الأميركي بشأن مستقبل الوجود العسكري على الأراضي العراقية مستمر ضمن غرفة حوار مشترك".
وأوضح الهلالي، في تصريح خاص للجزيرة نت، أن "القوات العراقية أصبحت ذات جهوزية عالية وتمتلك إمكانات متطورة"، مؤكدا امتلاكها تجهيزات متقدمة وتدريبا نوعيا في مختلف المجالات بفضل الدعم السابق من التحالف الدولي.
وبحسب الهلالي، فإن "الخطة الموضوعة تقضي بانسحاب القوات الأميركية من العراق مع نهاية عام 2025، وقد يتم الانسحاب الكامل بحلول 2026″، مضيفا أن القوات التي ستغادر سوريا قد تتجه إلى التمركز في أربيل لتقديم دعم لوجستي للوجود الأميركي هناك، دون التورط في عمليات ميدانية بالعراق.
لكنه شدد على أن "التصعيد الخطير بين طهران و تل أبيب يدفع إلى التروي في مسألة الانسحاب الأميركي الكامل تفاديا لفراغ أمني قد تستغله الجماعات الإرهابية".
في المقابل، يشير الهلالي إلى أن العراق بات يعتمد على "الدبلوماسية المنتجة" في علاقاته الخارجية، موضحًا أن البلاد فتحت أبواب التعاون الإستراتيجي مع العديد من دول التحالف الدولي بما فيها الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و ألمانيا و إسبانيا و هولندا و إيطاليا .
وأكد أن "العراق يتجه لتوقيع اتفاقات ثنائية مع هذه الدول في مجالات الأمن والصناعة والتجارة والاقتصاد مستفيدا من خبراتها لتعزيز قدراته الذاتية"، واصفا هذه الدول بأنها من "الشركاء الموثوقين الذين أسهموا في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية ويدعمون استقرار العراق".
بدوره، شدد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية النائب ياسر إسكندر وتوت على أن "الاتفاقية الإستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة ما زالت سارية رغم التوترات الإقليمية الأخيرة"، مضيفا في حديث للجزيرة نت أن "الجانبين ملتزمان بحماية المصالح العراقية وضمان الأمن الوطني".
ورأى وتوت أن الحديث عن انسحاب أميركي وشيك "غير واقعي في ظل الظروف الحالية"، مضيفا أن واشنطن "لا تفكر في التخلي عن نفوذها في العراق"، لكنه في الوقت ذاته أكد أن "أي وجود عسكري خارج إطار الاتفاق الأمني يعد انتهاكا للسيادة العراقية".
وكشف النائب العراقي أن بلده "يفتقر إلى منظومات دفاع جوي متقدمة بسبب اعتبارات سياسية وإقليمية"، متهما أطرافا دولية، من بينها الولايات المتحدة، بعرقلة حصول العراق على هذا النوع من التسليح.
في السياق ذاته، يرى الخبير العسكري الفريق جليل خلف الشويلي أن القوات العراقية باتت قادرة على ضمان الأمن الداخلي، مؤكدا للجزيرة نت أن "التحالف الدولي لا يضطلع اليوم سوى بأدوار استشارية ولوجستية".
وأضاف الشويلي أن "الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات الحشد الشعبي يملكون زمام المبادرة على الأرض"، مشيرا إلى أن " تنظيم الدولة فقد معظم قوته وباتت خلاياه النائمة تحت السيطرة"، معتبرا أن الوضع الأمني في البلاد "مستقر ولن يتأثر بخروج القوات الأجنبية".
لكنه أقر بالحاجة إلى استمرار التعاون الفني مع بعض دول التحالف، قائلا إن العراق يمتلك أسلحة أميركية وأخرى من حلف شمال الأطلسي ( ناتو )، مما يتطلب بقاء مدربين وخبراء لتأمين الدعم الفني واللوجستي.
وعن انعكاسات الانسحاب المحتمل على الاستثمارات الأجنبية والعلاقات الدبلوماسية، اعتبر الشويلي أن الأمر "مرتبط بكيفية إدارة العراق لهذا التحول"، داعيا الحكومة إلى التحرك باتجاه توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول الفاعلة في التحالف.
وأكد أن "خروج القوات بطريقة منظمة ودبلوماسية لن يؤثر على نشاط الشركات ولا على علاقات العراق مع الشركاء الدوليين"، مشيرا إلى أن العراق "يمتلك طائرات إف-16 ودبابات أبرامز ورادارات أميركية، مما يتطلب تأمين قطع غيار وعتاد بشكل مستمر".
واختتم الشويلي حديثه بالتأكيد أن "القدرات العسكرية العراقية تطورت كثيرا منذ اجتياح تنظيم الدولة في 2014، والقوات الجوية العراقية، بما فيها الطائرات المسيرة، قادرة على تنفيذ المهام القتالية بكفاءة عالية"، مشيرا إلى أن الدولة ليست غافلة عن متطلبات المرحلة المقبلة.
ويرى مراقبون أنه في ظل هذه المعطيات يبقى مستقبل الوجود الأجنبي في العراق رهين توازن دقيق بين الاعتبارات الأمنية الداخلية وتطورات الصراع الإقليمي، مشددين على أن العراق يواصل مساعيه لتعزيز استقلاليته الدفاعية، لكنه يبدو أنه غير مستعد بعد للتخلي التام عن دعم التحالف الدولي، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة التي تجعل من الاستقرار أولوية قصوى.