آخر الأخبار

تشارلز ديكنز: قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد

شارك
مصدر الصورة

من تحت معطفه الذي أثقلته حمل هموم عصره، خرجت إلى العالم شخصيات خالدة سكنت الذاكرة والوجدان، عشنا معها تفاصيل الحياة بكل ما فيها من ألم وأمل، من قسوة وظلم، ومن صبرٍ وتمسكٍ بالحياة. إنه الأديب الإنجليزي تشارلز ديكنز.

ومن بين هذه الشخصيات البارزة التي خلدها يسطع اسم الطفلين أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد، اللذين بث فيهما الحياة، فلم يكونا مجرد بطلي روايتين، بل كانا تجسيدا حيا وعميقا لمعاناة الطفولة الفقيرة في العصر الفيكتوري.

فبقلم ديكنز، تحوّلت ملامحهما البريئة، ودموعهما الصامتة، وجوعهما الصارخ إلى صرخة مدوية في وجه الظلم الاجتماعي، ولم يكتفِ ديكنز بسرد قصتيهما، بل منحنا فرصة لنشعر بألم الجوع الذي أنهكهما، وبالوحدة التي رافقتهما، وبالأمل البسيط الذي تشبثا به وسط عالم لا يرحم، ومن خلالهما أعطى صوتًا لكل طفل منسي خلف جدران المصانع ودور الأيتام الباردة.

لقد كتب تشارلز ديكنز عن مواضيع تجاهلها الكثير من الكُتّاب الآخرين في عصره، فقد كتب كثيرا عن الأشخاص الذين يعيشون في فقر، أو يعانون من المرض، أو يضطرون للنضال من أجل مكانهم في المجتمع تمامًا كما اضطر هو نفسه إلى فعل ذلك في طفولته.

واستند في رسم العديد من شخصياته إلى أشخاص حقيقيين وحياتهم الواقعية، وهذا ما جعل الناس يتفاعلون مع قصصه بشكل أكبر، ويفكرون في شكل الحياة في بريطانيا آنذاك.

وفي 9 يونيو/ حزيران من عام 1870 توفي ديكنز الذي يُعتبر على نطاق واسع أعظم كُتّاب العصر الفيكتوري، ولقد حظي بشعبية كبيرة للغاية، فقد كان في أعماله ما يجذب البسطاء والمثقفين، والفقراء والملكة على حد سواء، وقد انتشرت شهرته بسرعة في جميع أنحاء العالم.

كما يُعد أحد أكثر الكُتّاب الإنجليز طرافة وفكاهة، لكنه كان أكثر بكثير من مجرد مُسلٍّ بارع، فقد أضفت سعة رؤيته وتعاطفه وذكاؤه في فهم مجتمعه ونقائصه عمقاً على رواياته، وجعلته واحداً من أعظم المؤثرين في أدب القرن التاسع عشر، وناطقاً مؤثراً لضمير عصره.

البدايات

تقول دائرة المعارف البريطانية إن تشارلز جون هوفام ديكنز وُلد في 7 فبراير/ شباط من عام 1812 في مدينة بورتسموث على الساحل الجنوبي لإنجلترا، وكان واحدًا من بين 8 أبناء، وقد غادر بورتسموث وهو لا يزال رضيعًا، وقضى أسعد سنوات طفولته في تشاتهام بين عامي 1817و1822، وهي منطقة كثيرًا ما عاد إليها في أعماله الأدبية. ومنذ عام 1822 عاش في لندن، إلى أن انتقل بشكل دائم في عام 1860 إلى منزل ريفي يُدعى "جادز هيل" بالقرب من تشاتهام.

مصدر الصورة

وكانت أصوله متواضعة، فقد كان جده خادما منزليا، أما والده، فكان موظفا في قسم رواتب البحرية، وكان يتقاضى أجرا جيدا، إلا أن إسرافه أدخل الأسرة في أزمات مالية أو كوارث. (وقد جُسّدت بعض عيوبه، إلى جانب حيويته، في شخصية السيد ميكاوبر في رواية ديفيد كوبرفيلد، التي تحمل جانبًا من سيرته الذاتية).

وكانت اللحظة الحاسمة في حياة الطفل تشارلز ديكنز عندما كان في الثانية عشرة من عمره، عندما سُجن والده بسبب الديون، فأُجبر على ترك المدرسة والالتحاق بالعمل في مصنع لإنتاج مادة تلميع الأحذية، حيث كان يضع الملصقات على الزجاجات، بحسب موقع ديكينز أونلاين إنفو.

وقد أثّر هذا الحدث تأثيرًا عميقًا في نفسه الحساسة، وعلى الرغم من عودته إلى المدرسة في سن الثالثة عشرة، إلا أن تعليمه الرسمي انتهى عند سن الخامسة عشرة. ولقد أثّرت هذه الصدمات بعمق فيه، فعلى الرغم من كراهيته لهذا الانحدار القصير الزمن إلى طبقة العمال، فقد بدأ يكتسب فهماً متعاطفا لحياة هذه الطبقة ومعاناتها، وهو ما تجلّى لاحقًا في كتاباته، كما أن صور السجن، والطفل الضائع أو المقهور أو الحائر، تتكرر في العديد من رواياته.

وقد تطورت الكثير من سمات شخصيته وفنه خلال هذه المرحلة، بما في ذلك ما أشار إليه الروائي أنغوس ويلسون من صعوبة فهمه للنساء لاحقًا، سواء كإنسان أو ككاتب، وهي صعوبة قد تعود إلى مرارته الشديدة تجاه والدته، التي شعر أنها فشلت فشلاً ذريعًا في تقدير معاناته في ذلك الوقت، فقد كانت تريد منه أن يواصل العمل، رغم أن إطلاق سراح والده من السجن وتحسن أوضاع الأسرة المالية جعلا من الممكن له العودة إلى المدرسة.

وكانت دراسته متقطعة، وانتهت وهو في الخامسة عشرة من عمره ليبدأ رحلة العمل ككاتب في مكتب محامٍ، ثم ككاتب اختزال في المحاكم (وهو ما أكسبه معرفة بعالم القانون استثمرها كثيرًا في رواياته)، وأخيرًا، مثل أفراد آخرين من عائلته، أصبح مراسلًا في البرلمان، وقد تركت تلك السنوات في نفسه حبًا دائما للصحافة، وازدراء لكل من القانون والبرلمان.

وقد ترك عمله في ثلاثينيات القرن التاسع عشر في صحيفة مورنينغ كرونيكل ذات التوجه الليبرالي، تأثيرا بالغًا على رؤيته السياسية، وكان من بين الأحداث المؤثرة عليه أيضًا في تلك الفترة رفض ماريا بيدنيل له كخاطب، بسبب عدم رضا أسرتها عن حالته الاجتماعية.

وقد انعكست مشاعره تجاه بيدنيل، سواء في ذلك الوقت أو عند عودتها القصيرة والمخيبة للآمال إلى حياته لاحقًا، في حب ديفيد كوبرفيلد الشديد لدورا سبينلو، وكذلك في رواية دوريت الصغيرة عندما اكتشف آرثر كلينم، وهو في منتصف العمر، أن فلورا فينتشنغ، التي بدت له ساحرة في شبابه، أصبحت الآن "مشتتة وسخيفة".

المسيرة الأدبية

مصدر الصورة

كتب تشارلز ديكنز 15 رواية طويلة، و5 روايات متوسطة الطول (نوفيلا)، ومئات القصص القصيرة. وذلك بحسب موقع بايوغرافي دوت كوم.

وكان قد بدأ يكتب القصص والمقالات في المجلات والصحف عام 1833، وقد لفتت هذه الأعمال الأنظار، فأُعيد نشرها تحت عنوان "رسوم بقلم بوز" في فبراير/شباط من عام 1836.

وفي الشهر نفسه، طُلب منه أن يكتب سردا هزليا يُنشر على شكل حلقات، يرافق رسومات لفنان معروف، وبعد 7 أسابيع فقط، نُشرت أول حلقة من أوراق بيكويك. وخلال بضعة أشهر، أصبحت بيكويك ظاهرة منتشرة، وأصبح ديكنز أشهر كاتب في زمانه.

وخلال عام 1836 أيضًا، كتب مسرحيتين وكتيبا حول قضية تمكين الفقراء من الاستمتاع بيوم الأحد. كما استقال من عمله الصحفي وتولى تحرير مجلة شهرية نشر فيها رواية أوليفر تويست على حلقات بين عامي1837و1839.

وقد ظهر اعتداده بنفسه وطموحه الفني بوضوح في رواية أوليفر تويست، حيث رفض إغراء تكرار الصيغة الناجحة التي استخدمها في بيكويك. فبالرغم من احتوائها على قدرٍ لا بأس به من الكوميديا، فإن رواية أوليفر تويست ركزت بدرجة أكبر على الشرور الاجتماعية والأخلاقية، مثل نظام دار الايتام وعالم الجريمة.

وقد خُلدت الحلقة الأخيرة من أوليفر تويست في رسم مؤثر أبدعه الفنان جورج كروكشانك. وتجدر الإشارة إلى أن القوة الخيالية لشخصيات ديكنز وعوالمه السردية تدين بالكثير لرسّامي أعماله الأوائل، فقد رسم كروكشانك مشاهد من رسوم بقلم بوز وأوليفر تويست، بينما تولّى فيز (هابْلوت ك. براون) توثيق معظم الروايات الأخرى حتى ستينيات القرن التاسع عشر.

مصدر الصورة

وبعد أن وجد أن النشر على شكل حلقات شهرية يناسبه ويحقق له الربح، كرّر نمط الرواية المؤلفة من أجزاء شهرية في رواية نيكولاس نيكلبي (1838–1839)، ثم جرّب الحلقات الأسبوعية الأقصر في روايتي متجر الفضول القديم (1840–1841) وبارنابي ردج (1841).

وفي رواية بارنابي ردج، خاض ديكنز تجربة نوع أدبي آخر هو الرواية التاريخية. وكما في محاولته اللاحقة في هذا النوع، أي قصة مدينتين، فقد وضع أحداث بارنابي ردج في أواخر القرن الثامن عشر، وصوّر بحيوية وفهم عميق مشهد العنف الجماهيري واسع النطاق.

وبعد أن أنهكه العمل، أخذ عطلة لمدة 5 أشهر في أمريكا، قام خلالها بجولة مرهقة حيث حظي بترحيب كبير باعتباره نجما أدبيا، لكنه أثار استياء الأمريكيين حين احتجّ على غياب حماية حقوق التأليف والنشر.

وبعد عودته من أمريكا، كتب رواية ترنيمة عيد الميلاد في عام 1843 في غضون بضعة أسابيع فقط.

لقد كانت هذه الرواية أولى كتب عيد الميلاد (وهو نوع أدبي جديد). لقد وُصفت نظرته للحياة لاحقًا بأنها "فلسفة عيد الميلاد" التي تعكس الرغبة في أن تسود روح عيد الميلاد طوال العام، حيث كان تعلقه الكبير بعيد الميلاد، في حياته الأسرية كما في كتاباته، أمرا ذا دلالة فعلية وساهم في شعبيته، فبعد وفاة ديكنز، صاحت فتاة بائعة خضروات في لندن عام 1870 قائلة: "ديكنز مات؟ إذن هل سيموت بابا نويل أيضًا؟" وهو تعبير عن ارتباطه بعيد الميلاد وعن المكانة الأسطورية التي حظي بها هو وعمله معًا.

ومع رواية دومبي وابنه في عام 1848، بدأت كتاباته تعكس قلقًا متزايدًا إزاء شرور المجتمع الصناعي الفيكتوري، وهو ما ازداد وضوحًا في روايته ديفيد كوبرفيلد في عام 1850، وكذلك في بيت كئيب في عام 1853، ودوريت الصغيرة في عام 1857، وتوقعات كبيرة (1861)، وغيرها.

وصدرت رواية قصة مدينتين (1859) في الفترة التي بلغ فيها ديكنز ذروة شعبيته من خلال قراءاته العامة أمام الجمهور.

ما الذي يجعله مختلفا؟

كتب تشارلز ديكنز عن مواضيع تجاهلها الكثير من الكُتّاب الآخرين.

فقد كتب كثيرًا عن الأشخاص الذين يعيشون في فقر، أو يعانون من المرض، أو يضطرون للنضال من أجل مكانهم في المجتمع تمامًا كما اضطر هو نفسه إلى فعل ذلك في طفولته.

واستند في رسم العديد من شخصياته إلى أشخاص حقيقيين وحياتهم الواقعية، وهذا ما جعل الناس يتفاعلون مع قصصه بشكل أكبر، ويفكرون في شكل الحياة في بريطانيا آنذاك.

وتميزت أعماله بمعرفته الموسوعية بمدينة لندن، وباللمسة العاطفية، والخيط السوداوي، وروح الإحسان والود، وقدرته التي لا تنضب على ابتكار الشخصيات، وأذنه الحادة في التقاط أساليب الكلام المميزة، وأسلوبه النثري الفريد والمبتكر.

وكان ديكنز شديد الانجذاب إلى المسرح، وكاد أن يصبح ممثلاً محترفًا في عام 1832، كما كان انتشار رواياته الواسع مدينًا أيضا لسهولة تحويلها إلى عروض مسرحية فعّالة، ففي بعض الأحيان، كانت تُعرض نسخ مقتبسة من أحدث رواياته في 20 مسرحا بلندن في الوقت نفسه، مما مكّن حتى أولئك الذين لا يقرأون من التعرف على نسخ مبسطة من أعماله كما كان المسرح موضوعًا متكررًا في كتاباته أيضًا.

مصدر الصورة

وغالبًا ما كان يتحدى السلطة، ويتحدث بصراحة عن القوانين التي لا يتفق معها، خاصة "قانون الفقراء الجديد"، الذي تصفه المكتبة البريطانية بأنه محاولة لـ"تقليص الإنفاق على الفقر" حيث رأى ديكينز أن هذا القانون قاسٍ، وأن الفقراء بحاجة إلى المساعدة لا إلى إجبارهم على العمل في ظروف قاسية داخل المصانع.

وكان يعمل صحفيًا عندما طُبّق هذا القانون، وبذل جهدا كبيرا ليضمن أن الصحف تنقل للناس ما كان يحدث في البرلمان، ثم استخدم رواياته لاحقًا كمنصة للحديث عن النظام والمطالبة بالتغيير.

وكانت سنة 1855 عامًا مضطربا بالنسبة له، بحسب ما ذكر جون فورستر، صديقه المقرب وكاتب سيرته الذاتية فيما بعد، ويرجع ذلك جزئيا لأسباب سياسية فحرب القرم، إلى جانب كشفها عن قصور الحكومة، كانت تُشتت الانتباه عن "الفقر والجوع واليأس" داخل البلاد. وكتب ديكنز في إشارة إلى رواية دوريت الصغيرة: "كنت أنفّس فيها قليلًا عن غضب كان من الممكن أن يفجّرني، إذ ليس لدي حاليًا أي ثقة أو أمل سياسي".

فالحكومة والبرلمان في ذلك الوقت لم يكونا فقط محل ازدراء، بل إن "الحكم النيابي بأكمله قد فشل لدينا، المنظومة كلها انهارت، ولا أمل فيها"، ومع ذلك، لم يكن لديه بديل متماسك يقترحه.

ولم يكن الفن يشغل كل طاقاته الهائلة حيث كان ديكنز متميزا بمهارات عديدة، واعتبره العديد من معاصريه أنه كان أفضل مراسل صحفي، وأفضل ممثل هاوٍ على المسرح، ولاحقًا، أصبح واحدًا من أنجح محرري الدوريات وأفضل مُلقى للأداء الدرامي في عصره. وكُتب عنه في صحيفة التايمز في 10 يونيو/ حزيران من عام 1870 وهو اليوم التالي لوفاته: "حتى بغض النظر عن عبقريته الأدبية، كان رجلاً قوي العقل وكفء، وكان سينجح في أي مهنة". وقال صحفي أمريكي عنه: "كان الجميع منبهرين ببريق عينيه ومظهره الأنيق".

ومن الأشياء التي قام بها أيضا أنه أدار، بحيوية وبصيرة وتعاطف كبيرين، لمدة تزيد على عقد من الزمن، دار إصلاح للشابات الجانحات، كانت ممولة من صديقته الثرية أنغيلا بيرديت كاوتس، وكانت الروح الخيرية الظاهرة في كتاباته كثيرًا ما تجد تعبيرًا عمليًا في خطاباته العامة، وأنشطته لجمع التبرعات، وأعماله الخيرية الخاصة.

مشاكل أسرية

تزامنت حالة اليأس السياسي التي انتابته عام 1855 مع تعاسة شخصية حادة.

كان قد تزوج في أبريل/ نيسان من عام 1836 من كاثرين، الابنة الكبرى للصحفي والأديب الإسكتلندي المعروف جورج هوغارث ورزقا بعشرة أبناء عاش 9 منهم.

لكنه لم يكن سعيدا في زواجه، ففي مراسلاته مع صديقه فورستر في عامي 1854–1855، تظهر أولى اعترافاته بتعاسته الزوجية حيث كتب: "أجد أن الهيكل العظمي في خزانتي المنزلية قد أصبح كبيرًا إلى حدٍ لا بأس به"، وذلك كناية عن أن في حياته سرا سيئا ومحرجا.

وبحلول عامي 1857–1858، كما لاحظ فورستر، أصبح "الشعور بعدم الاستقرار شبه دائم لديه، والاحتياجات التي كان ينبغي للمنزل أن يوفرها له، والتي كانت في الواقع من المتطلبات الأساسية لطبيعته، فشل في العثور عليها داخل منزله".

ومنذ مايو/ آيار من عام 1858، أصبحت كاثرين ديكنز تعيش منفصلة عنه، وكان معظم أفراد أسرته وأصدقائه، بمن فيهم كاتبه الرسمي للسيرة الذاتية، جون فورستر، يتحلون بالتحفظ بشأن الانفصال.

ونسب ديكنز إلى زوجته صفات "غريبة" في مزاجها من بينها أنها كانت تعاني أحيانًا من "اضطراب عقلي"، ووافق بشدة على قولها المزعوم: "إنها تشعر بأنها غير صالحة للحياة التي كان عليها أن تعيشها كزوجة لي"، وأصر على أنها لم تكن تهتم بالأطفال، ولا هم كانوا يبادلونها المودة.

وكانت رسائله التي حاول من خلالها تبرير نفسه تفتقر إلى الصراحة، إذ إنها أغفلت ذكر إلين تيرنن، الممثلة التي تصغره بـ27 عامًا، والذي كان شغفه بها السبب الذي عجل بانفصاله عن زوجته.

وقبل شهرين من الانفصال، كتب ديكنز بصراحة أكبر إلى صديق مقرّب يقول: "إن البؤس الأسري لا يزال يثقل عليّ إلى درجة أنني لا أستطيع الكتابة، ولم أعرف لحظة سلام أو رضا منذ الليلة الأخيرة من عرض مسرحية الجمود العميق".

وكانت الجمود العميق مسرحية شارك فيها ديكنز ونيللي (الاسم الذي كانت تُعرف به إلين تيرنن) معًا في أغسطس/ آب من عام 1857. وكانت تيرنن، التي تنتمي إلى أسرة مسرحية عريقة، تبلغ من العمر آنذاك 18 عامًا، وتحدثت الروايات عنها بوصفها فتاة ذكية ذات "وجه جميل وقوام ممشوق".

وكانت قد تركت المسرح عام 1860، وبعد وفاة ديكنز، تزوجت من رجل دين وساعدته في إدارة مدرسة. وقد ظلّت علاقتها مع ديكنز طيّ الكتمان حتى ثلاثينيات القرن العشرين عندما كشفتها ابنته كيت. وقد أثار الكشف في نهاية المطاف عن هذه العلاقة صدمة ذلك أن احترامه العميق لقدسية الحياة الأسرية كان من أسباب شعبيته.

النهاية والإرث

بين عامي 1867 و1868 قام ديكنز بجولة في الولايات المتحدة مارس خلالها القراءة العامة للجمهور من رواياته مما أرهق صحته كثيرا.

وبعد عودته بدأ بكتابة رواية جديدة، وقدم موسمًا قصيرًا من القراءات الوداعية في لندن، اختتمها بالكلمة الشهيرة: "من هذه الأضواء الساطعة أختفي الآن إلى الأبد"، وهي الكلمات نفسها التي كُتبت بعد أقل من 3 أشهر، على بطاقة جنازته. وقد توفي فجأة في 9 يونيو/ حزيران من عام 1870، ودُفن في دير ويستمنستر.

ولا تزال روايات مثل أوليفر تويست، وتوقعات كبيرة، وقصة مدينتين تُباع حتى اليوم. لكن أشهر أعماله على الأرجح هي ترنيمة عيد الميلاد، التي نُشرت لأول مرة قبل عيد الميلاد عام 1843، وقد نفدت طبعتها الأولى المكونة من 6 آلاف نسخة في غضون 8 أيام فقط.

وماتزال قصة إيبنيزر سكروغ الذي يتعلم معنى روح عيد الميلاد معروفة على نطاق واسع، وقد أنتجت بي بي سي نسخة تلفزيونية جديدة منها في عام 2019.

وتحولت رواية أوليفر تويست إلى عمل موسيقي لا يزال يُعرض حتى اليوم، كما تم إنتاج عدة نسخ سينمائية من رواية توقعات كبيرة.

ولا يزال تشارلز ديكنز يُعتبر واحدًا من أعظم الكتّاب في تاريخ بريطانيا حتى إنه وُضِعَت صورته على ورقة العشرة جنيهات الإسترلينية، ويضم متحف تشارلز ديكنز، الواقع في 48 شارع داوتي في لندن، الكثير من مقتنياته التي تشمل مكتبه الأصلي ومخطوطاته الشخصية، ويجذب حوالي 50 ألف زائر سنوياً، وتقام فيه محاضرات وقراءات احتفالاً بعالميته، كما أن هناك تمثالا له في مدينة بورتسموث، حيث وُلد.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا