في اللحظة التي بدا فيها النصر حليفا للمرشح الليبرالي رافال تشاسكوفسكي، التزم منافسه القومي كارول ناوروتسكي الصمت، مكتفيا بجملة واثقة: "سوف ننتصر" وبالفعل، انتصر؛ فبعد ساعات، أُعلن رسميا فوزه رئيسا لبولندا، موجها بذلك صفعة لحكومة وارسو الحالية المؤيدة لأوروبا.
فقد وعد ناوروتسكي، بحماية سيادة بولندا وتقديم مصلحة مواطنيها على الجنسيات الأخرى، بما في ذلك اللاجئون من أوكرانيا، وخلال حملته، وجّه انتقادات متكررة لما وصفه بتدخل بروكسل (الاتحاد الأوروبي) المفرط في شؤون بلاده.
وعقب الإعلان عن فوزه، وجه ناوروتسكي رسالة شكر للناخبين، مؤكدا التزامه بخدمة البولنديين والدفاع عن مصالح بلاده التي "تعتز بتقاليدها العريقة وتحترم تاريخها".
وقال المقرّب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيبذل قصارى جهده ليكون على مستوى تطلعات الناخبين، مشددا على تمثيل وارسو على الساحة الدولية، والدفاع عن مكانتها وحقوقها.
أما تشاسكوفسكي، فأقرّ بالهزيمة وهنأ ناوروتسكي على فوزه، موجّها الشكر لكل من صوّت له.
وفي انتخابات حبست أنفاس البولنديين، جاء فوز كارول ناوروتسكي على خلاف استطلاعات الخروج الأولية التي رجّحت تقدم مرشح الائتلاف الحاكم رافال تشاسكوفسكي، كما خالف نتائج الجولة الأولى التي تصدّرها المرشح الليبرالي بنسبة 31.36%، قبل أن تحسم النتائج الرسمية السباق لصالح المرشح القومي في استحقاق شهد نسبة إقبال قياسية بلغت نحو 72%.
وبحسب النتائج النهائية التي أُعلنت صباح الاثنين، حسم كارول ناوروتسكي السباق الرئاسي بفارق ضئيل، إذ حصد 50.89% من الأصوات مقابل 49.11% لمنافسه رئيس بلدية وارسو، رافال تشاسكوفسكي، في جولة انتخابية اتسمت بحدة التنافس والانقسام في صفوف الناخبين.
ويبدو أن فوز المحافظ ناوروتسكي قد وضع البلاد على مسار القومية، مثيرا الشكوك حول مدى قدرة الحكومة المركزية التي يقودها رئيس الوزراء دونالد توسك على الاستمرار، بعد هزيمة حليفه الليبرالي في السباق الرئاسي.
ورغم الفصل الدستوري بين الحكومة والرئاسة، فإن امتلاك الرئيس لحق النقض يمنح ناوروتسكي القدرة على تعطيل أجندة توسك المؤيدة للاتحاد الأوروبي، مما يجعل من فوزه عقبة حقيقية أمام توجهات الحكومة الحالية.
وينذر انتصار المحافظين بتقويض موقع بولندا داخل الاتحاد الأوروبي، إذ يُتوقع أن يصطف مع زعماء قوميين مشككين في التكتل، وهو ما قد يفاقم الانقسامات داخله.
بالنسبة لأوكرانيا، ورغم دعمه لكييف في الحرب مع موسكو فإنه اتخذ موقفا أكثر تشددا تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مقارنة بسابقيه، ويعارض انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو )، كما يربط ذلك باعترافها بـ"مذابح الفولينيا" (أقلية بولندية تعيش في أوكرانيا) خلال الحرب العالمية الثانية .
وفور إعلان فوز مرشح حزب "القانون والعدالة" الشعبوي، سارع زعماء اليمين في أوروبا إلى الترحيب بحليفهم الجديد في معسكر المنتقدين للاتحاد الأوروبي، فهنأ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، كارول ناوروتسكي على "فوزه الرائع"، مضيفا أنه يتطلع إلى التعاون معه.
كما وصفت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان النتيجة بأنها "خبر سار"، واعتبرتها "رفضا لهيمنة أوليغارشية بروكسل وسعيها لفرض إرادة فوق الديمقراطيات الوطنية".
ودخل كارول ناوروتسكي، البالغ من العمر 42 عاما، المعترك السياسي لأول مرة عبر هذه الانتخابات الرئاسية، وهو مؤرخ وملاكم هاوٍ سابق لا يملك سجلا سياسيا سابقا، بحسب صحف عالمية.
وقد رشحه "حزب القانون والعدالة القومية" كوجه جديد في محاولة لاستعادة الحكم بعد خسارته لصالح ائتلاف دونالد توسك الوسطي عام 2023.
ورغم أن كثيرين اعتبروا الحزب قد طُوي من حسابات العودة، شكّل فوز ناوروتسكي دفعة قوية لإستراتيجية زعيمه ياروسواف كاتشينسكي، فيما رأى مراقبون أن تراجع شعبية توسك ومرشحه تشاسكوفسكي كان أحد أسباب الهزيمة.
وعليه، فإن نتائج هذه الانتخابات لن ترسم فقط ملامح المرحلة المقبلة في بولندا، بل اعتُبرت بمثابة تصويت على هوية أوروبا السياسية، وعلى توازن القوى بين التيارات الليبرالية والنزعات القومية المحافظة.