حمل مراقبون "الارتباط العضوي" بين الجيش وتنظيم الإخوان مسؤولية إفشال كافة الجهود الإقليمية والدولية التي سعت للوصول إلى حل للأزمة المتصاعدة في السودان، ورأوا أن الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها الكتائب الإخوانية خلال الحرب الحالية، ستضر بسمعة وصورة الجيش السوداني على المدى البعيد.
ويؤكد المراقبون أن بداية الحل تكمن في فك الارتباط الحالي بين الجيش وتنظيم الإخوان، لكنهم يقرون بوجود صعوبات كبيرة في ظل الدرجة العالية من الهيمنة على القرار العسكري.
وخلال العامين الماضيين، قدمت أطراف إقليمية ودولية 10 مبادرات، لكن جميعها فشلت في وقف الحرب لأسباب يقول مراقبون إنها ترتبط بهيمنة تنظيم الإخوان على مراكز القرار وإصراره على استمرار الحرب.
تحد واضح
في الأسبوع الماضي، حذر شمس الدين الكباشي نائب قائد الجيش السوداني من استخدام أي شعارات سياسية داخل معسكرات الجيش، لكن بعد ساعات من تلك التحذيرات، قال المصباح طلحة، قائد كتيبة البراء - إحدى ابرز أجنحة تنظيم الإخوان المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش- لمجموعة مقاتليه "ليس لأحد قولا علينا ولا يوجد من هو أكثر رجولة منا".
وفي هذا الإطار، يرى الصحفي والمحلل السياسي محمد المختار محمد أن تسيد الكتائب الإخوانية المتطرفة لمشهد الحرب كان "واحدا من خطوات وضع فيها الجيش السودان في حقل ألغام، ينذر بمآلات خطيرة".
ويوضح في حديث لموقع سكاي نيوز عربية: "سياسة الجيش حيال الحرب الحالية وسماحه للكتائب الإخوانية بتصدر المشهد افتقرت للحساسية السياسية وقراءة المتغيرات الدولية والإقليمية الواضحة للمراقبين، لكن يبدو أن مطامع العودة للسلطة واستخدام عقلية الكارت الأخير لا زالت تدفع تنظيم الإخوان للمضي في نهجه المتهور الذي دفعه لإشعال الحرب الحالية لذلك هو يسعى لتعقيد الأزمة أكثر".
ويشير المختار إلى أن الإخوان وعبر ماكينة الدعاية الضخمة التي يديرونها لا يزالون يسعون "لترويج أكاذيب عديدة لتبرير حربهم".
تاثير خطير
تشير تقارير إلى ارتكاب الكتائب الإخوانية المتحالفة مع الجيش انتهاكات كبيرة في حق المدنيين، مما يلقي بتبعات خطيرة على الجيش السوداني.
وفي فبراير، قالت منظمة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" إن تحقيقات أجرتها، أكدت أن قوات تابعة للجيش منها درع السودان وكتيبة البراء بن مالك ارتكبت عمدا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خلال هجوم الجيش على ولاية الجزيرة في يناير الماضي.
واستهدفت الهجمات بشكل ممنهج سكان قرى تعرف محليا بـ "الكنابي"، وصاحبتها تصفيات في عدد من مناطق مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، راح ضحيتها نحو 180 شخصا على الأقل.
وفي أبريل، أكدت الأمم المتحدة حصولها على أدلة تشير إلى ارتكاب تصفيات وعمليات قتل خارج القانون راح ضحيتها العشرات في جنوب وشرق العاصمة السودانية الخرطوم خلال الأيام التي تلت دخول الجيش والقوات المتحالفة معه لتلك المناطق في السادس والعشرين من مارس.
وشملت التصفيات عدد من المدنيين على أساس جهوي، إضافة إلى أعضاء في لجان المقاومة، وبعض المشرفين على المطابخ الخيرية "التكايا".
ويبدي الضابط المتقاعد محمد نور، مخاوفه من انعكاسات سلبية على صورة الجيش، بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها تلك الكتائب، ويوضح "الجيش هو الجهة المناط بها الامساك بزمام القيادة والسيطرة، وإدارة المعارك، وبالتالي أي انتهاكات ارتكبت من المجموعات المتحالفة معه تقع تحت مسؤوليته".
ويعزي نور وهو الأمين العام للقيادة المركزية للضباط المتقاعدين المعروفة باسم "تضامن"، التفلت الحالي إلى التفكيك الممنهج الذي طال القوات المسلحة.
ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية "كان التمكيين في الجيش من أولى اولويات تنظيم الإخوان عندما استولى على السلطة في العام 1989".
ويشير نور إلى أن عمليات تسريح الضباط المهنيين الغير موالين لتنظيم الإخوان كانت تتم بأعداد كبيرة للغاية، مما جعل العديد من الضباط يستشعرون منذ البداية مخاطر أدلجة الجيش، وإخراجه عن مساره المهني، ويعترضون على تكوين المليشيات الإخوانية الجهادية مثل الدفاع الشعبي وغيرها، لكن لم يتم الاستماع لهم إلا أن وصل الجيش الى أوضاعه الحالية".
أهداف سياسية
برزت خلال الحرب الحالية العديد من المؤشرات التي رسخت الاعتقاد بسعي الأخوان لاستخدام الجيش للهيمنة على السلطة. وشهدت الأشهر الماضية ظهورا إعلاميا مكثفا لقادة الكتائب الإخوانية، كما كشف القيادي في الحركة الإسلامية عبدالحي يوسف عن نوايا التنظيم من خوض الحرب، حيث قال خلال ندوة إن شباب الحركة المقاتلين مع الجيش أحق بالسلطة بعد انتهاء الحرب.
وفي هذا السياق، يشير خالد كودي الأستاذ في الجامعات الأميركية إلى أنه لا يمكن قراءة سلوكيات قيادة الجيش السوداني خلال الحرب الحالية بمعزل عن أيديولوجيته المتحالفة مع الإخوان، وسعيه للسيطرة عبر القمع والتعبئة العقائدية.
ويوضح "يسعى تنظيم الإخوان للاستفادة من الحرب في إعادة هندسة السودان على أسس فاشية دينية وعسكرية متطرفة، تعيد إنتاج نفس الخطاب الذي دمر البلاد عبر عقود من الحروب والانقسامات".
وينبه كودي إلى أن خطورة التحالف العضوي الذي يجمع بين الجيش وتنظيم الإخوان منذ انقلاب يونيو 1989، تكمن في "تحويل الجيش إلى مؤسسة أيديولوجية تشارك في بناء الدولة الأيديولوجية المسلحة، التي لا تكتفي بفرض النظام بالقوة، بل تعيد هندسة المجتمع نفسه استنادا إلى رؤية دينية–عرقية مغلقة".
ويضيف "أعادت الحرب الجارية إنتاج هذا التحالف، في نسخة أكثر توحشا، حيث عادت أجنحة الإخوان المسلحة مثل كتائب البراء والدفاع الشعبي، وألوية الفتح – لتشكل ذراعا تعبويا للجيش".