آخر الأخبار

في اليوم العالمي للهلال الأحمر، هل تصمد الخدمات الطبية أمام التحديات في غزة؟

شارك
مصدر الصورة

لم يستطع أحمد المتطوع في الهلال الأحمر الفلسطيني أن يأخذ وقته في الحزن على وفاة أخيه لأنه كان عليه أن يعود لعمله. ويقول: "الحرب لا تعطي فرصة للبكاء على الأحبة".

يضيف أحمد- وهو اسم مستعار- لبي بي سي: "أخي كان محاصراً في شمال القطاع في مدرسة، وانتظرنا ما بين ست أو سبع ساعات حتى نستطيع الوصول إلى جثمانه وجثامين قتلى آخرين ودفنهم".

في شمال قطاع غزة، يعرف الجميع تقريباً أحمد، الشاب الثلاثيني، الذي كان يعمل سائق أجرة قبل الحرب، وأصبح متطوعاً مع الهلال الأحمر الفلسطيني مع بداية الحرب.

قرار التطوع لم يكن وليد الحرب التي بدأت عام 2023 بل بسبب الحروب المستمرة على القطاع التي شهدها أحمد، يقول "في مايو/أيار 2004، شنت إسرائيل عملية قوس قزح، وفي 2005 وحتى 2014، تقريباً هناك ضربة أو اثنين كل عام".

حصل أحمد على دورة تدريبية في الإسعافات الأولية قبل حرب 7 أكتوبر/ تشرين الأول بعام واحد، لمدة 6 أشهر لأنه سائق ومسعف.

وعلى الرغم من شدة القصف، فضّل أحمد البقاء في شمال قطاع غزة وعدم النزوح جنوباً وذلك لأن "واجبه مساعدة الناس"، كما يقول أحمد لبي بي سي.

يحل اليوم العالمي لشبكة الهلال والصليب الأحمر الدولية في 8 مايو/ أيار، واختير اليوم لأنه يوافق الذكرى السنوية لميلاد مؤسس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هنري دونان.

جرى الاحتفال باليوم الدولي للصليب الأحمر، كما كان يُعرف سابقاً، لأول مرة عام 1948، ثم تغير الاسم الرسمي لهذا اليوم بمرور الوقت وأصبح يُعرف باسم "اليوم العالمي للصليب الأحمر والهلال الأحمر" في عام 1984.

وقال الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر جاغان تشاباغين في نهاية مارس/ آذار الماضي: "إن عدد المتطوعين والعاملين في الهلال الأحمر الفلسطيني الذين قُتلوا منذ بداية هذا النزاع وصل الآن إلى 30 شخصاً".

العمل أثناء الحرب

يبدأ أحمد عمله في السادسة والنصف صباحاً، في انتظار اتصالات الأهالي على رقم الخط الساخن للهلال الأحمر 101، "وبعدها نتوجه نحو مكان الانفجار أو القصف"، حسبما يصف. ويقول أحمد لبي بي سي إنه يعمل لمدة 24 ساعة ثم يستريح مثلهم.

تأسست جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في عام 1968، وهي عضو في الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر، ويعمل بها 4200 موظف و10 آلاف متطوع، وتدير 6 مستشفيات في الأراضي الفلسطينية، بحسب موقع الجمعية.

يركز أحمد ورفاقه على البحث عن المصابين أولاً "فالقتلى شهداء يتولاهم الله"، كما يقول. وتدوّن أعداد الضحايا في الدفاتر التي تسلم في المستشفيات ليتم إحصاء عدد المصابين والقتلى بمعرفة وزارة الصحة.

القصف المستمر على شمال قطاع غزة جعل الوصول إلى الضحايا صعباً كما يصف أحمد، ويضيف: "المسافة التي كانت تستغرق 5 دقائق للوصول إليها أصبحت تستغرق نصف ساعة بسبب ركام المباني في كل مكان".

وتقع غرفة الاتصال المركزية لخدمات الإسعاف والطوارئ في مقر الجمعية الرئيسي في رام الله.

طبقاً لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وصل عدد القتلى خلال الحرب في غزة إلى ما يزيد على 52 ألف فرد، ووصل عدد القتلى من الطواقم الطبية الفلسطينية إلى 1402 شخص.

وتصر إسرائيل على أنها تلتزم دائماً بالقانون الدولي في غزة، وتجادل أيضاً بأن "طبيعة الصراع، في ظل اختباء مقاتلي حماس بين المدنيين، يعني وقوع أضرار جانبية أحياناً"، وفق تصريحات إسرائيلية رسمية.

لا يستطيع أحمد أن ينسى مشاهد الدمار التي تكاثرت منذ أكثر من عام، ويحكى بصوت حزين: "في أوقات كثيرة تنقطع الاتصالات ولا نستطيع الوصول للمصابين، والناس في الشوارع لا تستطيع الوصول للمستشفيات".

مصدر الصورة

المتطوعون مثل باقي الناس

قُصف بيت أحمد وعائلته ثالث يوم الحرب، حيث يقول: "استأجرنا بيتاً، ثم تهدّم، فاستأجرنا آخر، نزحت مع عائلتي المكونة من أبي وأمي وأختي الصغرى وأخي وزوجته 9 مرات منذ بداية الحرب".

جرى تهجير أكثر من 1.9مليون فلسطيني قسراً وتعرض أكثر من 70 في المئة من الوحدات السكنية إلى التضرر أو التدمير، طبقا لإحصاءات الأمم المتحدة 2024.

لا ينسى أحمد اليوم الذي أُصيبت فيه زوجته في المخ بسبب القصف، إذ يقول: "كنت في الدوام، أسعفناها، وعدت لممارسة عملي دون توقف".

نزحت زوجة أحمد إلى جنوب القطاع لكي تحصل على العلاج، وظل أحمد لقرابة العام في الشمال مع والديه.

على مدار الحرب أصبح الفقد هو السمة اليومية في حياة أحمد قائلاً: "فقدت زملائي في الهلال الأحمر مندار الشريف، ويسر المصري، وصديقي الأقرب أحمد دهمان". يسكت قليلاً ثم يقول: "والله حياتنا صعبة كتير".

وأطلق الجيش الإسرائيلي حملة للقضاء على حركة حماس، رداً على هجومها غير المسبوق في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتسبب في قتل حوالي 1200 شخص واحتجاز251 آخرين في غزة، بحسب تقارير إسرائيلية.

مصدر الصورة

الإسعاف يحتاج إلى الدعم

يقول فارس عفانة مدير وحدة الإسعاف بالخدمات الطبية في غزة إنه "منذ اللحظة الأولى قامت القوات الإسرائيلية باستهداف طواقم الإسعاف والطوارئ"، ويضيف: "استشهد عدد كبير وتم تدمير مركبات الإسعاف المهترئة أصلاً، ينتظر المسعفون الموت في كل لحظة مثلهم مثل باقي الشعب، وآخرها مجزرة المسعفين في رفح".

في 23 مارس/آذار 2025، وبينما كانت قافلة مؤلفة من 4 سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، وسيارتين تابعتين للدفاع المدني، ومركبة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تتحرك لانتشال جثث قتلى وإسعاف مصابين، تعرضت لإطلاق نار مباشر من قوات إسرائيلية، وقتلت 15 من الإغاثة والمسعفين، ودفنتهم في مقبرة جماعية، باستخدام جرافة، ودُفنت معهم سيارات الإسعاف التي كانوا يستقلونها.

وأعلن جيش الدفاع الإسرائيلي أنه "سيتم فحص جميع الادعاءات المتعلقة بالحادث من خلال الآلية، وعرضها بشكل مفصل وشامل لاتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع الحدث".

وبحسب عفانة، كان قطاع غزة يمتلك عشر مركبات إسعاف، ولكن الآن لا يمتلك سوى ثلاث مركبات في شمال القطاع ومركبتين في غزة.

ويؤكد عفانة على حاجة القطاع إلى مزيد من سيارات الإسعاف لتلبية نداءات الاستغاثة ونقل المرضى والجرحى، خاصة مع وجود أماكن بها أفراد عالقين لا يمكن الوصول إليها بسبب استهداف إسرائيل لسيارات الإسعاف، وفق تعبيره.

ويرصد عفانة أيضاً انقطاع الاتصالات والإنترنت لمدة طويلة جداً، إذ يقول: "كل هذه العوامل تحول دون تسجيل عدد كبير من المفقودين والقتلى والجرحى".

كما يرصد عفانة في غزة عدم تقاضي الموظفين والمتطوعين لدى وزارة الصحة رواتبهم لأكثر من 90 يوماً، وهو ما يزيد الوضع صعوبة.

أمل في غدٍ أفضل

في يناير/ كانون الثاني من هذا العام، بدأ آلاف النازحين الفلسطينيين، بالعودة إلى شمال غزة وكانت معهم زوجة أحمد، ويقول أحمد: "يا للأسف لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من كل المناطق، ونعمل فقط في الأماكن التي يُسمح لنا بالدخول إليها".

الحياة اليومية التي يعيشها أحمد وعائلته صعبة جداً حسبما يكرر طوال حديثه بقوله: "المياه لا تصل إلا ساعتين كل أسبوع، ولا نستطيع زراعة أي مأكولات ولا يُسمح لنا بالانتقال ما بين الشمال والجنوب".

ورغم كل ما يمر به القطاع من دمار، مازال أحمد يحلم باليوم الذي ستنتهي فيه الحرب، قائلاً: "يوم تُفتح المعابر سأسافر أنا وزوجتي إلى مصر لكي نجري عملية حقن مجهري.. نحلم بطفل منذ زواجنا قبل عشر سنوات".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا