قرر المجلس المركزي الفلسطيني استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لأول مرة منذ تأسيس المنظمة عام 1964، وذلك في ختام دورته الثانية والثلاثين.
ووفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، ينص القرار الجديد على أن يتم تعيين نائب الرئيس من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بناء على ترشيح من رئيس اللجنة ومصادقة الأعضاء، مع منحه صلاحيات التكليف بالمهام أو الإعفاء منها، وقبول الاستقالة، ما يعتبر تطوراً سياسياً لافتاً.
ويضم تشكيل اللجنة التنفيذية الحالية 16 عضواً، من بينهم ثلاثة يمثلون حركة فتح، وستة ممثلين لفصائل فلسطينية أخرى، ليس من بينها حماس، إضافة إلى سبعة أعضاء مستقلين.
وتشير التقديرات وفق ما نقلت وكالة فرانس برس عن محللين، إلى أن أبرز مرشحَيْنِ لهذا المنصب الجديد هما أمين سر اللجنة التنفيذية حسين الشيخ، وعضو اللجنة القيادي عزام الأحمد.
ويُعتبر هذا القرار إشارة محتملة إلى التحضير لمرحلة سياسية انتقالية، قد تؤدي إلى ظهور رئيس خامس للمنظمة بعد كل من أحمد الشقيري، ويحيى حمودة، وياسر عرفات، والرئيس الحالي محمود عباس، الذي يقود المنظمة منذ عام 2004.
من جهتها أعربت حركة حماس عن رفضها الكامل لما صدر عن اجتماع المجلس المركزي، معتبرة مخرجاته "خيبة أمل وطنية عميقة"، و"تجاهلاً صريحاً لآمال وتطلعات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات". وفق تعبيرها.
وفي بيان صدر عنها، قالت حماس إن المجلس "فشل في الارتقاء إلى مستوى التحديات، خصوصاً في ظل المجازر المستمرة في غزة والتصعيد الاستيطاني في الضفة والقدس"، مضيفة أن "القرارات الصادرة لم تعبّر عن وحدة وطنية، بل كرّست التفرّد والإقصاء والانفصال عن واقع الشعب الفلسطيني الصامد".
وعلي مدار يومين، عقد المجلس في رام الله اجتماعه الدوري الثاني والثلاثين، الذي ناقش عدداً من القضايا السياسية والداخلية، أبرزها الحرب على قطاع غزة، ومخاطر التهجير والاستيطان، ومستقبل النظام السياسي الفلسطيني، وفق البيان الرسمي.
ولم تخْلُ الدورة الثانية والثلاثون للمجلس من التوترات السياسية، إذ أعلنت أربع فصائل فلسطينية بارزة مقاطعتها أو انسحابها من الاجتماع، احتجاجاً على ما وصفته بـ"الانعقاد دون توافق وطني أو تحضيرات تنظيمية، وتحت ضغوط خارجية".
وأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مسبقاً مقاطعتهما لجلسات المجلس، بينما قررت كل من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني الانسحاب خلال الجلسة الأولى.
وقالت ماجدة المصري، نائبة الأمين العام للجبهة الديمقراطية، في مؤتمر صحفي عقدته في رام الله، إن الجبهة قررت الانسحاب "نظراً لما قد يترتب على هذه الجلسات من نتائج خطيرة، خاصة في ضوء الخطاب الذي ألقاه الرئيس عباس وما تضمّنه من مؤشرات مقلقة".
ودعا محمود عباس في خطاب ألقاه بالجلسة الافتتاحية للمجلس، حركة حماس إلى التخلي عن مسؤوليتها عن قطاع غزة، وتسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، والتحول إلى حزب سياسي قائلاً إن "حماس منحت الاحتلال المجرم ذريعة لارتكاب جرائمه في قطاع غزة، وأبرزها احتجاز الرهائن".
وفي حين لم يصدر أي تعليق من المجلس المركزي بشأن انسحاب عدد من الفصائل أو الاعتراضات على مخرجات الاجتماع، أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" بأن الرئيس محمود عباس ألقى كلمته خلال الجلسة المغلقة للمجلس، التي تم خلالها التأكد من توافر النصاب القانوني.
وبلغ عدد الحضور 160 عضواً من أصل 200، في حين يُحدد النصاب القانوني للمجلس بنسبة 50 في المئة + 1.
وأكد عضو المجلس الوطني عمران الخطيب، أن كلمة الرئيس عباس تؤكد حرصه على "أهمية الوحدة الوطنية والشروع بحوار وطني شامل مع كافة الفصائل لتوحيد البيت الداخلي" - وفق تعبيره.
من جهته، قال رمزي رباح، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، إن "انعقاد المجلس جاء نتيجة ضغوط غربية، وتحديداً أمريكية، تهدف إلى إدخال تعديلات على النظام السياسي الفلسطيني، من بينها استحداث منصب نائب الرئيس بما يتيح نفوذاً خارجياً في القرار الفلسطيني".
كما أصدرت حركة المبادرة الوطنية، التي يتزعمها الدكتور مصطفى البرغوثي، بياناً أكدت فيه رفضها المشارَكة، مشيرة إلى أن "عدم إجراء الحوارات التنظيمية المعتادة مع القوى الفلسطينية، يكرّس صورة أن الاجتماع جاء لتلبية مطالب خارجية محددة".
وبحسب وكالة وفا، فقد شارك في جلسة التصويت على قرار استحداث المنصب الجديد 172 عضواً من أصل 188، حضروا شخصياً أو عبر تقنية الاتصال المرئي (زوم)، وصوّت لصالح القرار 170 عضواً، بينما رفضه عضو واحد، وامتنع آخر عن التصويت.
ويُشار إلى أن المجلس المركزي يُعد أعلى هيئة تشريعية في النظام السياسي الفلسطيني في ظل غياب المجلس الوطني، وهو الجهة المخولة بانتخاب اللجنة التنفيذية، التي تقود منظمة التحرير وتوقّع باسمها الاتفاقيات السياسية مع الدول والمنظمات الدولية.
وأشارت حركة حماس إلى أن الاجتماع عُقد في ظل مقاطعة فصائل" وازنة"، في مقدمتها الجبهة الشعبية، والمبادرة الوطنية، وتحالف القوى الفلسطينية، إضافة إلى انسحاب الجبهة الديمقراطية وشخصيات وطنية مستقلة من الجلسات، وفق تعبيرها.
وانتقدت حماس ما وصفته بـ"التجاهل الصارخ لمخرجات الحوارات الوطنية السابقة"، وعلى رأسها "اتفاق بكين"، الذي نَصّ على تشكيل حكومة توافق وطني، كمدخل لإنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني.
كما رفضت ما صدر عن الرئيس عباس خلال الجلسات من "شتائم وإساءات فجة بحق قوى المقاومة الفلسطينية"، وفق تعبير البيان.
تأتي هذه الخطوة في سياق دعوات متزايدة من المجتمع الدولي لإجراء إصلاحات شاملة في السلطة الفلسطينية. ففي وقت سابق من أبريل/نيسان 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات مالية جديدة للسلطة الفلسطينية بقيمة 1.6 مليار يورو (1.8 مليار دولار) تمتد لثلاث سنوات، مشروطة بتنفيذ إصلاحات جوهرية في مجالات الحوكمة ومكافحة الفساد.
وأكدت المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط، دوبرافكا سويكا، أن الدعم المالي مرتبط بتحقيق "إصلاحات ضرورية" لتعزيز مصداقية السلطة الفلسطينية.
كما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إصلاح السلطة الفلسطينية لتمكينها من إدارة قطاع غزة بعد الحرب، مشدداً على ضرورة تمكين قيادة فلسطينية موحدة وفعالة كجزء من حل الدولتين.
وقد جرى عقد اجتماع بين رؤساء أجهزة الاستخبارات في السعودية ومصر والأردن مع نظيرهم الفلسطيني، مدير جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، في العاصمة السعودية الرياض، وذلك في يناير/كانون الثاني 2024.
وخلال هذا الاجتماع، شدد المسؤولون العرب، وفق ما نقلت آكسيوس على ضرورة إجراء إصلاحات جادة في السلطة الفلسطينية، بما في ذلك إعادة توزيع السلطات التنفيذية، لتمكينها من لعب دور فعال في إدارة قطاع غزة بعد الحرب.
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وتعرّف عن نفسها بأنها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين في جميع أماكن وجودهم.
ومنذ عام 1965، تُهيمن حركة فتح على قيادتها، وتُعتبر اللجنة التنفيذية هي الجهاز القيادي الأعلى للمنظمة، وتدير شؤونها السياسية والدبلوماسية.
ويأتي استحداث منصب نائب الرئيس في ظل فراغ تشريعي مستمر، وتعثر جهود المصالحة الوطنية، بينما تتواصل الحرب في قطاع غزة، وتتصاعد الضغوط الدولية لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
أما المجلس المركزي الفلسطيني فهو هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني، ويُعد مسؤولاً أمامه، ويتكوّن المجلس من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس المجلس الوطني، وعدد من الأعضاء لا يقل عن ضعفي عدد أعضاء اللجنة التنفيذية، يُمثّلون فصائل عدة واتحادات شعبية وكفاءات فلسطينية مستقلة.
وتقرر تشكيل المجلس المركزي خلال الدورة الحادية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عُقدت عام 1973، وذلك بهدف معاونة اللجنة التنفيذية في تنفيذ قرارات المجلس الوطني، وإصدار التوجيهات المتعلقة بتطورات القضية الفلسطينية بين دورتي انعقاد المجلس الوطني.
ويختص المجلس المركزي باتخاذ القرارات في القضايا والمسائل التي تُعرض عليه من قبل اللجنة التنفيذية، ضمن إطار مقررات المجلس الوطني.
كما يتولى مناقشة وإقرار الخطط التنفيذية المقدمة من اللجنة التنفيذية، ومتابعة تنفيذها، والإشراف على حسن سير عمل دوائر منظمة التحرير الفلسطينية، مع تقديم التوصيات اللازمة بهذا الشأن إلى اللجنة التنفيذية.
ومن بين مهام المجلس المركزي تشكيل لجان دائمة من بين أعضاء المجلس الوطني، على أن يكون رؤساء هذه اللجان من أعضاء المجلس المركزي، كما يختص بالبتّ في الأمور والقضايا العاجلة والطارئة، شريطة ألا تتعارض مع أحكام الميثاق الوطني الفلسطيني.
ويُمنح المجلس صلاحية تجميد أو تعليق عضوية أي عضو أو تنظيم، واتخاذ العقوبات المناسبة بحقه، مع عرض هذه القرارات على المجلس الوطني في أول دورة انعقاد له.